هذه المؤسسة الوطنية (النيابة العمومية) أو النيابة العامة في مصر كانت هي خط الدفاع الأول عن حقوق شعب مصر، وعن أصول هذا الشعب من ثروات وأعراض، كان النائب العام، وهو رأس هذه المنظومة أو هذه المؤسسة الوطنية، يُشهد له، بأنه رجل علي مستوي المسئولية الوطنية، أو أنه رجل يتبع النظام الحاكم! سواء كان سلطاناً، أو ملكاً، أو رئيس جمهورية، وقد استطاع بعض هؤلاء المصريين من أصحاب المقام الرفيع أن يحِق له وصف (نائب عموم مصر) بحق! ولقد سجل التاريخ الوطني المصري، عديداً من المواقف الوطنية التي شهدت فيها الأحداث بأن النيابة العامة كانت خير مدافع عن حقوق المصريين، وها نحن اليوم يعيد التاريخ تسجيل شرف جديد يضاف إلي تلك اللوحة التاريخية التي سجل فيها موقف النيابة العامة ونائبها العمومي، المستشار الدكتور «عبد المجيد محمود» وفريق عمله من نواب ومحامين عموم، وهذا ما انطبق علي ما قدمه المستشار «مصطفي سليمان» والمستشار «مصطفي خاطر» في قضية قتل المتظاهرين فيما أسميناها (ثورة 25 يناير) والتي لم تكتمل حلقاتها أو أهدافها حتي اليوم!. وهذه المرافعة العظيمة التي واصلت المحكمة برئاسة المستشار «أحمد رفعت» الاستماع إليها لمدة ثلاثة أيام في وجود المتهمين، من رئيس الجمهورية السابق ووزير الداخلية الأسبق ومعاونيه، وقسمت المرافعة ما بين قتل متظاهرين، وقضايا فساد، وخرج المستشار «مصطفي سليمان» علي هيئة الدفاع عن المتهمين وكذلك هيئة المحكمة بل علي شعب مصر، بأدلة ثبوت التهم وفصولها وتدرج أحداثها، بالصوت والصورة والمستندات التي استطاعت النيابة العامة الحصول عليها، ورغم كل العثرات التي واجهت فريق التحقيق، سواء من أجهزة في الدولة معنية بالمعلومات، أو أفراد عاشت أكثر وقت من عمرها المهني مع أعضاء من المتهمين، سواء في مواقع المسئولية المباشرة عن الجريمة موضع المحاكمة أو ما سبقها من خدمة في أماكن أخري. كل هذه العوائق الإدارية والإنسانية لم تحبط النيابة العامة، عن تكوين قرار بالإدانة لكل من شارك، أو حرَّض أو أغفَّل النظر، عن إصدار قرار بوقف نزيف الدم الذي استمر طيلة أيام ثورة الشباب من (25يناير) حتي تخلي الرئيس عن منصبه مساء يوم (11 فبراير 2011)، لقد أفرد المستشار «مصطفي سليمان»، كل الحقائق، وأسند فيها الاتهام إلي الرئيس السابق واصفاً إياه بالفرعون الذي نسي شعبه، وجنَّدَ كل مؤسسات الدولة إلي هدف واحد ووحيد وهو عملية توريث السلطة، بل إن الأكثر فداحة فيما عرضه المحامي العام الأول في معرض مرافعته عن الشعب، بأن الرئيس السابق ترك المفسدين في البلاد يرتعون، ويسعون في إفساد الحياة السياسية المصرية، ونتذكر جميعاً، كيف كان الوزراء في كل الوزارات المهمة في البلد خاصة تلك الوزارات ذات المهام الاقتصادية، مثل الإسكان والبترول والزراعة وغيرها، كيف كانوا يتصرفون فيما منوط بهم من ثروات وكأنهم في (عزب خاصة) بأهاليهم وكيف تورط وزير الإسكان الأسبق «محمد إبراهيم سليمان»، في التربح، وكذلك تربيح غيره من الأسرة أو من الأصدقاء أو من رجال الأعمال أراضي بلا حساب، وكشوف بركة، ورشوة وفساد حتي إن خلع الوزير من موقعه احتاج إلي عشرات المحاولات، ورغم ثبوت الفساد في إدارته وحوزته لكل تلك المليارات التي أثبتتها الأجهزة الرقابية، إلا أن الرئيس السابق، منحه وساماً من أعلي أوسمة الدولة، وكأنه يسخر من شعب مصر، ومن المعارضين ومن الكاشفين عن عورات هذا المسئول، وكتبنا ذلك في حينه، ولكن للأسف الشديد، قوبل كل ذلك بالازدراء التام والاستهتار بل وفي بعض الأحيان ومع بعض الشخصيات المصرية المحترمة بتلفيق التهم وحبسهم علي ذمم قضايا رأي أو شيكات مضروبة كما حدث مع الزميل الصديق «محمد سعد خطاب»، شكراً للنائب العام ورجاله، علي هذه المرافعة التاريخية!