فى أغوار الصعيد حيث تنتشر جرائم الأخذ بالثأر يلجأ الأثرياء من العائلات الكبيرة إلى الاستعانة بالقاتل الأجير وهو عشماوى مدنى يقوم بتنفيذ عقوبة الحكم بالإعدام على أحد الأشخاص المطلوب قتله قصاصا لما ارتكبه من جريمة قتل سابقة والقاتل الأجير فى بلاد الصعيد له حقوق وعليه واجبات فمن حقوقه على عائلة القتيل الذى أزهق روحه القاتل الأجير ألا تنتقم منه ولا تدخل فى خصومة معه ولا تأخذ منه هو ثأرها بل تبحث وتتقصى عمن دفع له واستأجره لكى يقتل لهم أحد رجالهم وبعد أن تتأكد من صاحب الجريمة الحقيقية وتعرف من الذى دفع للقاتل الأجير تبدأ فى ترتيب عملية الأخذ بالثأر، ومن الملابسات الغريبة فى الصعيد أن العائلة المكلومة فى مصابها الفادح قد تستأجر نفس القاتل الأجير وتدفع له ضعف ما دفعته العائلة الأخرى ليقتل لها أحد رموز العائلة الأخرى لأن الأخذ بالثأر يتم لحرق قلب العائلة على أعز ما لديها من الرجال فيذهب القاتل الأجير لأداء مهمته فيقتل رجلاً آخر من رجال العائلة التى دفعت له فى المرة الأولى وهكذا ومن حقوق القاتل الأجير فى الصعيد ألا يشهد عليه أى فرد ممن استأجره فى المحاكم أو التحقيقات أمام النيابة فالجميع ينكرون ذلك سواء عائلة القتيل أو العائلة التى دفعت أجرة القاتل فهذا عرف واتفاق مضمون، لذلك فإن القاتل فى هذه الصراعات الثأرية يتقدم نحو ضحيته ويقتله بدم بارد وهو يعلم انه لن ينال أى عقاب. فهو فى مهمة عمل تقاضى عنها أجره كاملاً، فالقاتل الأجير يبدأ أجره من عشرة آلاف جنيه فيما مضى ووصل الآن إلى 25 ألف جنيه وإذا كان الشخص المطلوب قتله ذا حيثية كأن يكون نائبًا فى البرلمان أو عمدة مثلاً من الممكن أن يصل أجره إلى 50 ألفاً وربما مائة ألف جنيه وهذه التسعيرة أيضًا لها أصول عرفية وضوابط متعارف عليها فى الصعيد وقد التقيت فى السبعينيات بقاتل أجير جمعتنى به صدفة عجيبة على إحدى مقاهى محافظة قنا بجوار مسجد سيدى عبدالرحيم القنائى وكان عائداً من مشوار قتل فيه أحد الأشخاص المهمين فجلس بهدوء وأخذ يستمع للسيرة الهلالية التى كان يتغنى بها أحد المنشدين فى مولد سيد عبدالرحيم القنائى وهو يشرب قهوته وأمامه شيشة معتبرة خاصة به وعندما تقاربنا لولعنا الشديد بالسيرة الهلالية حكى لى هذه الحكايات حول جرائم القتل المدفوعة الأجر وحدثنى عن طبيعة عمل القاتل الأجير وكان السؤال الذى يشغلنى يومها وسألته عن إجابته: كيف تقتل روحا لم تتعرض لك بأى أذى وكيف تنهى حياته بدم بارد دون أن يهتز لك رمش أو يرتعش لك ضمير وتعود من رحلة الإعدام لتجلس هادئًا تستمع للسيرة الهلالية دون أى إحساس بتأنيب الضمير بعد أن قتلت رجلاً لا تعرفه. صمت قليلاً وقال لى: بصوت أسكنه كل ما يمكن من حكمه: - أنت أجبت عن سؤالك يا أستاذ لأننى لا أعرفه ولم آكل معه عيش وملح لذلك فأنا أقتله بدم بارد كما تقول ولو كنت عاشرته أو عرفته من قبل أو تقاسمنا الطعام يومًا ما لا يمكن أن أقتله فهذه خيانة وغدر فى عرف القاتل الأجير «!!» فعدم معرفة القتيل جزء من عملية تنفيذ حكم الإعدام فيه بدم بارد. لست أدرى ما الذى جعلنى أتذكر حكاية هذا القاتل الأجير الذى التقيت به منذ 42 سنة عام 1972 تحديداً وأنا أتابع بقلب موجوع أحداث بورسعيد خاصة بعد أن استمعت وقرأت شهادات شهود العيان من شباب الألتراس الذين عاشوا تلك اللحظات القاسية حيث لم يكن هناك ما يفصلهم عن الموت المحقق سوى طول العمر ورعاية الله لأرواحهم الطاهرة وهذه الشهادات كانت تتحدث عن القتل بالسواطير والمطاوى والخنق بالحبال والأسلاك والرمى بالأحياء من فوق المدرجات والذبح من الرقبة ورشق السكين فى القلب إنها جرائم قتل تم ارتكابها بدم بارد وبأياد عتاة المجرمين المدربين على القتل وإزهاق الأرواح ولكن هؤلاء السفاحين عندما يتم القبض عليهم ويعترفوا على المحرضين يقولون إنهم تقاضوا مائتى جنيه أو فى أعلى الأسعار ألف جنيه فكيف تواتيهم الجرأة على قتل 74 شاباً فى عمر الزهور فى أقل من ساعة وكأنهم يذبحون دجاجًا فى مجزر آلى كيف يتم القتل بدم بارد وبهذه السهولة ما لم يكونوا يعملون بمهنة القاتل الأجير؟ إنهم يعلمون تماما أنهم لن ينالوا العقاب الرادع وهو الشنق جزاءاً لما ارتكبوه من جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بالتأكيد هم لديهم حماية كبرى من جهة ما قوية وإلا ما أقدوموا على ارتكاب هذه الجرائم البشعة فى أقل من ساعة وبمثل هذه الجرأة وبهذا الدم البارد هم يدركون تماماً مثلهم مثل القاتل الأجير أن أحداً لن يبلغ عنهم وأن العائلة التى دفعت لهم لن تعترف عليهم ولن ترسل أوراقهم إلى مفتى الديار المصرية لكى يعلقوهم على أعواد المشانق، بالتأكيد نحن نعيش فى عصر القاتل الأجير وأرواح المصريين الشرفاء البسطاء ودماؤهم الطاهرة هى الثمن لذلك لابد أن نبحث عمن دفع للقاتل الأجير أجره لكى يقتل بدم بارد كل هؤلاء الأبرياء.