صافرات الانذار تدوى معلنًة عن اغلاق ابواب عربات المترو استعدادا للانتقال للمحطة التالية، المواطنون يتدافعون لركوب العربات، وسرعان ما تغلق الأبواب ليتحرك القطار فى طريقه ويعود السكون للعربة المكدسة بالركاب، وإذ بسيدة تقف فى احد اطراف العربة، تقطع ذلك السكون، وتنادى فى الحضور بصوت مرتفع «اسمعونى يا ولاد الحلال، بنتى بتضيع مني» ليلتفت لها الجميع وحينها تكمل «جوزى راجل عاجز وبنتى عندها عشر سنين مصابة بالسرطان وترقد فى المستشفى وبادفعلها ألفين جنيه فى حقنة بتاخدها كل اسبوع وانا ربة منزل ليس لى مصدر رزق، انقذوا بنتى المسكينة يا أهل الخير». وترفع عدة أوراق وتكمل «معايا التقارير الطبية اللى بتأكد حالة بنتي، كلموا المستشفى واتأكدوا لو مش مصدقين، بنتى بتضيع منى يا ناس» وبعد ان تتأكد السيدة من حصولها على القدر الكافى من استعطاف المواطنين تتحرك بطول العربة لتتلقى المساعدة المالية ممن تعاطفوا معها وتمطرهم بالدعوات وفى المحطة التالية تنتقل لعربة أخرى لتعيد المشهد التمثيلى مرة أخرى. مشهد متكرر للتسول فى المواصلات العامة يعاصره المواطنون بشكل يومى مع اختلاف بسيط فى طريقة العرض فقد تصطحب المتسول طفلة رضيعة تدعى ضيق الحال وعدم قدرتها على المعيشة أو شاب مصاب بعاهة ويطلب مساعدته، الغريب فى الامر أن الكثيرين يتعاطفون مع هؤلاء حتى أصبح التسول مهنة مربحة تديرها عصابات منظمة. «حنان محمد، متطوعة بإحدى الجمعيات الأهلية» قالت إن ظاهرة التسول أصبحت مهنة تدر على ممتهنيها مكاسب مالية ضخمة، والمتسولون يرفضون فى غالب الاحيان أى محاولات لمساعدتهم فى ايجاد مصدر حلال للرزق أو حتى إيداع كبار السن منهم فى دور رعاية فقد اعتادوا تلك الحياة ولن يمكنهم الاستغناء عما يحققونه من مكاسب يومية. وتابعت حنان، الاستعطاف وادعاء مرض الأبناء هى وسيلة تسول حديثة فقد تبين أن المتسولين يقومون بتزوير تقارير طبية تثبت صحة ما يدعون، فهم يلعبون جيدا على وتر المشاعر لدى المواطنين وينجحون فى ذلك. ومن ناحيته قال وليد هندى، استشارى الطب النفسي، إن التسول ظاهرة عالمية ولكن تختلف أنماطها وأدواتها من مجتمع لآخر وفقا لما يناسب سيكولوجية وتكوين المواطن، وفى مصر يلعب المتسولون على وتر التدين والانسانية عند المواطن سواء بادعاء المرض أو بيع السلع التافة ودائما ما يستخدم المتسول أسلوب الدعاء أو البكاء ليستدر عطف المواطن، وغالبا ما ينشطون فى المناسبات الدينية للعب على وتر الدين. وتابع هندى، وفقا لإحصائية حديثة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فان عدد المتسولين فى مصر بلغ نصف مليون شخص منهم ما يزيد على 97 ألفا من الأطفال وكثيرا ما يُستغلون من قبل عصابات الاتجار بالبشر حيث يستأصلون أعضاءهم بمقابل مادى زهيد. وأضاف، أبرز سمات المتسول «التبلد الحسى وتقبل الإهانة والإلحاح فى الطلب والتواكل «فقد اعتادوا التسول ولم يعد لديهم قدرة أو قابلية للعمل وهنا يأتى دور الدولة وضرورة إنشاء قاعدة بيانات لحصر الظاهرة وإنشاء مراكز تأهيل اجتماعى ومهنىبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، والعمل على تعليمهم بعض الأعمال الحرفية وتشغيلهم فى المصانع أو ورش الانتاج بدلا من القبض عليهم والقائهم فى السجون أو دور رعاية الأحداث . قانونيا قال الخطيب محمد، المحامى بالاستئناف، إن التسول مُجرم وفقا لنصوص قانون العقوبات حيث نص المشرع على 8 مواد تعاقب المتسولين ضمن نصوص القانون رقم 49 لسنة 1933 والمعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1974 حيث عاقب فى مادته الأولى كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أو أنسى ضبط متسولا فى الطريق العام أو أمام المحال الحكومية وتظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعابا أو باع أشياءا للمواطنين، بالحبس مدة لاتزيد على شهرين ومدة لا تجاوز سنة فى حالة العود. وتابع، كما انه عاقب فى مادته 3و4و5 كل من تصنع الاصابة بجروح أو عاهات أو أى وسيلة لكسب تعاطف الجمهور والتسول بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور.