رسائل عدة بعثت بها جماعات الإسلام السياسي أمس الأول باحتشادها وشعاراتها التي اطلقتها في ميدان التحرير، إضافة إلي إحداث التوازن في معادلة الداخل والخارج. الرسالة الأولي وهي استعراض القوي الإسلامية لعضلاتها، وإظهار قوتها وقدرتها علي الحشد وتحريك أعضائها في اتجاه معين، ولذا لا يمكن استبعادها من المشهد السياسي ومعادلة الحكم في المرحلة المقبلة. والرسالة الثانية هي أن الاختلافات الفقهية بين الجماعات الإسلامية يمكن استبعادها عندما تقتضي الحاجة للتحالف لتحقيق مصلحة سياسية، فيما تعد الرسالة الثالثة هي الأهم وهي موجهة لحركات بالداخل وحكومات بالخارج، وهي أن المجموعات المعارضة للمجلس العسكري التي ذهبت في مظاهرة لم تتجاوز عشرة آلاف في حادث العباسية للتظاهر ضد أعضاء المجلس، لا تمثل شيئًا أمام مؤيدي المجلس العسكري، حيث أكدت الجماعات الإسلامية مبايعتها للمجلس العسكري لاستكمال مهمة قيادة المرحلة الانتقالية حتي تسليم القيادة لرئيس وحكومة منتخبة معتبرين أن شرعية المجلس العسكري استمدها من جموع جماهير الشعب ولا يجوز لقلة أن تفرض رأيها علي الأغلبية. الرسالة ذاتها وجهت إلي دول أجنبية تسعي من خلال تمويل بعض حركات المجتمع المدني للدفع في اتجاه تشكيل مجلس انتقالي مدني كبديل للمجلس العسكري، فخروج الإسلاميين يضيف عاملاً للمعادلة، يؤكد أن الخيار يمكن أن يكون علي عكس ما تريده قوي الخارج، وأن يكون البديل للإسلاميين، وهي رسالة تفيد أن المجلس العسكري يملك قوة جماهيرية مؤيدة له قادرة علي الحشد في مواجهة معارضيه رغم أن المجلس يقف علي مسافة متساوية من الجميع. الرسالة الرابعة أن الإخوان والتيارات الدينية تعلمت من أخطائها التاريخية ولن تكرر خطأ الصدام مع الجيش أو الخلاف معه والخامسة أنهم لديهم قدرة علي التأقلم مع الديمقراطية وقبول قواعد اللعبة السياسية، حيث أكدت جميع قيادات التيارات الموجودة أمس علي المنصة الرئيسية أنهم يقبلون الآخر ولن يفرضوا آراءهم علي الغير وأن صندوق الانتخابات هو الحل لافتين إلي أن مطالبهم هي ذات مطالب باقي الثوار من سرعة محاكمة رموز النظام السابق وقتلة الثوار وتسليم الدولة لحكومة مدنية منتخبة وفقًا للجدول المعلن للمرحلة الانتقالية. لكن مليونية أمس الأول كشفت تفاوت القدرات والخبرات السياسية، فالإخوان بحكم ممارستهم للسياسة كانوا هم الأكثر مرونة رغم أنهم ظهروا ضعافًا عدديًا أمام السلفيين فإنهم مارسوا الدهاء السياسي فاقتصرت شعاراتهم علي تأييد الجيش، فيما كان عبدالمنعم الشحات المتحدث الإعلامي باسم التيار السلفي يحتل المرتبة الثانية في الحنكة حيث طالب بأن يتعامل كل مصري كرجل دولة وليس رجل جماعة، بحيث يستهدف الصالح العام وليس جماعته فقط موجهًا رسائل تطمين للأقباط كونهم مصريين لهم نفس الحقوق داعيًا إياهم لإفطار جماعي مع المسلمين بالميدان الجمعة 5 رمضان، مشيرًا إلي أن نظام مبارك هو ما كان يستهدف الوقيعة مستدلاً علي ذلك بحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية وأيضًا حماية المسلمين للكنائس بعد انهيار الأمن في جمعة الغضب. معتبرًا أن متظاهري ميدان التحرير طليعة الشعب المصري ولا يمكن لها أن تحجر أو تعطي لنفسها حق التحدث باسم الشعب، فيما غلبت علي كلمة د.صفوت عبدالغني عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية لغة الحماسة والخشونة محذرًا القوي الإسلامية وشباب الثورة من سرقة ثورتهم مطالبًا بالبقاء في الميدان. علي الجانب الآخر كانت قواعد الجماعات أقل حنكة سياسية فرفعوا الشعارات المطالبة بتطبيق الشريعة والحكم بالإسلام، ومنهم من هتف «ارفع راسك فوق أنت مصري» و«لا علمانية ولا مدنية ولا اشتراكية عايزنها إسلامية». واللافت أن منصة تأييد حازم أبوإسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية شهدت إنشاد نشيد «غرباء» الذي أنشده أعضاء تنظيم الجهاد المتهمين في قضية اغتيال السادات في قفص الاتهام بالمحكمة عقب الحكم بإعدام بعضهم والأخطر هو تأكيدهم أنهم سيصلون في المستقبل القريب في البيت الأبيض الأمريكي وفي تل أبيب في إشارة إلي عزمهم فتح أمريكا وإسرائيل دون أدني وعي سياسي، فيما طالبت منصة الجماعة الإسلامية بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن رئيس مجلس شوري الجماعة السابق المعتقل في أمريكا. سألت أحد شباب السلفيين: هل هي المرة الأولي التي تأتي فيها للميدان أجاب بنعم قلت له: ألم يحرم شيوخكم الخروج علي الحاكم قال الخروج يعني رفع السلاح قلت لكن المظاهرات كانت محرمة ولم تشاركوا في 25 يناير ولا جمعة الغضب، قال نعم المظاهرات كانت لا طائل منها لكن مع جمعة الغضب قمنا بتأمين المنازل والممتلكات ومنا من شارك في الاعتصامات، سألته ماذا تريدون؟ قال تطبيق الشريعة الإسلامية قلت: الشريعة ثابتة والفهم متغير فبأي تفسير ترون تطبيق الشريعة هل تفسير بن لادن أم الشيخ محمد حسان أم محمد بديع مرشد الإخوان أم شيخ الأزهر فالجماعة الإسلامية عندما قتلت السادات قالت: نريد تطبيق شرع الله، بينما السادات كان يقول إنه الرئيس المؤمن ويطبق شرع الله؟ قال نريد تطبيقها كما هي في القرآن والسنة وعلي نهج الصحابة، سألته: المادة الثانية من الدستور تقول مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهذا النص جيد جدًا، قال نوافق عليه لكن نرفض إضافة فقرة ولغير المسلمين أن يحكم لهم وفقًا لشرائعهم.