الترقيع لا يجدي، والحلول المؤقتة الهشة لا تضع نهاية للمشاكل التي يعانيها الواقع السياسي المصري. في لحظة تاريخية بعينها، تتوافر الظروف الموضوعية والذاتية التي تتيح فرصة العلاج الشامل واستئصال الخلل. الحياة البرلمانية تعاني أمراضاً مزمنة، ذلك أن الاختيار لا ينهض علي أسس موضوعية، والرشاوي الانتخابية المتنوعة واقع لا يمكن إنكاره، ولا يسهل التخلص منه علي المدي القريب. العاديون من الناس، وهم الأغلبية الساحقة، يبحثون عن النائب الذي يلبي احتياجاتهم المحدودة في المجتمع المحلي، أما مفهوم نائب الوطن وكل الشعب فليس راسخاً أو مستقراً. مثل هذه العيوب السلوكية لن يتم القضاء عليها في يوم وليلة، فهي رهينة بزيادة الوعي وارتفاع مستوي الثقافة، لكن المتاح هو التغيير الجوهري في قواعد وأسس الترشيح، وبخاصة في بندين ينتميان بحق إلي الكوميديا السوداء. البند الأول يتعلق بضرورة «إلمام» المرشح بالقراءة والكتابة، فكيف تصلح هذه النوعية من النواب للتواصل مع إيقاع العصر وتحدياته؟! هل يمكن لمن «يرسم» اسمه بصعوبة أن يناقش تفاصيل الميزانيات وينتقد السياسات ويقدم الاقتراحات البناءة لمصلحة الشعب والوطن؟ البند الثاني هو ذلك الذي ينص علي ضرورة أن يكون 50% علي الأقل من أعضاء المجلس ممن ينتمون إلي العمال والفلاحين. مبدأ شعبوي عشوائي فضفاض، من ناحية لأن أحداً لا يعرف علي وجه التحديد معني كلمتي «العامل» و«الفلاح»، ومن ناحية أخري لأن عدداً لا يستهان به من كبار رجال الأعمال وأصحاب الوظائف المرموقة، يدخلون المجلس علي اعتبار أنهم من العمال والفلاحين! كيف نلحق بركب الحضارة في ظل وجود هذين البندين المضحكين؟ ومتي ينتهي النفاق ذو الطلاء الشعبي المزيف؟ مصر للمصريين جميعاً، ولا معني للتمييز الذي لا ينهض علي أسس علمية واضحة. متي يدرك هؤلاء المتشدقون بالشعارات الجوفاء أن الصورة النمطية للعامل التقليدي قد تبخرت، واتسع مفهوم العامل ليشمل من يبيعون قوة عملهم غير اليدوية، ومنهم الطبيب والمهندس والمحاسب والموظف؟. الأغلب الأعم من شعارات المرحلة الناصرية تحتاج إلي مقبرة متواضعة، فالحرية التي ننشدها بلا ضفاف، أما الخزعبلات التي تقول: إنه لا حرية لأعداء الشعب، فإنها تقود بالضرورة إلي كارثة، أول خطوة فيها هي القضاء علي الديمقراطية، ومبايعة التسلط والقهر والديكتاتورية، وكم من الجرائم الشنعاء التي ترتكب باسم الحرية والشعب والعبارات الجميلة الرنانة!