أكتب اليوم عن مقال القس د.أندريه زكي الذي نشره تحت عنوان (نحو محاولة للخطاب الديني المسيحي الجديد)، وتأتي أهمية ما جاء في هذا المقال إلي أنه قد انطلق من التحديات التي تواجه المواطن المسيحي المصري ليصل إلي مداخل متعددة للتفاعل والاندماج. حدد المقال المذكور التحديات التي تواجه المسيحيين في المجتمع، بأنها: - التشكيك الوطني الذي يختزل كل أشكال الهوية في الهوية الدينية، وهو ما نعاني منه في ظل الحديث عن الفرعونية في مقابل العروبة، أو المصرية في مقابل الهوية الإسلامية. - التشكيك العقائدي الذي يسهم في خلق صورة ذهنية سلبية حول الآخر، وهو ما نعاني منه الآن من الطرفين المسيحي والمسلم في مصر بعد أن حولته بعض البرامج الفضائية إلي حديث الشارع. - التمييز الديني - وليس الاضطهاد - من خلال بعض الأشخاص، والتي تسيء بدورها للدولة والنظام، وهو ما يتسبب في وجود فجوة بين النص الدستوري والقانوني الذي يؤكد علي منظومة المواطنة، وبين التنفيذ العملي والإجراءات اليومية التي يتحكم فيها البعض من أصحاب الرؤي الضيقة. - الفرز علي أساس ديني، وهو ما نجده في الحديث عن الانتماء الديني لكل طرف للحكم علي كفاءته وصلاحيته واقتداره. وهو ما يعني تحويل مفهوم (أهل الخبرة) إلي مفهوم (أهل الثقة)، وهو ما أصبح يعني (أهل الدين الواحد). أستطيع أن أتقبل منطق أندريه زكي في أن المسيحيين المصريين هم الذين أسهموا في ترسيخ هذه التحديات من خلال مواقفهم السلبية والانسحاب من بعض المجالات السياسية والرياضية والفنية. وتناسي جميع الأطراف المعنية بهذا الشأن في المجتمع المصري أن المواطنة ليست هي الدين، ولكن الدين شريك في صياغتها. وكما أكتب دائماً في كوننا نختزل المواطنة في الدين رغم أنه جزء منها.. يتساوي مع عدة عناصر أخري، وعلي سبيل المثال: النوع الاجتماعي (الرجل والمرأة)، والمعاق وغير المعاق، وصغير السن والكهل، وأصحاب البشرة البيضاء وأصحاب البشرة السمراء. بالطبع، العقائد الدينية انتقائية بطبيعتها، وتميل نحو استبعاد المختلفين معها، ومن ثم فإن الفكر الديني الذي يمكنه ترسيخ مفهوم التماسك مع تخطي محدودية العقيدة، سوف يسهم في دعم فكرة الوحدة مع التنوع، وهي فكرة حتمية للمجتمع المدني والديمقراطية. كما أن المسئولية الإيمانية تتطلب خلق مجتمع العدالة والحق. وهو ما يتطلب ترسيخ فكرة المؤسساتية لتشجيع الكنيسة علي القيام بدور مؤسسي مستقل عن الدولة، يسهم في بناء الجسور بين الكنيسة والمجتمع.. وما يترتب علي ذلك من التغلب علي الشعور بالانعزالية والاغتراب. حاول أندريه زكي أن يربط بين ما سبق وبين التأصيل اللاهوتي لتطوير تلك العلاقة الملتبسة بين الكنيسة وخصوصيتها من جانب، وبين الولاء والانتماء والتفاعل من جانب آخر. غير أن واقع الأمر.. يؤكد علي أن المفاهيم التي اعتمد عليها هي مفاهيم منظومة المواطنة التي ترسخ الدولة المدنية لجميع المواطنين في ظل تأكيد الخصوصية الدينية لكل طرف.