هل صحيح ضيق قاعة مجلس الشعب وأنها لا تتحمل مقاعد جديدة للنساء؟ وأن اضافة مقاعد «الكوتة» للبرلمان تمثل عبئا علي موازنة الدولة وبالتالي لا لزوم لها؟ وأن إقرار العدالة والمساواة بين رجال ونساء هذا الوطن أمر معيب دستوريا لأنه يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليه في المادة «40» من الدستور؟ إضافة أيضا إلي أن فكرة «كوتة المرأة» تمثل رفاهية لا داعي لها في مجتمع يعاني من نسبة 40% يعيشون تحت خط الفقر. هذه الكلمات كلها أوردها مقال في جريدة الأهرام منشور في 13 مارس الجاري للاستاذ عبدالجواد علي ضمن طرحه لدراسة للباحث رمزي عبداللطيف بالأمانة العامة لمجلس الشعب، حول بعض سلبيات الدستور الحالي، وأولها مقاعد النساء المسماة بالكوتة.. وحيث رأي سيادته أن الالتزام بتمثيل نصف الوطن عددا في مجلس الشعب يمثل رفاهية لا داعي لها في مجتمع يعاني نصفه من وقوعه تحت خط الفقر، ونسي سيادة الباحث أن يربط بين «تأنيث الفقر» الذي تم إثباته مرارا في دراسات أخري، وملخصه أن النساء هن أكثر الفئات فقرا في مصر، وأكثر الفئات ضعفا واستضعافا من الآخرين، وأن ثلث البيوت في مصر تنفق عليها النساء وحدهن، وبالتالي فإنه وفقا لهذه الدراسة يري أن التعبير عن هذا كله يمثل رفاهية لا ضرورة لها، باعتبار أن المجلس الموقر يجب أن يخصص للأغنياء والاثرياء وحدهم؟! أما حكاية ضيق القاعة وعدد «الكراسي» هذه فهي في الحقيقة لا تمثل عبئا علي موازنة الدولة وانما علي عقول البعض من أهل هذه الدولة الذين لا يزالون يعتبر هذا العالم، ومصر بالتبعية عالم الرجال وحدهم، وأن أي محاولة نحو العدالة أو المساواة لا بد أن تؤثر.. وهنا هو يطالب باعدام «الكوتة» النسائية باعتبارها سلبية لا بد من تعديلها لتأسيس قواعد جديدة تكفل الإصلاح علي أساس سليم يلبي مطالب الشعب.. ونسي سيادته أن النساء كن أحد طرفي ثورة 25 يناير مع الرجال، كما كن دائما رهن اشارة هذا الوطن حين يطلب منهن العمل.. لكن المشكلة أن «الوطن» لم يكن يطلب كثيرا، بل كان شحيحا عليهن في كل القواعد والنظم والمؤسسات والتنظيمات كانت المرأة دائما هي الاستثناء من القاعدة، والقاعدة طبعا الرجال، وحين كان يتم اختيار امرأة في أصغر منصب «مأذون أو عمدة قرية» كان الأمر يتم بجهد شاق واستثنائي منها أي المرأة، وتسليم بتفوق لا التباس فيه «مثل حالة أمل أول مأذونة في مصر» لم تعط حكومات النظام السابق للنساء هدايا مجانية ولا مدفوعة بل علي العكس ساهمت في قمعهن بشدة، وكم من نساء مجتهدات تم قمعهن أو إلغاؤهن إما بسبب النظام السياسي أو الاجتماعي، وحين أصبح الأمر فضيحة تم التفكير في إنشاء المجلس القومي للمرأة عام 2000 ومع ذلك فإن اختيار المجلس سوزان مبارك رئيسة له في أول اجتماع وحتي رحيلها لا يعني أن المجلس نفسه فكرة رديئة ولا يعني أن اختصاصاته في مراقبة وتقييم سياسات المجتمع تجاه المرأة وغيرها من الاختصاصات يمكن الاستغناء عنه في المرحلة الحالية والقادمة، لأن ما قدمه المجلس من خلال مئات الندوات والابحاث والزيارات الميدانية يمثل حصادا مهما لعلاقة المرأة بالمجتمع في مصر لا بد من الحفاظ عليه وتقييمه تقييما عادلا والاضافة إليه، ولقد قدم أعضاء المجلس استقالة شبه جماعية إلي المجلس العسكري الأعلي مؤكدين فيها حرصهم علي ترك حرية الاختيار أمام القيادة الجديدة لمصر فيما يخص المجلس، وأيضا تقدم أعضاء المجلس القومي لحقوق الانسان باستقالاتهم للمجلس العسكري، وشدد المستقيلون علي أهمية الحفاظ علي المجلس مع تعديل قانون إنشائه وتوفير ضمانات لاستقلاله عن الحكومة من حيث التمويل واختيارات الأعضاء علي أساس الكفاءة والاستقلالية ثم توسيع اختصاصاته والتزام الحكومات المصرية القادمة بتوصياته بدلا من اقتصار دوره علي أن يكون استشاريا فقط! كل من مجلس المرأة ومجلس حقوق الإنسان طالب أعضائهما المتطوعون بالحفاظ عليهما ككيانات مهمة وتدعيمهما وقد استطاع كل منهما بالرغم من «اللوائح» اضافة انجازات صعبة في ظروف أصعب، منها كوتة «المرأة» ومنها رصد ملفات التعذيب وانتهاك حقوق الناس، ولذلك لا يمكننا تحت أي ذريعة العودة إلي الوراء وإلغاء مجلس المرأة أو حقوق الانسان بحجة أنهما من العهد البائد، فحقوق المرأة والانسان ليست من اختراع سوزان مبارك أبداً، وحتي لو أقيما في عهد مبارك، وأضاف له بعض البريق، فإن العبرة بالفكرة وأهميتها وقيمتها في السنوات القادمة حين تصبح لهذه المؤسسات أنياب حقيقية تراقب وترصد انتهاكات حقوق الانسان المصري في كل مجال ومكان، ومحاولات وأد النساء بأساليب عصرية، ويكفي أن نتذكر أن لجنة تعديل الدستور كانت خالية من النساء «ربما لأن فكرة وإبعادهن عن القضاء كله كانت مثارة بشدة في الماضي القريب» لكننا الآن ونحن نتهيأ للمستقبل علينا ألا ننسي ملفات الظلم، وأنها لن تحل بمجرد رحيل الرئيس السابق وكبار رجاله وانما سوف تحل بالعمل الدائم المستمر لتحقيق العدل والمساواة وفتح كل الابواب أمام الجميع، وعلينا أن نأخذ القدوة من الدول المتقدمة التي وافقت علي تعديلات تشريعية في البرلمان الأوروبي تنص علي أن عدد النساء في المؤسسات الاقتصادية الاوروبية لا بد ألا يقل عن 40% من العدد الكلي في كل مكان.. وهكذا يمكن كما قيل ونشر علي لسان الأستاذ محسن محمد في صفحته بآخر ساعة مؤخرا أن تتوافر للنساء المساهمة في صياغة كل القرارات المؤثرة في حياة البشر، من البرلمان للشارع.. للسوبر ماركت.