في مقال لي بجريدة (نهضة مصر) يوم (21 مارس 2009) كتبت عن تمنياتي بعودة (نظام الفتوات) للسيطرة علي الأحياء، وكنت قد كتبت هذا المقال، نقداً لما يحدث في الشارع المصري في تلك الفترة، من تَسَيبْ، ومن إهمال، واستهتار نتيجة شغل مناصب رؤساء الأحياء، كمكافأة نهاية خدمة لبعض لواءات الشرطة السابقين، والتي سَنَّهاَ النظام السابق، بعد إلغاء نظم «الشئون البلدية والقروية»، وتصديرها إلي دول تقدمت عنا كثيراً في مجال إدارة شئون حياتها وأقربها دول عربية (كالكويت) و(الإمارات) وغيرهما، بل الأكثر من ذلك أننا صدرنا هذا النظام إلي (اليابان منذ عام 1917)؟ ومازالت تعمل به حتي اليوم للأسف الشديد، واليوم أعود للتمني بعودة (نظام الفتوات) في ظل الانفلات الأمني الخطير الذي يمس أعصاب المواطنين في أرجاء المحروسة، لغياب الإحساس به، وذلك نتيجة أيضاً التسيب وعدم انضباط، وكذلك استهتار من الحكومة الانتقالية التي تعيش في وادٍ و يعيش الشعب المصري في وادٍ آخر. ولا أعلم هل هذا تباطؤ في تنفيذ المسئولية أم تواطؤ مع النظام السابق الذي نسعي لإسقاطه، حيث لم يسقط النظام حتي كتابة هذة السطور! تمنيت عودة نظام "الفتوات"، ففي عصرهم، كان هناك مرجع إنساني وأيضًا مرجع قوة، يمكن له تنفيذ العدالة، ولا أن يبسط أحد رأيه أو وساطته علي آخر، وإذا دب خلاف يكون لفتوة آخر الحق في السيطرة، هكذا كانت القاهرة وأحياؤها قديماً. وأعتبر ما أتمناه اليوم (نكتة) أو (مزحة) ظن كي أؤكد أننا نعيش عصر بلا إدارة محترمة في المحليات، أو حتي الأمن الاجتماعي، نعيش عصر يحتاج لرؤية "مسيو أوتمان" مخطط مدينة (باريس)، ومحافظها الأول، وهو بالمناسبة المخطط المعماري الذي دعاه "الخديو إسماعيل" لتخطيط القاهرة الخديوية (الله يرحمهما)! نحتاج أيضًا لأمثال هؤلاء المخططين لكي يتولوا إدارة شئون المحليات، لرفع المعاناة عن المواطنين إما بصرياً أو حتي نفسياً أو فسيولوجياً، فلا شك أن حالة الشوارع والميادين والحدائق واتساخها واحتلال العامة الجائلين لأهم مناطق العاصمة في مصر، وتدني الخدمة بالطبع في أرجائها، بل وانطفاء أنوارها، وتعدي المحلات والسكان والمتسولين علي أرصفتها، وعدم تطبيق القانون في الشارع المصري، قد زاد آلاف المرات عما كان عليه الحال قبل (ثورة 25 يناير)، كل ذلك جعل من المستحيل علي المواطن سواء رجلاً أو امرأة أن يتحرك بعد غروب الشمس في الشارع باطمئنان، وكل ذلك لغياب السلطة الإدارية والأمنية من أحياء العاصمة، وأطرافها، بل امتدت عمليات البلطجة إلي الطريق الدائري حيث، وفي وضح النهار، يمكن أن يتم تثبيت أي أسرة في سيارة ، أو حتي في مركبة عامة للاستيلاء علي ممتلكاتهم. وهنا كانت الأمنية (المزحة) بأن يعود (نظام الفتوات) حيث لا يمكن في ظل سطوة فتوة، أن يتم الاعتداء علي أحد سكان الحي، بل الأكثر من ذلك كانت قوة البوليس تستعين بالفتوات في تلك العصور، حينما بدأت الشرطة في عملها عن طريق "المراكز و النقط"، فكان المعينْ لها لحفظ الأمن هؤلاء "الفتوات"، وهم من استعان بهم "حبيب العادلي" في النظام السابق في ضرب معارضي النظام، وفي كسب الانتخابات بالتزوير، فهل أمنية عودة "الفتوات" للنظام لكي يعملوا في خدمة الشعب شيء من الخيال؟ أم واقع نحتاج إليه، ولكننا خجلون من إعلان ذلك صراحة! ولعل ماسمعته عن محافظ شرم الشيخ (جنوبسيناء) بأنه قد طالب أصحاب القري السياحية في (شرم) بأن يدفعوا (إتاوة) من 20 إلي 50 ألف جنيه شهرياً للأمن، وحينما استفسر البعض عن هذه المبالغ علموا بأن المحافظ اتفق مع قبائل البدو علي حماية القري السياحية! أي استعان محافظ جنوبسيناء بالفتوات! هذه معلومة وليست علي سبيل الفكاهة!