ترجمة - داليا طه مثلت الانتفاضة الشعبية التي شهدهاالعالم العربي وعرفت باسم «الربيع العربي» مفاجأة صادمة للمراقبين والمحللين سواء بالداخل أو بالخارج. وأمام هذا الطوفان من الرغبة في التغيير الذي انفجر في نفوس الشعوب العربية والذي أطاح بثلاثة رؤساء «بن علي - مبارك - القذافي» ويهدد عددًا آخر غيرهم.. وجد الأكاديميون المتخصصون في الشأن العربي أن ما يحدث لا يتطابق مع واقع الحال في السياسة العربية التي عرفت بقبولها لعقود للتمادي في الحكم غير الديمقراطي. الكاتب جريجوري جوز الثالث كتب دراسة متكاملة عن الوطن العربي وما يتعرض له من حركات تحرر لكن هذه المرة ليست ضد احتلال وإنما ضد الحكم الديكتاتوري وتحدث في دراسته التي نشرت بمجلة «فورين أفيرز» بالتفصيل عن الدول التي قطعت بالفعل شوطا تجاه الديمقراطية ونجحت في إسقاط الحكم الديكتاتوري بها.. منبها إلي ضرورة البحث عن التغييرات التي حدثت في القوي والتي كانت حجر الزاوية لاستقرار الأنظمة العربية علي مدي أربعة عقود والعوامل الجديدة التي تسببت في إشعال الثورات الآن. واهتمت الدراسة بعدة نقاط أساسية في أي مجتمع مثل علاقة السلطة الحاكمة بالجيش والنظام الاقتصادي للدولة والهوية العربية التي تجمع شعوب الدول العربية. وأكد أن عددًا من علماء السياسة من الذين يعملون في الشرق الأوسط فسروا الاستقرار الغريب الشكل للأنظمة العربية بحديث الأدبيات العربية عن كيفية تمكن الدكتاتوريين العرب من الاستمرار اعتمادًا علي أفكار قديمة مثل أن الإسلام مناف للديمقراطية أو كيف أن الأدب العربي يستمر متماديا بالأبوية السلطوية وتقليدي جدا لدرجة تعوقه عن التغيير الديمقراطي لكن الآن اتضح لنا كم كان مفهوم الديمقراطية شعبيا في المجتمع العربي عندما أعطي الفرصة ليدلي بأصواته بأعداد كبيرة، كما فهمنا أن العربي لن يقبل بالاستسلام للحكم الاستبدادي. ولم يتمكن الحكام السلطويون العرب من البقاء في السلطة عبر السنين الأربعين الأخيرة إلا بواسطة الاستبداد وقمع المحاولات الشعبية للإطاحة بهم. موقف الجيوش من الانتفاضات الشعبية معظم علماء السياسة افترضوا أنه ليس هناك فرق بين الأنظمة وقواتها العسكرية وأجهزتهم الأمنية، لم يكن هذا الافتراض غير منطقي، كثيرون هم الرؤساء العرب الذين كانوا عسكريين قبل تسلم الحكم بمن فيهم بن علي ومبارك، مع انطلاق الانقلابات العسكرية العربية فيما بين 1950 و1960، الرؤساء العرب أقاموا المؤسسات ليحققوا السيطرة السياسية علي جيوشهم وفي بعض الحالات أقاموا قوات عسكرية رديفة مناوئة لجيوشهم لإيجاد توازن قوي مع الجيش وللقضاء علي الحروب الأهلية وضرب الانتفاضات. نتيجة ذلك افترض معظم خبراء الشرق الأوسط أن الجيوش العربية والأجهزة الأمنية لن تقوم أبدا بالانفصال عن حكامها هذا الافتراض برهن علي خطئه كما تجاهلوا دراسة دور العسكر في السياسة العربية وطريقة تعاملهم مع الانتفاضات الشعبية هذا مع أن هذا الموضوع كان يشكل أبرز النواحي بالنسبة للدراسات الشرق أوسطية - عندما قامت انقلابات 1950 و1960 شكلت مركز انتباه أكاديمي تلك الفترة من الزمن - الاستقرار العجيب للأنظمة العربية منذ ذلك الوقت ساقنا للاعتقاد بأن القضية لم تعد مهمة ومع ذلك فإن مراجعة أولية للثورات الأخيرة تبين أن هناك عاملين يبينان كيفية تفاعل الجيوش العربية مع الانتفاضات الشعبية التركيبة الاجتماعية لكل