استكمالا للملف الذي فتحناه عن التيار السلفي .. يواصل المثقفون رفض ما شهده المجتمع المصري مؤخرا من فتاوي وإجراءات سلفية مستغربة علي المجتمع المصري من هدم للأضرحة ورفض للحضارة المصرية القديمة كممثل أو تعبير عن مصر، كذلك العنف بالأقاليم وآخرها قطع أذن المسيحي بقنا وانتهي بالتصالح، الذي يراه البعض قد أضاع حق المجتمع. ردا علي سؤال: كيف يمكن أن يواجه المثقفون المد السلفي؟ قال الروائي أحمد الخميسي: "المثقفون يظل في يدهم قدر من المبادرة لمواجهة السلفية أي هامش من الإمكانية، هذا الهامش ينحصر في إطار الفن والإعلام والثقافة، لكن مواجهة السلفية تحتاج لشيء أساسي هو تحسين ظروف الحياة، لأن السلفية هي الحلم بماض يتم تقديمه علي أنه هو الأجمل والأحسن، والناس تتجه نحو الماضي حينما يكون الحاضر سيئا ومحبطا، لذلك لابد من تحسين ظروف الحياة من حيث البطالة والفقر وغيرهما من المشاكل. أما هامش المثقفين فيخص التوعية ونشر الثقافة المستنيرة، لكن وبصراحة شديدة المثقفون في حدود هذا الهامش يتصرفون بشكل تقليدي في حدود الكتاب المنشور أو الندوة وهكذا، فلابد من وسائل جديدة مثل المسارح المتحركة للعرائس، تكتب لها نصوصا خاصة وقصيرة، فالسلفية ليست في ندوات المجلس الأعلي للثقافة أو أتيليه القاهرة، بل هي في الحواري والأزقة بالمدن وفي قري الصعيد، بالتالي تحتاج إلي طريقة مواجهة مختلفة كأغاني الوحدة الوطنية واستعادة التراث المصري وتقديمه مرة أخري وعرض الأفلام المليئة بالاستنارة والداعية للوطنية خاصة أن السلفية ضد فكرة الوطن، فنحن في بلد 40% أمية و80% من المصريين لا يهتمون حتي بقراءة الصحف و40% تحت خط الفقر إضافة إلي أن ثقة الناس في الإعلام ضعيفة نتيجة 30 سنة من التضليل، هؤلاء كيف سيحضرون الندوات ويشترون الكتب؟! أعتقد أن الأرخص أن يكون المواطن سلفيا!! أيضا إلي جانب السلفية هناك الطائفية وتحقير المرأة وتحقير العلم، فيجب النزول للناس بجيش من المستنيرين الحقيقيين والمسرح المتحرك والشاشات المتحركة". أما الكاتب الصحفي حلمي النمنم رئيس مجلس إدارة دار الهلال فيقول: "المثقفون يواجهونه منذ سنوات من خلال إعلاء فكرة الاستنارة والمطالبة ببناء الدولة المدنية العصرية، فالأساس هو الدولة المدنية التي تقوم علي سيادة القانون وتفعيله". في حين يتأسف الناقد الدكتور جابر عصفور علي أن أغلب المثقفين مشغولون بمشاكلهم وتفاصيل ليس وقتها الآن، تاركين الخطر المهدد لمكاسب الثورة، لذلك لابد من تكوين جبهة عريضة من المثقفين بكل طوائفهم وسواء أكان مسلما أو مسيحيا، ويكون هناك حملة مضادة من كل أجهزة الإعلام كافة، ولابد من مساعدة الدولة ودعمها لنا بتركيز إعلامها الرسمي أيضا، ونتوجه بكل ما نستطيع من قوة إلي المجلس العسكري وحكومة تسيير الأعمال أن يكون هناك تغليظ للعقوبات لكل معتد علي الحقوق المدنية، فيجب أن يسود القانون ولا يقتصر الأمر علي مجرد حل المشاكل بالقري وغيرها بأن تذهب مجموعة إلي هناك يتحدثون ثم يعودون. وحول: هل ما يحدث من إعلاء صوت السلفيين والإخوان هو ضريبة الديمقراطية؟ يري الخميسي: أنه ليس ضريبة الديمقراطية، بل هذه هي الديمقراطية، لأنها هي التي تكشف الواقع، والواقع أن السلفيين والإخوان هم الأكثر تأثيرا، لكن صوتهم لم يكن مسموعا، فاليوم رفع الغطاء عن المنع والمصادرة فأصبح صوت كل شخص مرهونا بصوته وقوته، فهم الأكثر ثقلا سياسيا واجتماعيا، وهي إحدي علامات فشل النظام السابق فهو حتي لم يستطع خوض معركة التنوير". ويري النمنم أنه في جانب منه ضريبة، وفي جانب آخر السلفيون والإخوان قوة منظمة، ولديها خطط العمل السري والعلني، وهو مكمن الخطر والخوف. وفي منظور مختلف لعصفور يقول: بالطبع، لكن ليست هذه هي المشكلة، فالمشكلة الحقيقية هي حق المواطنة، فهناك فرق ضخم بين حرية التعبير عن الرأي وبين الاعتداء علي الحقوق المدنية، والتي لابد من حمايتها برادع قانوني. هل المجتمع حاليا لديه من الوعي ما يكفي لمواجهة المد السلفي؟ يقول الخميسي: "لدي عظيم الثقة أن السلفية لن تنتصر في مصر، فانتشار هذه التيارات الرجعية هو ظاهرة مؤقتة، فالسلفية هي " عرض" لمرض غياب العدالة الاجتماعية والتي ستختفي باختفائها، كالحرارة عند المريض التي تزول بشفائه من مرضه. من أواخر الشواهد علي غياب العدالة انتحار 62 عاملا نتيجة الظروف الاقتصادية البائسة في 2009!...فالمجتمع والتاريخ والشعب المصري يؤكدون أن مصر عاشقة للنور بشكل غير طبيعي، فكيف استطاع طفل صغير أن يمشي من قريته إلي المدينة ثم إلي أمريكا ليصبح "أحمد زويل"؟!! من أين جاءت هذه القوة سوي من عشق التنوير، فمصر ليست مستقبلا للسلفية". في تأكيد آخر يقول النمنم: المجتمع المصري بمزاجه ضد السلفية، وتاريخيا لم تستطع السلفية اختراقه، فهناك واقعتان تاريخيتان تحضرانني الآن، الأولي: الأزهر الشريف علي مدار 1000 عام لم يتول مشيخته أحد مشايخ أو علماء الحنابلة، رغم تدريس هذا المذهب بالأزهر، الثانية: واقعة أحد رموز السلفية وهو ابن تيمية حينما جاء لمصر وأقام بها وهاجم أحد رموز الصوفية مكفرا إياه، انتفض أهل القاهرة وذهبوا إلي الحاكم مطالبين بإخراجه من المدينة، فخيره الحاكم ما بين السجن أو الذهاب لدمشق أو ينتقل للإسكندرية فيما يشبه تحديدا لإقامته، وأظن أن هذه الشخصية المصرية بطبيعتها لا تقبل ولاتتحمل هذه التيارات. في قلق وريبة يقول عصفور: المجتمع وحده لا، فالمنتشر هو ثقافة التخلف خاصة في القري والنجوع، والتي تمكن السلفيون من السيطرة والهيمنة. وفي إجابتهم علي سؤال هل الكتلة الصوفية قوة مؤثرة ومنظمة قادرة علي مواجهة السلفية؟ قال الخميسي بشكل قاطع: "بالطبع لا، فمهما بلغت الصوفية من القوة والتنظيم لكنها غير قادرة علي مواجهة السلفية لاعتمادها علي نفس الجذور، لكنها ممكن أن تكون عامل مساعد لمواجهة السلفية وليس الرئيسي، مثلها مثل الإسلاميين المستنيرين كطارق البشري وفهمي هويدي فهناك خلاف جذري بين المستنيرين والتيارات الإسلامية الذين يرون أن الدين هو الفيصل وبيننا المستنيرين الحقيقيين الذين نقول أن الوطن هو الفيصل والدين لله عز و جل". وفي رأي مناقض لرأي الخميسي يري النمنم أن الصوفية موجودة ومنظمة في طرق ومجتمعات كثيرة منتشرون بمصر، وهم قادرون علي المواجهة، لكن أن يكون هناك قانون مدني يحمي المواطنين من بعض أعمال السلفيين التي تهدد أمنهم كهدم الأضرحة وغيرها. أما عصفور فيرفض المبدأ من أساسه قائلا: لايوجد ما يسمي قوة تواجه قوة فنحن لسنا بالعصر العباسي، نحن في دولة مدنية محكومة بقوانين تقوم علي مبدأ المواطنة. هل الصراع الدائر الآن بين الصوفية والسلفية والإخوان سيؤدي إلي إضعاف قواهم أم تحللهم، أم شيء آخر؟ بعد تفكير وتأمل يقول الخميسي: الحقيقة لا أستطيع الجزم، لكن قد ينتهي إلي تحالفات أو انشقاقات أيا كان، فهو لن ينفي وحدة اتجاههم الفكري، فلدينا اليسار المصري به عشرات الاتجاهات لكنهم في النهاية علي نفس الطريق. في رؤية أكثر تحديدا يقول النمنم: السلفية ليست قوية بالقدر الذي نتصوره لكنها منظمة، وهذا الصراع الدائر بينهم سوف يضعفها، أما الصوفية فهي قوية دوما ودعيني أخرج الإخوان خارج هذه الدائرة لأنها ذات شأن آخر. في النهاية يقول عصفور: لا هذا ولا ذاك، بل ستظهر قوي جديدة تشكل خطرا جديدا، لذا لازلت اشدد علي سيادة القانون لحماية المجتمع أمنيا وثقافيا وإعلاميا".