ثائر أحمد كمال جراب، فنان تشكيلى من أصول مصرية سورية، بدأ مسيرته الفنية منذ عام 1988 لينتقل من عشقه للرسم التشكيلى إلى فن صناعة الحلى والمعادن، فنان ذو رؤية إبداعية مميزة أعطت لتصميماته طابعًا خاصًا، ظهر تأثره بالحضارات القديمة خاصة المصرية والفينيقية فى أعماله التى امتازت بمزيج غير تقليدى ومتميز، وبسبب عشقه للفن التشكيلى والمعادن اختار أن يلجأ لنوع فريد من الفنون وهو الرسم بالمعدن سواء فى لوحات تشكيلية أو كقطع حلى للديكور. وعلى الرغم من أن مجال دراسته بعيد تماما عن عالم الفنون والحلى باعتباره خريج إدارة أعمال بالجامعة الأمريكية إلا أن موهبته ظهرت منذ الطفولة ويرجع عشقه للفنون لوالديه حيث إن والده كان مهندسا معماريا ووالدته تعشق الحلى والفنون فلم يكن له معلم أو مدرسة بعينها تأثر بها ولكنه اعتمد فقط على موهبته فى التصميم ورؤيته الخاصة.. حول رؤيته الفنية وتقنيته المميزة فى تشكيل الحلى كان حوارنا معه. ■ حدثنا عن البداية فى تنمية موهبة الفن داخلك؟ - أندرج من عائلة محبة للفن عامة فأنا وإخوتى كلنا نعمل فى الفنون أخى فنان تشكيلى وهو الفنان ياسر جراب وأخى الأكبر ناصر جراب فنان معمارى وعمل فى عدة قطاعات من الفنون وأختى جيولوجية محبة للحجارة والمعادن، وكان والداى رحمهما الله يزرعان بداخلنا حب الفنون والثقافة فأنا أتذكر أن والدى حينما شعر بشغفى للمعادن والأحجار أهدانى أول مجموعة أدوات لصناعة النحاس وكان عمرى آن ذاك 15 سنة ثم بدأت والدتى تنمى هذه الموهبة عندى فى مساعدتى لصناعة قطع حلى فكانت تعطينى قطعًا من حليها لإعادة تصنيعها وتغيير تصميمها وإحيائها مرة أخرى. ■ من أين استلهمت روح تصميماتك الفنية؟ - فى البداية حاولت أن أخلق لنفسى طابعى الخاص فى تصميماتى ولكنى كنت دائم التأثر بالتاريخ والحضارات القديمة خاصة فى فنون النحت والتصميمات الفنية ودائما كنت شغوفاً بمعرفة كل ما يخص الحضارات العريقة وكنت دائما أذهب إلى المتاحف لرؤية إبداعاتهم فى فنون الحلى والمعمار، و طبعا لأصولى المصرية والسورية تأثيرًا كبيرًا، فأنا سورى المولد من أب سورى وأم مصرية واعتقد ان تأثير هذان الحضارتان قد ظهرا بشكل أو بآخر فى أعمالى سواء لوحاتى الفنية أو مشغولات الحلى. ■ كيف أثر حبك للتاريخ على بداية طريقك للفنون؟ - حضاراتنا العربية كانت دائما ذات صلة وثيقة بصناعة الحلى والمعادن، كما أن ارتداء الحلى والأحجار فى الحضارات القديمة كان يدل على رقى الشعوب، المقاتلون مثلا كان يضعون المرجان الأحمر فى ملابسهم الحربية لإظهار القوة أمام الأعداء. ونحن نعلم أن أى حضارة عرفت بفنانيها وحرفييها فالآثار والفنون المعمارية والنحت وتشكيل المعادن هى أساس صناعة الحضارات وسبب معرفتنا بمدى عظمتها، فهناك حضارات كثيرة قديمة ولكنها اندثرت بسبب بناؤها الضعيف وعدم وجود آثار معمارية ومنحوتات فنية توثق هذه الحضارات. ■ درست تجارة الأعمال.. فكيف تعلمت صناعة الحلى خاصة وهى مجال بعيد عن دراستك؟ - أثناء فترة الثمانينات لم تكن هناك ورش خاصة أو دراسات حرة مثل هذه الأيام فبدأت التعلم من نفسى فبالرغم من محاولتى لدراسة الفنون فى كلية الفنون الجميلة إلا أننى حصلت على «غير لائق» فى امتحان القدرات بعد خلاف بينى وبين مدير اللجنة الأمر الذى زادنى إصراراً على تعلم الفنون التى طالما عشقتها ولكن اعتمادى الكلى على شخصى مما أتاح لى عدم التأثر بأسلوب معين من المدارس الفنية. ■ ما أكثر الخامات التى تستخدمها فى تصميماتك؟ - أكثر شىء أحب أن أستخدمه فى تصميماتى هى المعادن، من الألمونيوم للذهب، فأنا عاشق للمعدن بشكل عام، هذا العشق دفعنى لاستخدام المعادن فى رسم لوحاتى بدلا من استخدام الألوان أو الزيت، وحتى فى تصميمات الديكور أفضل أن استخدم المعادن كحلى لقطع الأثاث فهى تضفى لمسة مميزة للتصميم. ■ هل تميل إلى ترك أعمالك الفنية من حلى على طبيعتها أم تميل إلى طلائها؟ - أرى أن المعادن شىء طبيعى جاء من الأرض مثل الإنسان فنحن خلقنا من الأرض وأيضا المعادن فبعد ما نقوم باستخراجها وتحويلها لقطع للاستخدام أفضل أن أتركها على طبيعتها التى خلقها الله عليها، كما أن هناك بعض الأشخاص قد يصابون بنوع من الحساسية من المواد الكيمائية المستخدمة فى طلاء المعادن أو حين إضافة معدن آخر مثل النحاس للذهب، بالإضافة إلى أن هناك أشخاصًا يؤمنون باستخدام المعادن فى بعض العلاجات مثل النحاس لعلاج آلام العظام، فحين نقوم بطلاء المعدن يحدث عملية عزل بين الخامة وجسم الإنسان. ■ وهل تؤمن بتأثير الأحجار والمعادن على الإنسان سواء بالطاقة السلبية أو الايجابية؟ - أولاً وأخيراً أؤمن بقوله تعالى «كل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، لكننا خلقنا من الأرض ونحمل بداخلنا معادن منها، فجسم الإنسان به نسبة حديد ونحاس وفضة وذهب، ولكل إنسان طبيعته الخاصة فهناك شخص يشعر بالارتياح عند ارتدائه الفضة أو النحاس أو الذهب وهنا يؤثر المعدن فى حالته النفسية و بالتالى يعطيه طاقة إيجابية أو سلبية وأيضا فى الأحجار فهناك من يشعر بالارتياح لارتدائه حجراً معينًا مثل الفيروز أو الزمرد أو المرجان. ■ دمجت فى أعمالك مابين التشكيل بالمعدن والتصوير بالألوان الزيتية.. حدثنا عن البداية؟ - كان عشقى الأول هو للمعدن والحلي، كنت أرسم لوحاتى بالزيت بجانب تشكيلى للمعدن، ولكنى بعد أن أنهيت دراستى فى الجامعة الأمريكية سافرت إلى أوروبا ثم إلى السعودية مع والدى وافتتحنا مصنعاً صغيراً لصناعة الأثاث ومن هنا استطعت أن أدمج قطع الحلى الخاصة بى فى الأثاث ولكن بسبب بعض قوانين المملكة فى صعوبة تنفيذ كل التصميمات التى تشبه التماثيل أو الأشكال المجسمة دفعنى ذلك لرسم اللوحات وكنت استخدم الزيت فى لوحاتى التشكيلية، وبعد رجوعى مصر فى 2002 بدأت خطاً جديداً فى لوحاتى وهو دمج المعدن مع التصوير الزيتى. ■ هل ترى أن المعارض والفعاليات التى تقام تحت مسمى تشجيع الحرف التقليدية تهدف إلى الارتقاء بالمهنة أم أنها مجرد فعاليات بغرض الدعاية؟ - من وجهة نظرى أنها مزيج بين هذا وذاك، فأحيانا تكون معارض صادقة الهدف منها النهوض بهذه الصناعات والحرف التى هى أساس تراثنا وأحيانا تكون مجرد دعاية وللأسف الهدف منها يكون مجرد الإعلان ليس أكثر. ■ ألم تفكر مع غيرك من محبى وممارسى الحرف التقليدية فى إنشاء جمعية أو منظمة لخدمة وإحياء هذه الصناعات؟ - يوجد بعض المحاولات حاليا لإنشاء جمعية للحفاظ على الصناعات التراثية فى واحة سوق الفسطاط، فبالرغم من بعض الصعوبات التى واجهتنا كأصحاب مهنة تراثية إلا أننا بمجهودات ذاتية أقمنا عدة معارض فى سوق الفسطاط بهدف الحفاظ على الحرفة بالإضافة إلى تنشيط المكان كمكان سياحى. ■ ما الصعوبات التى واجهتموها فى مجال الحرف التقليدية؟ - هناك عدة محاولات من الدولة للوقوف مع الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر ولكن للأسف من الصعب الاستفادة منها بسبب الروتين وعدم وجود آلية بين الوزارات بعضها ببعض، كما أن وزارة الثقافة لم تقدم لنا دعمًا كافيًا، هذا بالإضافة إلى أن كل من يعمل فى الحرف اليدوية يهلك عاتقه بالإيجارات وارتفاع أسعار الخامات وقلة العمالة. ■ ما الحل من وجهة نظرك؟ - يجب على الدولة بالاشتراك مع وزارة الثقافة المساعدة فى النهوض بهذه الصناعات التراثية التى يمكن أن تدر أرباحاً كثيرة على الاقتصاد، فيمكن أن ينظم لنا جمعية أو هيئة مختصة لمشاكل الحرف التراثية تبحث فى مشاكلنا من قلة عمالة وارتفاع أسعار الخامات وتقوم على تسويقها داخليا وخارجيا وفى المقابل تأخذ نسبة من الأرباح، وهنا نكون حققنا معادلة جيدة فالفنان سيهتم بفنه فقط ولا يشغل باله أو يأخذ من مجهوده، التفكير فى الأمور المادية أصبحت عائقًا قويًا فى النهوض بأى صناعة وليس الحرف اليدوية فقط، وأيضا سيدخل للدول ربح ليس بقليل بالإضافة للحافظ على صناعات تراثية قوية ليست موجودة فى دول متقدمة أخرى. ■ كيف ترى حال الأعمال الفنية التى تزين ميادين مصر؟ - رأيت بعض التماثيل التى بالفعل كانت واجهة غير مناسبة لبلد عرف من قديم الأزل أنه ذات حضارة فنية عريقة، ولهذا أطالب وزارة الثقافة دائما بأن تقوم بعمل مسابقات فنية لعمل أى مشروع فنى أو ثقافى دون تمييز أو محسوبيات، ثم نقوم بتنفيذ المشروع الفائز، فليس من المعقول أن يكون لنا كل هذه الأماكن التاريخية ولا يكون هناك عمل فنى ضخم يعبر عن تراثنا، فإذا نظرنا إلى نهر النيل هذا النهر الذى قدسته الفراعنة والحضارات الإنسانية نراه الآن فى وضع مهين، فهل من المعقول أنه لا يوجد لدينا عمل فنى يعبر عن قدسيتنا لنهر النيل الذى كان ولازال شريان الحياة للمصريين ولكل دول حوض النيل. ■ فى ظل ما تواجهه البلاد العربية وبالأخص مصر من تحديات اقتصادية هل ترى أن الاهتمام بالفنون والثقافة يشغل اهتمامات الدولة فى الوقت الراهن؟ - من وجهة نظرى أننا تعرضنا لحرب شرسة لمحو تاريخنا وثقافتنا فالفنون والثقافة تعتبر أمنًا قوميًا ونحن تركنا الثقافة لكل التيارات الهدامة وليس منذ ثورة يناير فقط ولكن من قبل الثورة بسنوات عدة، فالشعوب المتحضرة تقاس بثقافتها وفنونها وعندما تترك الدولة الاهتمام بالفنون والنظافة والجمال واهتمامها بقيمه القديم وصناعة حاضر جديد مبنٍ على الرقى فبالتالى سينتج جيل لا يهتم بالجمال ولا نظافة بلاده ولا نهوضها، بل سننتج جيلًا يرى كل ما هو سيىء ويشعر باشمئزاز منه. ■ كيف يمكن للفن التشكيلى أن يساهم فى خدمة الدولة؟ - للأسف هناك مفهوم خاطئ عن الفن التشكيلى فالكثير يعتبرونه نوعًا من الفنون الترفيهية، ولكن على العكس فإذا نظرنا لقطاع السياحة الذى تأثر بشكل كبير خلال السنوات الماضية نرى أن أكثر ما يجذب السائح هو المناظر الطبيعية الخلابة وهى موجودة فى مصر بكثرة ولله الحمد ولكن وجود الإهمال والقمامة فى كل الأماكن السياحية والشوارع والميادين يدفع السائح لعدم تكرار التجربة مرة أخرى، ولا نستطيع ان نقول ان بسبب الوضع فى المنطقة من حروب وهجمات إرهابية هو السبب فقط فهناك الكثير من البلدان فى أوروبا تتعرض لهجمات إرهابية مماثلة ولكن مازال قطاعها