من النظام والجيش ومستوي الوضع الإداري والمهني للجيش بحد الذات. الدول التي قام فيها الجيش كمؤسسة، بالانحياز إلي جانب المتظاهرين، مصر وتونس، هما من أكثر المجتمعات تجانسا في الوطن العربي كلاهما يحتوي علي أكثرية سنية، «الأقلية القبطية المسيحية تلعب دورا اجتماعيا مهما في مصر ولكنها ذات تأثير سياسي محدود - 12 مليونًا من أصل 82 مليون نسمة» كل من الجيشين المصري والتونسي نسبيا مهني، ولا يشكل أي منهما أداة في يد الحاكم، وقد أدرك قادة الجيش في كل من الدولتين أنه بإمكان مؤسستيهما أن تلعب دورا مهما في ظل النظام الجديد وبالتالي فإنهما علي استعداد للمخاطرة بالقضاء علي الحرس القديم في الدول العربية التي تشكل القوي المسلحة أقل مؤسساتية وحيث القوي الأمنية يمسك بقيادتها أفراد من العائلة الحاكمة وتشكل أداة بيد الحاكم وعائلته انقسمت هذه القوات أو انحلت عند مواجهتها للاحتجاجات الشعبية في كل من ليبيا واليمن ساندت الوحدات التي تمسك بقيادتها العائلة الحاكمة النظامين بينما انحازت الوحدات الباقية إلي المعارضة أو أخذت وضعا محايدا أو ذهب أفرادها إلي بيوتهم في مجتمعات منقسمة حيث يشكل النظام أقلية طائفية أو مناطقية وشكلت قيادة من الضباط تنتمي أكثريتهم إلي الأقلية ساندت الجيوش أنظمتها وفي البحرين حيث تقود القوات الأمنية مجموعة من الضباط من الطائفة السنية في دولة ذات أكثرية شيعية وقفت هذه القوات بقوة لحماية النظام الملكي السني. رد فعل الجيش علي الأزمة التي تواجه نظام الأسد سيشكل امتحانا مهما علي هذه الفرضية فأعضاء عائلة الأسد يقودون قطاعات مهمة من الجيش وأفراد من الطائفة العلوية وغيرهم من جماعات الأقليات يقودون نسبة لا بأس بها ضباط قطاعات الجيش في الدولة ذات الأكثرية السنية إذا تمكنت جماعات الأقليات من الصمود سيتمكن الأسد من المحافظة علي السلطة. سيطرة الدولة علي الاقتصاد سيطرة الدولة علي الاقتصاد في الشرق الأوسط كان ركيزة أخري لاستقرار النظام كما حدده الأكاديميون افترض العلماء أن الدول العربية التي تملك شيكات تقدم خدمات وتوجه الاحتياط النفطي وعائداته استغلت هذه الثروات للسيطرة علي الاقتصاد ببناء شبكة رعاية مؤمنة خدمات اجتماعية وتوجيه تنمية القطاع الخاص المستقل، وعبر هذه الأرصدة يقوم حكام العرب بوصل مصالح الدوائر الانتخابية المهمة بالنسبة لاستمراريتهم وهدأت روع بقية مواطنيهم بواسطة رشاوي زمن الأزمات بالفعل منذ انطلاق الانتفاضات العربية الحالية لم يواجه أي من مصدري النفط الرئيسيين العرب «الجزائر، العراق، الكويت، ليبيا، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة» باستثناء ليبيا أي تهديد وتمكن مصدرو النفط الآخرون من مواجهة معارضات محتملة بواسطة توزيع زيادة رواتب موظفي الدولة وزيادة الدعم للسلع الاستهلاكية ووظائف عامة جديدة وهبات مباشرة للمواطنين. التغييرات في الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين ومتطلبات التحرير لمعونات الدولة الأجنبية أجبرت الدول غير المنتجة للنفط علي تحديث اقتصادياتها فحولت عددًا من الأنظمة العربية بينها مصر، الأردن، تونس، المغرب من الملكيات العامة إلي القطاع الخاص «الخصخصة» وشجعت الاستثمارات الأجنبية وأوجدت الحوافز لتسريع انطلاق القطاع الخاص وحدت من الدعم علي السلع الاستهلاكية لكن هذه الإجراءات زادت من حدة التفاوض الاقتصادي