المنهج الإلهي - في إصلاح البشرية وهدايتها إلي طريق الحق - يعتمد علي وجود القدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الشريعة إلي سلوك عملي، فكان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو القدوة التي تترجم المنهج الإسلامي إلي حقيقة وواقع، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب:21)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلي الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»، وقال صلي الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، لهذا كانت لنا هذه الوقفة مع الأنبياء والصحابة والرعيل الأول من النساء المسلمات لنتعلم منهم وعنهم. سعيد بن زيد -رضى الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد نشأ سعيد فى بيت لم يكن الإيمان غريبًا على أهله، فأبوه زيد بن عمرو بن نفيل الذى ترك عبادة الأصنام، وأسرع إلى عبادة الله على دين إبراهيم، وكن يسند رأسه على الكعبة، ويقول: يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري. [ابن هشام]. فنشأ سعيد منذ صغره مثل أبيه سليم الفطرة، وما إن سمع بالإسلام حتى أسرع بالدخول فيه، وكان ذلك قبل دخول النبى «صلى الله عليه وسلم» دار الأرقم بن أبى الأرقم، وأسلمت معه زوجته فاطمة بنت الخطاب، وقد تحمل زيد وزوجته الكثير من الإيذاء فى سبيل الله، وكانا سببًا فى إسلام عمر بن الخطاب، حين هجم عليهما فى البيت وهما يقرآن القرآن مع خباب بن الأرت، فأخذ منهما الصحيفة، وقرأ ما فيها، فشرح الله صدره، وأعلن إسلامه. وهاجر سعيد إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة وآخى الرسول «صلى الله عليه وسلم» بينه وبين أبى بن كعب -رضى الله عنهما-. وبعثه الرسول «صلى الله عليه وسلم» مع طلحة بن عبيدالله؛ لحسَّسا أخبار عير قريش التى رجعت من التجارة، وفى أثناء قيامهما بهذه المهمة حدثت غزوة بدر التى انتصر فيها المسلمون، ورجع سعيد وطلحة فأعطاهما الرسول«صلى الله عليه وسلم» نصيبهما من الغنائم. وعرف سعيد بالشجاعة والقوة، واشترك فى الغزوات كلها. وكان -رضى الله عنه- مستجاب الدعوة، فقد روى أن أروى بنت أويس ادعت كذبًا أنه أخذ منها أرضًا، وذهبت إلى مروان بن الحكم والى المدينة آنذاك، واشتكت له، فأرسل مروان إلى سعيد، وقال له: إن هذه المرأة تدعى أنك أذت أرضًا، فقال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يقول: «من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أراضين» [متفق عليه]، فقال مروان: إذن فعليك باليمين، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمى بصرها، وتجعل قبرها فى بئر، ثم ترك لها الأرض التى زعمت أنها ملكها. وبعد زمن قليل، عميت أروى فكانت تقودها جارية لها، وفى ليلة قامت ولم توقظ الجارية، وأخذت تمشى فى الدار فوقعت فى بئر كانت فى دارها، فماتت فأصبحت هذه البئر قبرها. وكان سعيد مطاعًا بين الناس، يحبهم ويحبونه، وحينما حدثت الفتنة بين المسلمين، لم يشارك فيها، وبقى مداومًا على طاعة الله وعبادته حتى توفى سنة (51ه) أو (52ه) ودفن بالمدينةالمنورة.