أحد الأصوات الشعرية الشابة المتميزة، يمثل حالة غريبة، تم التصريح بعد الثورة بأسباب حدوثها، التي كان يعرفها الجميع ولا يقدر أحد علي البوح بها، وأقصد بها حالة الفساد الثقافي، الذي كان سببا في الدفع به "في ريعان موهبته" ليغرد غريبا بحثا عن فرصته، خارج مصر التي كانت قبلة الفنانين والمبدعين. منذ أيام قليلة، فاز الشاعر المصري الشاب المقيم ب"الإمارات" حمزة قناوي رمضان بجائزة "جمعية أحمد بهاء الدين" لعام 2011 عن كتابه (من أوراق شاب مصري)، ففتح فرصة الحوار معه، ليقدم شهادته كمبدع مصري تأذي من الوضع الثقافي قبل الثورة، وينتظر نهارا جديدا بعد الثورة المصرية، ربما يعيد مصر للثقافة ويعيد الثقافة لمصر. بصفتك من المثقفين المقيمين خارج مصر.. كيف تري الوضع الثقافي المؤسسي في مصر بعد الثورة؟ - أعتقد أن الوضع الثقافي المؤسسي في مصر ما بعد الثورة لم يتضح بعد، وفي تصوري أن الثقافة في مصر قبل الثورة لم يفسدها أصلاً سوي دورانها في إطار مؤسسات ملتصقة بالسلطة، المجلس الأعلي للثقافة أوضح نموذج.. كان لدينا مؤسسات ثقافية تعتمد علي العلاقات والاحتفاليات والمكتسبات وتهمّش الفعل الثقافي الحقيقي، آمل أن تستطيع الثورة العائدة بأخلاقيات جديدة ونبيلة أن تقوم بإعادة الروح إلي المؤسسات الثقافية التي يجب أن تستمد برامجها من حاجات الإنسان المصري ودعمه وربطه بالعالم .. بالوعي .. بحقوقه .. أن تجعله جزءاً من العالم الحي. هل تشعر ببوادر انتهاء أسباب رحيل المواهب الشابة؟ - هذا ما آمله لا ما أشعره، الوقت مازال مبكراً للحكم علي ما ستئول إليه الأوضاع والعوامل المسببة لطرد المواهب المصرية من البلاد، فمصر كانت تعيش أجواءً خانقة وطاردة لأي موهبة تحاول التحقق بدون المرور علي المتحكمين في الوسط الثقافي، وهم مجموعة من الموظفين الذين يرسمون سياسات الثقافة داخل السلطة بما يخدمها ويطلقون علي أنفسهم النخبة، الإنتلجينسيا، وهناك مجموعة النقاد المنضوين تحت لواء النظام.. والصحفيون المستفيدون من امتيازاته.. وللأسف مازال هؤلاء موجودين للآن.. وكانوا عوامل طاردة لأي موهبة شابة.. وأؤكد لك أن "الطرد" قد يكون داخلياً أيضاً.. فلدينا في الصعيد وفي قري الدلتا شباب مصري مفعم بالموهبة ولكنه لا يجد من يكتشفه أو يساعده، وأتمني أن تتحقق نبوءة الثورة وتحافظ مصر علي شبابها الموهوبين. حدثنا عن الأسباب المباشرة لاختيارك ترك البلد؟ - السبب الأساسي هو أنني أُقِلت من المجلس الأعلي للثقافة عام 2006 قبل أن تنتهي إجراءات اعتماد عقدي به فلم أجد لي عملاً في مصر، حيث أصدر الدكتور جابر عصفور قراراً بتعييني في ذلك العام، وكان أن نشرت بعدها مقالاً في أخبار الأدب عن المشروع القومي للترجمة -الذي كنت أعمل به- وانتقدت السياسات التي تحكم العمل داخل المجلس، بعدها للأسف وقف الدكتور عماد أبو غازي في وجه تعييني وأبلغني بنفسه أنه لن يعين شخصاً يهاجم المؤسسة التي يعمل بها، ومازال عندي العقد الموقَّع عليه من جابر عصفور ولكني أحتفظ به للذكري .. وللأسف رغم احترامي للدكتور أبو غازي، فأنا أؤكد أنه كان السبب في خروجي من مصر. أما السبب الثاني لتركي بلدي فكان أنني ظُلمت أدبياً وشعرياً لما لقيته من تجاهل من المؤسسات وتعامل نقدي بارد من النقاد ودراساتهم. لم أُدعَ إلي ندوة وحدة في بلدي، بينما دعيت إلي أكثر من اثنتي عشرة مشاركة دولية. ألا تشعر بتناقض بين حديثك عن تهميشك في البلد بينما الدواوين الثلاثة صدرت بها، وها هو أحدث أعمالك يفوز بجائزة مصرية وتتولي دار نشر مصرية طباعته؟ لا تناقض هناك، فدواويني صدرت في مصر، لم تدعني لجنة الشعر إلي أمسية واحدة بها، ولم تعقد لي أمسية ولو في قصر ثقافة صغير، في الوقت الذي تعقد لي الندوات في الخارج (آخر حفلي توقيع أقمتهما لأعمالي كانا في الكويت وقطر علي التوالي) إضافة إلي الإمارات بطبيعة الحال، وعندما أصدرت (أخبار الأدب) عدداً خاصاً عن مبدعي نهاية التسعينيات وأسقطتني تماماً من حساباتها، رغم أنني أغزر شعراء جيلي إنتاجاً (ستة دواوين شعرية وعملين نثريين) وأكثر أبناء جيلي مشاركة في المهرجانات (الكويت وقطر والجزائر وتونس والإمارات وسوريا وغيرها) وحتي أكثرهم حصولاً علي الجوائز. ورغم أنني كنت أصغر عضو باتحاد الكتاب، لم يقدم لي شيئاً، ولم يرشحني إلي جهة أو يدعم إبداعي. سأذكر لك مثالاً غريباً وطريفاً لشيء حدث معي ففي 2009 حصل ديواني (علي أنامل عاشقين) علي الجائزة المركزية لقصور الثقافة المصرية، وسلم أسرتي الجائزة د. أحمد مجاهد، وقتها قدّمته للنشر في هيئة الكتاب، فأجيز وأخذ دوره. وعندما تولي أحمد مجاهد هيئة الكتاب - بعد الثورة - كان أول قرار اتخذه أن قام بإلغاء طباعة الديوان واستبعاده من النشر! ولا أعرف الأسباب. ما الذي غلبت انفعالاتك عليه في عملك (من أوراق شاب مصري).. سيرة المكان أم سيرتك الشخصية؟ - كان العمل يراوح بين الأمرين.. سيرة المكان وسيرتي الذاتية، حتي أنه من الصعب الفصل بينهما، وسيرة الإنسان هي سيرة مكان في النهاية يحوي بشراً وعلاقات وآفاقًا تتفاوت في اتساعها، وأنا سميت العمل بهذا الاسم ليشير إلي الالتصاق الشديد بين الإنسان والهوية التي تمثل المكان/ الوطن، فالعمل يتنقل بصاحبه علي امتداد السرد علي أماكن كثيرة بمصر، وتنتقل معه فيها ظروفه.. إحباطاته وأحلامه وأفكاره. هل رؤيتك للوضع الثقافي بمصر اختلفت بعد الاغتراب؟ - في الخارج، ومن خلال أسفاري الكثيرة إلي أكثر من دولة لاحظت أن التنظيم المنهجي للعمل الثقافي مفتقد في مصر علي عكس هذه الدول، رغم أننا للأسف نملك طاقات وإمكانات وكوادر وشبابًا موهوبًا بالملايين في مصر، غير أن تداخل السلطة بالثقافة في مصر، والبيروقراطية وفردية قرارات المسئولين والتربح من وراء اسم الثقافة والمثقفين، كلها أمور ساهمت في إضعاف الدور المحوري وأضاعت مركز الثقل الثقافي من مصر في المنطقة. ما تقييمك لدور المثقفين بالخارج في الثورة المصرية، الذي توقف في نظر البعض عند حدود الفيس بوك؟ - الذي يزعم أن دور المصريين في الخارج توقف عند الفيس بوك فهو يظلم كتلة وطنية مخلصة منتمية إلي هذا البلد ولم يجبرها علي الرحيل عنه سوي ظروف الحياة وقسوتها، يوم رأيت (موقعة الجمل) أثناء الثورة علي التليفزيون بكيت وتركت كل شيء في الخارج وهرولت إلي أول طائرة وكنت في ميدان التحرير معتصماً مع الناس، لم أسأل عن غربةٍ ولا حياةٍ مؤمّنة. كثيرون من المصريين تركوا غربتهم وسافروا إلي مصر ليقفوا بجانبها في محنتها، أذكر عالِم وكالة ناسا الكاتب والمفكر د.فكري أندراوس الذي سافر من فوره من أمريكا إلي مصر عندما قامت الثورة، والصحفية الكبيرة حنان البدري المراسلة السياسية التي لفتت نظر العالم إلي مجزرة كان يعدها النظام لشباب الثورة يوم الأربعاء الدامي. ما إن الضغط الذي قام به المصريون في الخارج من أجل انتزاع حق التصويت في الانتخابات حتي حصلوا عليه أكبر دليل علي وطنيتهم والتصاقهم بقضايا وطنهم. هل تري أن ردود أفعال المثقفين بعد الثورة قادرة علي تشكيل وضع ثقافي جديد أكثر إيجابية وقوة؟ - نعم.. أنا متفائل بالكثير من (شباب المثقفين) الذين خرجوا من قلب الميدان، وانتفضوا لوضع مصر، هذا الشباب الواعي لم يتلوث بامتيازات المثقف المنتفع الملتصق بالسلطة، لكن يبقي الأمل في ألا تغفلهم الثورة بعد استقرار أوضاعها. نحن رأينا وضعاً جديداً في مؤسسات الصحافة والإعلام أكثر إيجابية، ولكن حتي هذه اللحظة مازال المشهد الثقافي علي حاله، وهناك الكثير من المثقفين الذين ادعوا بأنهم كانوا مع الثورة وأنها خرجت من رحم أفكارهم بينما صورهم في "قصر العروبة" مع الرئيس وهم مطأطئي الرءوس تفضح أي زعم أو ادعاء لهم في أنهم منتمون للثورة، بل إن الثورة يجب أن تحاكم مثل هؤلاء. ألا تشعر بأنك بحاجة للإضافة لهذا الكتاب بعد الثورة؟ أم تؤجل الكتابة عن مصر التي ولدت من جديد لكتاب آخر؟ في الواقع كان هذا اقتراحاً إيجابياً طرحه علي الأستاذ محمود عبد الحميد مدير جمعية أحمد بهاء الدين عندما قرأ العمل ورأي أنه قد يكون من المفيد أن أضيف فصلاً إليه عن مصر الثورة.. وقد أضفت الفصل بالفعل بعدما اقتنعت بذلك.