في أكثر المواقف حدة وسخونة تجده شديد السخرية والتهكم، إنه الدكتور صلاح قنصوة أستاذ علم الجمال، الذي فتح النار في هذا الحوار علي المثقفين المصريين، معتبراً أنه لا يوجد مثقفون في مصر، وإنما يوجد أشخاص يقومون بأدوار محددة، يستحقون لقب "أدوات" بدلا من مثقفين، وأوضح أن الجيل الجديد من الشباب قطع كل الأسلاك الشائكة التي تربطه بالتربة الأصلية، «فلم يتدنس بما تدنسنا به»، واتصل بالتيار العولمي، فتسلحوا بأدوات عولمية حديثة، فجروا بها الثورة. تصريحاتك في الفترة الأخيرة هاجمت فيها دور المثقفين، ما أسباب انتقادك؟ - المسألة مرهونة بمن هو "المثقف" فمن يطلق عليه هذا اللقب هنا في مصر هو ليس مثقفا بالمعني الدقيق والعلمي والأصلي الذي تم استيراده من الخارج، فكلمة المثقف ليست صفة إنما توصيف لدور قد يفقد في لحظة ما، فأين دور المثقف في تشكيل برامج الأحزاب والدولة والانتخابات؟!..في الحقيقة لا يوجد مثقفون في مصر لأن المؤسستين التعليمية والثقافية المنتجتين للمثقف نشأتا في حضن الدولة منذ عصر محمد علي، فبالتالي تحولوا إلي موظفين أي أدوات، فكلمة "مثقف" لاتمثل شيئا في مصر. أفهم من كلامك أنه لا يوجد مثقفون في مصر؟ - حتي نكون محقين، نحن منذ 59 عاما أي منذ الحركة العسكرية 1952م، من العيب أن نقول أن هناك مثقفين، فهم كانوا موجودين في الفترة الليبرالية القصيرة جدا التي أعقبت ثورة 1919 وبدأت مع بداية دستور 1923، كان وقتها يوجد مثقف بمعناه الأصلي، لكن الدستور كان يحوي عيوبا بنيوية أدت ل"انتحار" الملك والنظام نفسه وبالتالي لحركة 1952 التي بدأت التجريف الشامل للتربة التي ينبت منها المثقفون بالنظام الديكتاتوري، فأصبح المثقف إما مثقف صالون أو ميكروفون، كما ألغي دور "المواطن" وأصبحنا سكانا لعمارة كبيرة اسمها "مصر" في مواجهة مع بعضنا البعض وليس الحاكم ولا نفكر خارج هذه الجدران. كيف يمكن استعادة الدور الآن، خاصة أن المرحلة الحالية بحاجة شديدة للمثقفين؟ - في هذه الفترة الطويلة بكل أحداثها التي ذكرتها، أجريت عمليتان جراحيتان لكل "أدواتها"، الأولي "استئصال غدة الحياء" حتي يعملوا بخفة ويتنقلوا من منصة إلي أخري ويتشدقوا بالكلام المكرر، دون أن يتوقفوا ويسألوا أنفسهم "هل يليق بي هذا؟" لأنه حينها سيدرك أنه لا يليق بالتالي سيتمرد وهو ما ليس مطلوبا، الجراحة الثانية هي «الاخصاء» ليكون مأمون الشرور مثلما كان يحدث وقت المماليك لخدام البلاط، وأنا لا أقصد بذلك المثقفين فقط بل كل من يعملون بالبلاط. وما الحل إذن؟ - هنا لابد أن نتساءل..ماذا حدث في "25 يناير" ؟..والحقيقة أنني اجتهد في إيجاد إجابة دقيقة لهذا السؤال الهام، فهذا الجيل استطاع قطع كل الأسلاك الشائكة التي تربطه بالتربة الأصلية ليتصل بالتيار العولمي ويكون ثقافته الخاصة، وما يحتاج إلي البحث هنا هو كيف استطاعوا قطع هذه الأسلاك وينفصلوا؟..بالتالي لم يتدنس بما تدنسنا نحن به، وبأدوات عولمية أنيقة فجروا بها الثورة ونجحوا في جذب الشعب لهم أيضا، بل واجتازوا كل الاتهامات المسفة التي وجهت لهم من شاشات الإعلاميين وأقلام الصحفيين، فنحن أمام عالم جديد لابد أن يتجه إليه البحث العلمي للدراسة. كيف وأنت أستاذ جامعي علي احتكاك مباشر بهذا الجيل الذي قام بالثورة لا تملك مفاتيح الإجابة عن هذا السؤال؟ - لست قابضا بعد علي الإجابة كاملة، لأن هؤلاء خرجوا من نفس المؤسسات التي تدعم التخلف، لكنهم قدموا عكس ما تلقوا وهذا ما يحتاج إلي دراسة. استكمالا لإجابتي علي اقتراح الحل أقول..علي هذه "الأدوات" نتيجة لتغير التوجه عليهم أن يغيروا نظام التشغيل أيضا الذي يتناسب والتوجه الحالي لأننا لا نملك غيرهم الآن، إلي أن تنضج كوادر حقيقية من جيل الثورة يبدأ المسيرة بفكر حقيقي وعلمي. هل لديك تصور زمني لإعداد هذا الجيل من الشباب؟ - لن يحدث قبل أن تتم الانتخابات الرئاسية أولا قبل التشريعية، لتغيير الدستور والذي لابد أن ينتج عن حوار حقيقي وفعال، ومناخ ديمقراطي حقيقي ودقيق. ما تفسيرك لعلو الأصوات الدينية المختلفة الآن؟ - تفسيرها بسيط جدا، فاليوم نعيش حالة من الكشف بعد فترة من الكتمان طويلة، مثلها مثل الاحتجاجات الفئوية، لكن هذا صحي جدا لأنهم يلعبون الآن علي المسرح المكشوف بلا أقنعة أسطورية، بعد فترة من إحساسهم أنهم شهداء و"محظورون"، الآن نحن نعيش مرحلة من "الاستربتيز" السياسي أي يكشفون أنفسهم للناس البسطاء، وهذا مطلوب. هل تري في الثورات العربية التي قامت والتي لاتزال مستمرة، إعلان موت الأنظمة العربية المستبدة؟ - في حماس شديد قال: بالتأكيد. علوم الفلسفة لوقت طويل في مصر كانت شبه ممنوعة ومصادرة وتم تكفير العديد من الفلاسفة، بعد الثورة كيف يمكن تغيير هذه النظرة المغلوطة للفلسفة؟ - هذا مرتبط طرديا بمكاسب الثورة، إن تحققت كما يجب طبيعي جدا أن تعود الفلسفة لمكانتها الطبيعية في الحياة والفكر، فالفلسفة هي الفهم والنقد هي الموقف. متي يمكن أن يظهر بيننا ابن رشد آخر، خاصة أن مناهج الفلسفة في مصر تدرس المدارس الغربية؟ - قيمة ابن رشد أنه كان "الشارح الأعظم" لأرسطو لأنه ربط بين الفكر التقليدي للإسلام وبين الفكر المستنير، لكنه ليس بصاحب مذهب فلسفي خاص به، إنما هو رفع من قيمة العقل لأنه بدأ من البكارة الفكرية. إنما اليوم في عصرنا هذا الفلسفة أصبح دورها هو النقد الثقافي، أي أنها هي الارتباط الأفقي لكل أنواع المعارف الإنسانية، فلم تعد الآن أدوار مستقلة بعينها للمعارف والعلوم بل تداخلت الأدوار، فلم يعد الآن ما يسمي "المذهب" فنحن نعيش عولمة فكرية واضحة تتحلل فيها الروابط لتتداخل جميعا. إذن أنت متفائل بقدرتنا علي إنتاج نظرية عربية؟ - بالتأكيد جدا، فما كان يمنعنا هو سطوة السلطة والتي منعت من أن يكون لنا رأي أو موقف بالتالي تاهت الفلسفة واختفت، لكن الآن انتهي هذا التسلط ونتجه نحو عصر جديد من الديمقراطية وإعمال العقل، تربة صالحة لتلك الفلسفة. نحن في مرحلة انتقالية الآن، كيف السبيل إلي نهضة ثقافية حقيقية؟ - تاريخيا المفتاح الأساسي هو الانفتاح السياسي والخروج من "الحظائر"، وأن ينتهي دور الأدوات. أنت الآن بصدد إصدار كتابك "الفن أصل الإنسان"، كيف أمكننا التنكر لحضارتنا الفنية المصرية القديمة؟ - هذا لم يحدث، فما حدث فعليا ان الحديث عن هذه الحضارة كان حديثا جذابا وشيقا، إنما بعد ظهور التيارات السلفية والأصولية والتمسك بالقشور الدينية، وتشجيع الدولة للبحث عن أفق آخر فاتجه الناس نحو الشق "الإسلاموي"، ومن هنا فقدت الصلة بحضارتنا الإنسانية العريقة ليحل محلها الأحاديث البدوية، وأعتقد أنه قد آن الأوان أن يختفي ذلك تدريجيا. هل أسباب ذلك يعود إلي عدم مشاركة المجتمع أم ضعف دور المثقفين ؟ - الأساس هو منع التفكير والنقد الذي انتهجته الأنظمة السياسية، وبالتالي لم يقم المثقف بدوره، واستكان المجتمع فكانت النتيجة هي التخلف الذي عشناه لفترات طويلة. هل أنت متابع لبرامج المرشحين للرئاسة؟ - بالطبع، وأري أن البرادعي هو الأنسب لهذا الدور، إنما مشكلته أنه ليس "جماهيرياً" وهذه هي مشكلة كل الشعوب، حتي في أمريكا رغم أن ريجان وبوش لم يكونا ذوي عقلية بارزة لكن لديهم جماهيرية جعلتهما يرأسان أمريكا مدتين رئاسيتين، عموما الفيصل الأساسي هو البرنامج الانتخابي. ما رأيك في السيدات اللاتي رشحن أنفسهن للرئاسة؟ - أنا لا أعرف شيئا عن أنس الوجود عليوة، إنما بثينة كامل وهي أخت وصديقة، اندهشت حينما علمت بترشيحها فهي بارزة كناشطة سياسية وحقوقية، إنما هذا الطريق محفوف بالمخاطر ولا يناسبها، وأعتقد من الأفضل لها أن تختار أحد المرشحين وتقود حملته الإعلامية بالتأكيد ستعمل علي إنجاحها..وأضاف: الحقيقة توقعت ان تقوم المستشار تهاني الجبالي بترشيح نفسها، فهي إمرأة قوية وتملك المواهب التي تؤهلها لهذا الدور. هل تفكر في الانضمام لأحد الأحزاب الجديدة؟ - الحقيقة لوهلة فكرت في ذلك..لكنني تساءلت ماذا سأصنع بعد مضي العمر هكذا؟!...لذا فضلت أن أكون خارج التزام محدد، وأدافع كلما استطعت عن أي موقف سليم، إنما لو كنت في فترة مبكرة من حياتي كنت سأختار حزبا له علاقة بالبرادعي.