السياحى قائمًا ويدر دخلاً كبيراً، فإذا كنا نهتم ببلدنا وجمالها حتى إذا تعرضنا لهجمات إرهابية أو منع السفر إليها سترى السائح يفعل المستحيل لكى يأتى إلى أرضك مرة أخرى للاستمتاع بجمالها، وقد تحدثت سابقا مع رئيس هيئة التنمية السياحية انه لحين حدوث تنشيط للسياحة مرة أخرى دعنا نصنع السياحة ولابد من اشتراك الفن التشكيلى مع وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة وفتح الأبواب المغلقة بين الهيئات. ■ هل ترى أن هناك تراجعًا فى استخدام رموز تراثنا القديم وثقافتنا مثل الخمسة وخميسه والعين الزرقاء فى مجالات الموضة والديكور؟ - بالعكس هذا الاتجاه فى تزايد وأنا سعيد جيدا فى رجوعنا لتراثنا القديم ولكنى أتمنى أن يكون ازدياده مبنيًا على دراسة وليس مجرد استخدام عشوائى، فمثلا «كف فاطمة» أو الخمسة وخميسه إذا بحثنا عنها سنرى انه تم استخدامها فى عدة اتجاهات فنراها مرسومًا عليه نجمة داوود أو نقوشًا غريبة بعيدة عن تراثنا، لذا يجب عند استخدام هذه الرموز التراثية أن نطعمها بزخارفنا الإسلامية الجميلة ، كما أن حضارتنا تتمتع بكم هائل من الرموز منها القبطى والإسلامى وغيرها من الرموز التى لم تستعمل أو تظهر بعد. ■ لك أسلوب خاص بعدم استخدام اللحام فى تنفيذ تصميمات الحلى.. لماذا؟ - أؤمن أن المعدن تعرض للحرارة مرة واحدة أثناء تصنيعه لذالك لا أحب أن أعرضه للحرارة مرة أخرى ويمكن أن أقول أن هذا هو «التيمة» المميزة لتصميماتى. ■ لماذا دائما تصنع قطعة واحدة من تصميماتك سواء فى الحلى أو للديكور؟ - كل تصميماتى هى صناعة يدوية خالصة لا أفضل دخول أى عنصر آخر فيها سواء ماكينات أو أحماضًا للتشكيل، ولذلك فهى صعبة التنفيذ لذا أفضل صناعة قطعة واحدة فقط كما أننى اشعر بالملل اذا كررت تصميمى مرة أخرى، والسبب الآخر هو بحث المقتنين عن التفرد والتميز بين مقتنياتهم. ■ كيف بدأت فكرة اهتمامك بالأطفال وتعليمهم صناعة المعادن؟ - أرى أن كل شخص لابد أن يكون له دور فى نهوض مجتمعه وأنا كفنان أحاول أن أقدم ورشًا لتعليم الأطفال ذا الظروف المتعثرة، فهناك ورشة لتعليم الأطفال من جمعية «اسطبل عنتر الخيرية» ولكنى لا أعلمهم صناعة المعادن فقط ولكنى أسعى دائما لتعليمهم أسلوب الحياة المتحضرة مثل طريقة الكلام والنظافة وغيرها وكل هذا سيصب فى النهاية لتعليم إنسانيات للطفل منذ الصغر. ■ ما مقترحاتك للنهوض بهذه الصناعة؟ - أتمنى أن تعود المدارس الحرفية والصناعية مثل فترة الستينيات وأيام الرئيس جمال عبدالناصر وألا يكون الأمر مقتصراً فقط على تعلم الصناعات اليدوية والفنون فى الكليات الفنية فقط، فبالرغم من تواجد هذه المدارس إلا أنها لا تدعم بالشكل الكافى التى تجعل الطلاب أصحاب المواهب للتقدم اليها، ويمكن أن نستعين بخبراء أجانب فى كافة المجالات سواء الميكانيكا أو صناعة الأخشاب أو غيرها فهذا لا يقلل من خبراتنا ولكن لكى نصنع جيل قويًا ذا ثقافة عالية ودراية بأحدث الأساليب العلمية. ■ تم تكريمك مؤخرا فى مهرجان الحلى التراثية بقصر الأمير طاز عن قطعة حلى اسميتها «بهية».. حدثنا عنها؟ - بعد أن اختارتنى اللجنة المشرفة على المهرجان فضلت أن أقدم قطعة حلى كنموذج يمكن أن تكون ملهمة للمتقلى أو المتسابقين وجاءتنى الفكرة أن اصنع قطعه تعبر عن مصر «بهية» لتكون هى والنماذج التى ستقام عليها هى «حلى بهية».