وجعل الحياة أكثر صعوبة للفقراء ولكنها أيضا أوجدت مجالات جديدة أمام أصحاب الأعمال المحليين وفتحت المجال أمام الطبقات الثرية. فأدت هذه الإصلاحات الاقتصادية لنتائج عكسية بالنسبة لمعظم تلك الحكومات التي اعتمدتها بالكامل: القاهرةوتونس بينما كل من مصر وتونس حققتا نموا اقتصاديا جيدا وتلقت المديح من صندوق النقد الدولي حتي عام 2010، إن تحويل الملكيات العامة للقطاع الخاص لأسباب سياسية لم تزد من استقرار أنظمتها بدلا من ذلك خلقت طبقة جديدة من رجال الأعمال فاحشي الثراء بينهم أعضاء من عائلة الرئيس في كل من الدولتين التي أصبحت محطًا للغضب الشعبي الشديد وتصور أن هؤلاء المنتفعين من الإصلاح الاقتصادي سيدعمون الأنظمة التسلطية برهنت أنها من نسج الخيال فأصحاب الأعمال والمال الكبار الذين رعتهم الدولة إما فروا أو لم يتمكنوا من الوقوف في وجه الأحداث وانتهي بهم الأمر في سجون الثوار، أبناء الطبقة الوسطي العالية لم يتظاهروا دعما لبن علي ومبارك، بل علي العكس البعض منهم أصبح من عداد قادة الثورة. الهوية السياسية العربية المشتركة عامل آخر غاب عن اختصاصيي شئون الشرق الأوسط كان له علاقة أقل بالسياسات والمؤسسات من الهوية العربية عبر الحدود، لم تكن من الصدف أن تقوم انتفاضات سياسية متتالية مهمة عبر الوطن العربي لقد تابع الناشطون والمثقفون العرب بانتباه شديد احتجاجات الحركة الخضراء في إيران عام 2009، ولكن لم ينزل أي عربي إلي الشارع مضاهاة لجيرانهم الإيرانيين ومع ذلك بعد شهر من إشعال بائع خضار في تونس النار بنفسه هبت الثورات في الوطن العربي فإذا كان هناك من شك بأن لدي العرب شعورًا بهوية سياسية واحدة بالرغم من كونهم يعيشون في 20 دولة مختلفة. مثل هذه المشاعر العربية الوحدوية القوية يجب ألا تثير العجب في صفوف المجتمع الأكاديمي الكثير من العمل حول السياسة العربية تركز علي القومية والوحدة العربيتين قدرة القادة العرب علي حشد الدعم السياسي عبر الحدود يعتمد علي فكرة بأن كل العرب يشتركون بهوية سياسية ومصير عربي موحد ولكن مع ذلك اعتقدوا أن الشعور بالهوية العربية قد اضمحل في السنوات الماضية نتيجة لهزيمة حرب 1967 مع «إسرائيل»، مصر والأردن وقعت معاهدات سلام مع «إسرائيل»، والفلسطينيين وسوريا دخلوا في مفاوضات مباشرة معها كاسرين بذلك حرمًا قوميا عربيا. ويجب التنبيه علي أن أحداث السنة الحالية تعبر عن الأهمية الدائمة للهوية العربية التي أخذت القمية العربية شكلا مختلفا تماما عن ذلك الذي أخذته قبل نصف قرن تحت قيادة جمال عبدالناصر، بالإضافة إلي ذلك الوحدة العربية الجديدة ستعيد قضية السلام العربي - الإسرائيلي إلي الواجهة مع أنه لم تقم أي من الثورات العربية باسم الفلسطينيين، علي الأنظمة العربية الديمقراطية أن تعكس الرأي العام حول إسرائيل، التي ستبقي علي مستوي متدن، الرأي العام العربي حول الولاياتالمتحدة يتأثر بالآراء العربية حول الصراع العربي - الإسرائيلي. من المفيد أن نستذكر بأن الثورات العربية لم تنتج عن قرارات سياسية اتخذت في واشنطن أو أي عاصمة أجنبية ولكن نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وطنية التي كان من الصعب جدا توقعها غداة انتفاضات غير متوقعة، علي كل من الأكاديميين وصناع القرار أن يقاربوا الوطن العربي بوضاعة حول إمكانياتهم تشكيل مستقبلها، من الأفضل ترك ذلك للعرب أنفسهم.