ظلت للمثقفين طوال فترة الستينيات والسبعينيات، مواقف قوية واضحة في مختلف القضايا السياسية، لكن بداية من الثمانينيات ومنذ تولي الرئيس السابق الحكم، تم تهميشهم مثلهم مثل جميع القوي السياسية، سواء بإبعادهم تماما عن السياسة كما فعل مع طلبة الجامعة، أو بتدجينهم وإدخالهم "حظيرة فاروق حسني" الثقافية كما فعل مع المثقفين، باستثناء أسماء قليلة منهم، حول هذا الاستبعاد وأثره علي الحياة السياسية مصر، أجرينا هذا التحقيق. في البداية أكد الكاتب صنع الله إبراهيم أن المثقفين لم ينقطعوا عن العمل السياسي، بل كانوا موجودين دائما بأشكال مختلفة في موضوعات ومقالات وأعمال إبداعية، وعدم ظهورهم بشكل مباشر في العمل السياسي كان بسبب النظام السابق، وتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تنامي دور الجماهير الشعبية؛ والخطوط العريضة للمرحلة المقبلة سيرسمها النشاط الشعبي وشباب الثورة. ودعا صنع الله إلي ضرورة انتماء الناس لأحزاب أو تشكيلات سياسية، بحيث يختار كل منهم ما يتفق مع وجهه نظره، وأوضح أنه شارك في الثورة كملايين ممن ذهبوا إلي ميدان التحرير، ويشعر أنه شارك بها قبل ذلك في تعليقاته وكتابته في الصحف، ومواقفه المختلفة التي كان من ضمنها رفضه الجائزة التي حصل عليها من الدولة عام 2003 . في حين يري الدكتور صلاح قنصوة أستاذ علم الجمال أن موقف المثقفين السياسي لم يتغير كثيرا، وأكد أن الجديد فقط بعد الثورة هو الشباب قائلا: «نحن نثق في كل ما يقوله الشباب وإخلاصهم لهذا الوطن، وما يقولون من جديد، أما ما نسمية بالمثقفين، أيا من كانوا يكتبون من قبل في وسائل الإعلام القديمة فهم لم يتغيروا، تفاوتت ثوريتهم، وأصبح أكثرهم متحولين، يسايرون الثورة فهم لا يقولون شيئا جديدا، فما ننتظره كقراء ومواطنين هو ما يقدمه لنا الثوار من الشباب فقط، فهذا التساؤل عن العمل السياسي لكان يطرح في مكان آخر غير مصر!؛ لأن الجديد ومن نثق فيهم هم الشباب، وكل ما عداهم خاضعون أو هامشيون». وأضاف: «بطبيعة الحال فإن خلال ثلاثين عاما ولم تكن هناك معايير للتعبير، فمن ذكر اسمه أو كسب شهرة أو ظهر في وسائل الإعلام في الفترة السابقة فقد دفع مقابل ذلك من كبريائه وشخصيته، ويوجد قلة نادرة نستثنيها، لكن الظروف كانت لا تسمح بظهور أو إعلان أي مثقف في الماضي إذا كان مخلصا حقيقيا، ونحن ننتظر هذا فيما بعد، ليس الآن بطبيعة الحال، فالآن كل فرد فيهم يفكر في حساباته في مواقفه من ثورة الشباب، ويتفاوت "المثقفون"، وأنا لست متفائلا، لكن الأمل الوحيد في الشباب إذا اتيحت لهم فرصة القيادة الحقيقية للرأي العام». ومن جانبه لفت الفنان التشكيلي محمد عبلة إلي أن المثقفين في فترة الستينيات لم يكن لهم دور واضح كسياسيين؛ حيث لم يكن هناك انفتاح سياسي؛ فكان الحزب الاشتراكي هو المسيطر، والعمل السياسي يعني بوجود اتجاهات سياسية مختلفة؛ ولذلك لم يكن لهم دور رسمي، رغم أنهم كانوا يحاولون تكوين جمعيات أو أحزاب. وفي عهد مبارك كان هو الوضع نفسه، فالحزب الوطني هو الموجود ويعطل الأحزاب الأخري، والمثقفون ابتعدوا عن المشاركة في هذه اللعبة، والأحزاب الأخري الموجودة كانت مجرد ديكور، وبعد الثورة إحساس المثقفين وغيرهم اختلف؛ حيث شعروا بأن البلد أصبحت ملكهم، ويجب أن يشاركوا حتي لا يسرقها منهم أشخاص آخرون. ورأي عبلة أن دور المثقفين في هذه المرحلة، يتمثل في قيامهم بالمشاركة في توعية المجتمع سياسيا، لأنه به نسبة أمية عالية، وأمية سياسية عالية جدا، وتدن في المستوي الثقافي. ومن جانبه يري الناقد شوكت المصري: أن المثقفين لم ينفصلوا عن العمل السياسي طوال الفترة الماضية، ولا يمكنهم ذلك، لكن ضعف الأحزاب والتيارات المعارضة وهيمنة الحزب الواحد تسببت في غياب دور المثقف الحقيقي، رغم وجود أعمال فنية حقيقية صاحبة رسالة سياسية، لكنها كانت أعمالا فردية وليست منظمة، علي عكس فترة الستينيات إذ كان عندنا حركات سياسية كحدتو، التي كانت تضم مجموعة من المثقفين، وأيضا شعراء السبعينيات الذين خرج بيانهم الشعري مدعما بموقف سياسي. ولا ننسي أن وزير الثقافة السابق فاروق حسني، حاول استيعاب المشهد الثقافي بشكل نظامي لصالح الدولة، عبر فكرة الجوائز أو عضويات اللجان، أو منح التفرغ، وطالما بعض المثقفين ليسوا قادرين علي الاستقلال ماديا فهم غير قادرين علي الاستقلال فكريا. وأكد المصري أن المشاركة السياسية في المجتمع حاليا لا تقتصر علي المثقفين، بل المجتمع كلة بمختلف طوائفه، وأنا أعتقد أن رفض المثقفين بدأ مع إرهاصات الثورة عام 2004 مع أول مظاهرات حركة "كفاية" وظهور "الجمعية الوطنية للتغيير" وحركات مثل "كتاب من أجل التغيير"، ورجعت الصورة المعارضة بشكلها المتحرر من الأحزاب والتنظيمات.