نظرة إلي جنوبنا نشرنا الأحد الماضي عن العلاقة المتبادلة بين مصر والسودان، وتناول هذه العلاقة في الأدب، واليوم نواصل استكمال ملفنا عن الفنون في شمال الوادي "المصريون" وجنوبه "السودانيون"، التي رغم الانفصال سياسيا، وما قد يظهر ابتعادا بين الجانبين، ومهما طال هذا الابتعاد، هناك رابط خاص سحري يجمعهما معا مرة أخري، نلتمس هذا الرابط بين الشقيقتين "مصر والسودان" سواء في الفنون البصرية "التشكيلية"، أو في الفنون السماعية "الموسيقية"، مع قراءة لرسائل اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية عن السودان. بالتأكيد دور النشر والمكتبات تتحمل دورًا أساسيا في تسويق الكاتب والمؤلف، فكيف يتم تداول كتب ما بين السودان ومصر؟.. وفيما يخص الكتب السودانية ما النوعية الأكثر ذيوعا بين المصريين؟.. من هي الشريحة المهتمة بالمنتج السوداني هل هم المثقفون أم الأكاديميون أم من؟.. هل هناك معوقات بين البلدين في التداول؟ وما هي الصعوبات التي يواجهها الناشر للترويج للكتب السودانية؟.. بحثنا عن إجابات لهذه الأسئلة، التي تكمن صعوبة الإجابة عنها من عدم وجود الكثير من المكتبات ودور النشر المصرية التي تعمل علي المنتج السوداني. توجهت روزاليوسف إلي عمر سيد صاحب مكتبة "عمر بوك ستورز" الذي أوضح أن الكتب السودانية الأدبية فقط هي الأكثر شيوعا، أما الكتب الأخري فتكون ذات عناوين عامة لا تعبر عن توجه محدد، والأكثر إقبالا من الكتب الأدبية هي الرواية، وبالأخص "موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح وأعماله كلها عموما، أيضا الدواوين الشعرية للشاعر السوداني أحمد الحردلو، كذلك الكتب التاريخية عن السودان، وما بها من صور تكون محببة للمصريين، فيما عدا ذلك من الكتب الأخري فإن السودانيين فقط هم المهتمون بها، وأكثر شريحة مهتمة بالكتب السودانية هم "الشباب". أضاف سيد: استيراد الكتب من السودان ليس به مشكلة عموما، إلا بعض الكتب التي تثير ضجة مثل رواية "بنات الخرطوم" للروائية السودانية المقيمة بلندن سارة منصور، والتي يعتبرها السودانيون من أسوأ الكتب، نظرا لأنها رواية مثيرة وتتحدث عن الجنس، واصفة الفتيات السودانيات أنهن ممارسات للفاحشة بالدول العربية، لكنها رغم ذلك عليها إقبال كبير في الشراء من الطرفين السوداني والمصري، وهو أمر طبيعي، فدائما "يكون الممنوع مرغوبًا". وفيما يخص الترويج أوضح سيد أن المصريين لديهم مشكلة، نابعة من أنهم لا يرون سوي أن الأدب السوداني هو الطيب صالح، علي مستوي آخر للمشكلة لكنها بنسبة ضئيلة، مشكلة اللهجة السودانية التي يكتب بها العمل أحيانا ولا يفهمها المصريون، أيضا اهتمام المصريين بدار النشر الصادر عنها الكتاب، فلو أن هذا الكاتب السوداني أيا ما كان اسمه أو المجال الذي يكتب فيه طالما كتابه صادر عن دار نشر معروفة محليا أو عربيا أو عالميا فهي ضمان لبيع الكتاب. في ختام حديثه أثار سيد نقطة مهمة وهي "القرصنة" التي تواجهها الكتب السودانية، والتي حققت صدي واسعًا في المبيعات مثل كتاب "الحركات الإسلامية السودانية" لمحجوب عبدالسلام، مما أحبط الكتّاب ودفعهم للتوجه للتسويق الإلكتروني حماية لكتبهم من قرصنة التجار. الناشر محمد هاشم صاحب دار "ميريت" الذي بدأ الاهتمام بالأدب السوداني مؤخرا، يتنبأ لعدد من الكتاب السودانيين بالشهرة هنا في مصر مثل الروائيين حمور زيادة، خالد عويس وآخرين، عن بعض الكتب التي انتجتها ميريت يقول هاشم: " لدي مجموعة قصصية "حوار الظلال" لعثمان أحمد عثمان، وللأسف هناك عمل لأناهيد كمال تم منعه، إضافة لكتب أخري ستصدر في خلال الأيام القليلة القادمة". لايزال هاشم في دراسة لحساسية القارئ المصري تجاه المنتج السوداني ليدرك أكثر الكتب اهتماما، وعن أسلوبه كناشر للترويج عن المنتج السوداني يقول هاشم: "استغل موقع الدار الإلكتروني وصفحتنا علي الفيس بوك، أيضا أرسل نسخا من الكتب لكتاب الأعمدة ومعدي البرامج الواعين والمقدرين لقيمة العمل الإبداعي، إضافة إلي حفلات التوقيع والندوات النقاشية، وفي النهاية لكل عمل شفرته الخاصة تجاه القارئ، القادرة علي تقديم العمل كما يجب". أرجع هاشم أسباب الفجوة الثقافية بين مصر والسودان، إلي الأنظمة السياسية، لكن علي مستوي الشعوب لا يوجد علي الإطلاق أيةمشكلة أو حساسية بين المصري والسوداني، واختتم حديثه قائلا: "إنما وبمنتهي الصدق السودانيون هم أقرب الناس لنا وهم أشقاء بالفعل وهي حقيقة تاريخية معروفة".