في كل مكان أذهب إليه، بحكم عملي الصحفي، أو حتي في حياتي العادية، في المواصلات، والسوبر ماركت، والشارع، وغيرها، أتوقف عند عبارة تتردد علي ألسنة معظم الناس، وربما دون تمييز أو فهم: «إحنا بعد 25 يناير». بعد 25 يناير تغير العباد والبلاد، والتغيير، كما أظنه، هو إلي الأفضل في سائر مناحي الحياة، في استعادة حب الوطن الكامن فينا، وإزاحة الكثير من الغبار والتراب الذي تكلس عليه خلال سنوات مرت، ما يجعلنا نتحلي بروح المسئولية لإعادة بناء هذا الوطن الذي يحتاج منا الكثير والكثير.. لإعادة بناء بشره قبل حجره. في المعادي جنوبالقاهرة كان سائق الميكروباص يسير عكس الاتجاه في شارع ضيق، أدي إلي توقف حركة المرور تماما في الشارع، قبل 25 يناير لم يكن هناك شرطي مرور يقف علي ناصية الشارع ينظم حركة المرور فيه، لكنه لم يكن مسموحا بمرور الميكروباص فيه.. وبعد 25 يناير استحل السائقون الشوارع الممنوعة، وأخذوها عنوة، ولم تفلح كل محاولات من اصطفوا بسياراتهم في إقناع سائق الميكروباص بالالتزام والعودة أدراجه قائلا: إحنا بعد 25 يناير! في بورسعيد اقتحم الأهالي مبني المحافظة وحرقوه، وهو مشهد حدث أيضا في محافظة البحيرة، وآلاف المواطنين انطلقوا واحتلوا شققاً في عمارات سكنية بعضها تبنيه الحكومة، وبعضها ملك لمواطنين عاديين، ووضعوا عليها أبواباً، وتسلحوا بالمسدسات والسكاكين والسيوف للدفاع عنها ومنع أصحابها الأصليين من استعادتها.. لأننا بعد 25 يناير. وهذا الموظف الشاب الذي يعمل بعقد مؤقت يريد أن يتم تثبيته في عمله، وإلا فإنه يهتف بسقوط مديره أو رئيسه في العمل، ويتهمه بأوصاف يندي لها الجبين، وتصل في الكثير من الأحيان إلي السباب العلني، والشتيمة بألفاظ خادشة للحياء العام.. لأننا بعد 25 يناير. وفي آلاف من محلات البقالة والسوبر ماركت الصغير، أصبح كل صاحب محل يسعر بضاعته كما يتراءي له، حتي السلع المسعرة من الشركات، والموضوع عليها أسعار غير قابلة للزيادة يبيعها الناس كما يريدون، وإذا لم يعجبك السعر فلا تشتري لأننا بعد 25 يناير. وهؤلاء الذين اعتصموا في ميدان التحرير وقرروا المبيت أمام مبني مجلس الوزراء لإسقاط الحكومة، لم يعجبهم أن ضباط الجيش أبلغوهم بضرورة الالتزام بحظر التجوال وضرورة الانصراف من الشوارع والعودة في اليوم التالي، لأننا بعد 25 يناير، ويجوز، حسبما يري المحتجون، أن يفعلوا ما يشاءون دون التزام بالقانون، حتي ولو أدي الأمر إلي استفزاز القوات المسلحة، والتعامل مع أفرادها بصورة غير لائقة. نعم مصر بعد 25 يناير ليست هي مصر قبل 25 يناير، لكنني علي أسف شديد، الأسف للقول أن معظم سلوكيات الناس في الشوارع وأماكن العمل وغيرها أسوأ مما كانت قبل 25 يناير.. حتي إننا نحتاج لثورة جديدة علي الثورة، لكنها هذه المرة ثورة أخلاق، وثورة التزام.. وثورة في البناء وثورة في حب العمل.