لم يكن أحد يتوقع ان تأتي نهاية احتفال العمال المستقلين بعيدهم في ميدان التحرير، قبل بدايته. فجأة بعد ساعات طويلة من اعداد منصة لإلقاء المتحدثين من رؤساء الخمس نقابات المستقلة التي تشكل نواة الاتحاد المستقل كلماتهم، حتي حدث هجوم مباغت من مجموعة من الشباب علي المنصة مباشرة، حيث قاموا بإنزال من كان فوق المنصة وهتفوا هتافات كثيرة بداية من "ارفع راسك فوق انت مصري"، وليس انتهاءا ب"هما بيعملوا حفلات وأخويا هنا مات"! لم يبد ما هو السبب المباشر لمثل هذه الهتافات وارتباطها بمنع اقامة احتفال بعيد العمال في ميدان التحرير، سوي الرغبة في خلط الامور والانتهاء بنتيجة واحدة وهي عدم اقامة العمال المستقلين لاحتفالهم. يعكس ما حدث في التحرير تكنيكا جديدا بدأ "القائمون علي الامر" في استعماله للقضاء علي التحركات خارج السرب، السرب يجب ان يعزف نغمة اساسية مفرداتها "الاستقرار" و"عودة العجلة الي الدوران" و"البلد لازم تهدي شوية" لتصبح اي مطالبات اخري لها علاقة بالعمل علي تغيير النظام تغييرا حقيقيا مثل وضع حد أدني للاجور، او المطالبة بإقالة الفاسدين الصغار الموجودين علي رءوس المؤسسات والشركات والهيئات المختلفة، أو العمل علي وجود تنظيمات مجتمعية مستقلة مثل النقابات او الاحزاب، هو عمل مضاد ل"الاستقرار" وفي احسن الاحوال هو رومانتيكية ثورية! وبدلا من استعمال العسكر في مواجهة المواطنين، بدأ استعمال التكنيك الجديد وهو مواطنين في مواجهة مواطنين وهو مايبدو أكثر فعالية واقل خسائر، فبعد الايام الدامية التي شهدها التحرير في 9 مارس، ثم 9 أبريل وما بينهما عندما استخدم المجلس العسكري قوة الشرطة العسكرية في المرة الاولي ثم قوة الامن المركزي بالاضافة الي القوات الخاصة في المرة الثانية، مما أدي إلي سقوط ضحايا وإلي ضجة إعلامية لم يعد المجلس العسكري في حاجة اليها. لذا كان التحرك لإخلاء ميدان التحرير في الحادي عشر من ابريل الماضي باستخدام جموع من "المواطنين" يهتفون باليد الواحدة للجيش والشعب ويسلمون المعتصمين بالتحرير إلي الشرطة العسكرية أمرا أكثر جاذبية ويخدم أكثر صورة المجلس العسكري الراغب في استتباب الأمور. ليتم استعمال نفس التكنيك مرة اخري في الأول من مايو لإفساد تحرك النقابات المستقلة الوليدة والتي ولدت في السنوات والشهور الاخيرة لعهد مبارك والراغبة في الاعلان عن وجودها بقوة، واستكمال طريقها الخاص لصنع نقابات حقيقية تسطيع الدفاع عن عمالها، بعد عقود طويلة من تحول اتحاد العمال الرسمي إلي مجرد مبلغ يخصم من مرتبات العمال كل شهر، ولافتة تأييد كبيرة للرئيس. اذن نحن امام محاولة جديدة من الراغبين في المحافظة علي النظام القديم كما في الالتفاف حول المبادرات والخطوات الجديدة المرهون بها بالفعل الوصول الي نظام اجتماعي وسياسي مختلف، ولا يكفي إما هذه المحاولات البكاء علي اللبن المسكوب، ومجرد الندب والعويل علي طيور الظلام الراغبين في اختطاف الثورة. ما حدث مؤخرا هو اشارة قوية علي انه ينبغي الدفع بميدان التحرير لأن يتحرك من قلب القاهرة ليستقر في قلب كل منشأة وهيئة وشركة، البكاء علي التآمر ليس هو الحل ولكن العمل الدعائي والتنظيمي لجموع العمال بمفهومهم الواسع في كل القطاعات الي تنظيم انفسهم للمطالبة وللدفاع عن مطالبهم "الفئوية" المرتبطة بالعدالة في توزيع الأجور والحق في خلق تنظيمات مستقلة. فتغيير النظام ليس مقصورا علي الاتجاه نحو ميدان التحرير فقط، ولكن القدرة علي خلق حشد منظم في مواقع مختلفة هو العامل الحاسم في فرض مطالب تمكن علي المدي القريب والمتوسط من الاحساس بثمار التغيير. إن النهاية الدرامية غير المتوقعة لاحتفال عيد العمال بميدان التحرير، ليست نهاية الطريق، بل هي علامة علي اي طريق ينبغي علي العمال اجتيازه ذ وليس العمال هنا هم فقط العاملون بالمصانع، ولكن كل ما يعمل في مقابل أجر - فالنقابة المستقلة القادرة علي تمثيل اصحابها ومهنتها والدفاع عن مطالبهم ليست أمراً سهلاً ولكنها ايضا ليست امراً مستحيلاً، العمل علي الأرض الحقيقية التي يقف عليها العاملون بأجر هو الرهان الحقيقي لصنع تغيير حقيقي يستطيع التصدي لمؤامرات الراغبين في المحافظة علي النظام من جانب وأيضا صنع نظام جديد يستطيع فيه العمال بمفهومهم الواسع التعبير عن انفسهم، وجني ثمار ما يزرعونه. محمد فرج كاتب وصحفي