كتبتُ في «روزااليوسف» اليومية يوم الخميس الماضي مقالاً تحت عنوان (هل الحل عودة الفتوات) واليوم استكمل هذا المقال، حيث علمت علي سبيل المعلومات وليس علي سبيل الفكاهة، ماحدث في مدينة " شرم الشيخ "، حيث طالب المحافظ، القري السياحية بدفع مبالغ مالية لحمايتها، ودفع تلك المبالغ لبعض القبائل البدوية، في ظل غياب الأمن وغياب الدولة !! وأعود لنظام (البلطجة) وفتوات الأحياء الشعبية في المحروسة، حيث تعرض لهذا النظام كثير من كتابنا وأدبائنا وعلي رأسهم أديبنا الكبير المرحوم "نجيب محفوظ" وكانت كل الدلائل تشير إلي أن(البلطجي) أو (الفتوة)، محاط بمريديه " ومرتزقيه " وعصابته، يفرض سيطرته وسلطاته علي كل كائن حي في منطقة نفوذه، وفي الغالب كان الطيب منهم (الفتوات) يسعي لإشاعة العدالة بين فقراء وأغنياء المنطقة !! . وكانت الدعوة دائماً بأن (يعيش الفتوة ملك الحتة) حتي يدافع عن مصالح الأغنياء ويمنع عنهم الأذي من الغير، والفتوات زمان، كانوا يتميزون " بالمرجلة " وبصفات المحارب، حيث يأخذ الفتوة منصبه (بذراعه وعصاه) وليس " بقلة الأدب"، ومع ذلك فإن الحروب التي كانت تقوم بين فتوات الأحياء، مثل حرب (فتوة الحسينية) ضد " فتوة الجمالية "، شيء يشبه الحروب الأهلية، إلا أن الانتصار كان دائماً لصاحب السطوة، وكانت الهدنة تتم علي ما يقدمه العقلاء من الحكماء في المنطقة " للفتوات " المتنازعين، من أفكار وإتاوات زيادة، وتقسيم جديد لمناطق النفوذ، حتي يستتب الأمن والسلام في الحي ولقد استطاعت المحروسة بعد انتهاء حكم المماليك أن تتخلص نسيباً من هذه القوي الغاشمة (الفتوة)، ليحل محلها (الثُمن) أو نقطة الشرطة، حيث قسمت القاهرة إلي ثماني مناطق إدارية، وكل ربع في هذا التقسيم يوجد به قسم بوليس، تتبعه نقطة بوليس في كل (ثمن من المنطقة)، وبذلك سميت (بالثمن) !! وفي بدايات انتشار الشرطة كان الاستعانة بالفتوة أمراً لازماً وحيوياً، واستمر لفترة طويلة حتي تم الاستغناء عنهم رسمياً، واستمرت ثقافة (الفتوة) والبلطجة منتشرة في بعض أحيائنا الشعبية بصورة غير رسمية، ولكنها مازالت حتي الآن تلقي بظلالها علي المجتمع، ولعل غياب التدخل الأمني أو الشرطي التي نراها في صور متعددة اليوم تعطي دلالة بالغة علي أن البلطجة قد تطورت مع الزمن ومع التكنولوجيا الحديثة حيث انتشرت وتعددت مظاهرها القبيحة دون خجل ودون (خشي) . ولعل النظام السابق قد أخذ من البلطجة سلاحاً سرياً في مواجهة الشعب، وخاصة المعارضين للنظام، ولعل ما حدث مع الكاتب " عبدالحليم قنديل "، وخطفه من أمام بيته وتجريده من ملابسه، وتركه في عراء الصحراء علي أطراف القاهرة، هي إحدي ممارسات هذه البلطجة المستخدمة في خدمة النظام، كما أن استخدامهم أيضاً شاهدناه أمام (نقابة الصحفيين) وتحرشهم بالمتظاهرات، وغيرها من أحداث رصدها الإعلام المصري، ومازالت تكشف المحاكمات التي يواجهها رأس النظام " وأذنابه "، هذه القوي الغاشمة " للبلطجة " التي نظمها واستخدمها (حبيب العادلي) بصورة متقدمة عما كانت عليه في قصص الأديب " نجيب محفوظ " . إن ظاهرة " السفالة " والبلطجة في المجتمع أثبتت هذه الأيام عنوانها، ومحل إقامتها، ليس فقط في عشوائيات المدينة، حيث يعيش هؤلاء الخارجون عن القانون، بل العكس أثبتت الظاهرة أن الأخطر هؤلاء البلطجية من سكان "الفيللات والقصور "، وسوف تكشف الأيام القادمة الكثير عن هذا النظام، الذي رعاه النظام السابق، والذي لم يسقط حتي كتابة هذه السطور والدليل محافظ " شرم الشيخ " !!