هو أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهرى يلتقى مع النبى فى أحد أجداده (فهر بن مالك)، أمة من بنات عم أبيه.. أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر.. كان -رضى الله عنه- طويل القامة، نحيف الجسم، خفيف اللحية، أسلم على يد أبى بكر الصديق فى الأيام الأولى للاسلام وهاجر الى الحبشة فى الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول المشاهد كلها. فى غزوة بدر جعل أبو (أبو عبيدة) يتصدّى لأبى عبيدة، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلمّا أكثر قصدَه فقتله، فأنزل الله هذه الآية: قال تعالى: «لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ فى قلوبهم الأيمان». قدم أهل نجران على النبى وطلبوا منه ان يرسل إليهم واحدا.. فقال عليه الصلاة والسلام: (لأبعثن -يعنى عليكم- أمينا حق أمين)، فتشوق أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها، ولكن لينطبق عليهم وصف النبى «أمينا حق أمين»، وكان عمر نفسه -رضى الله عليه- من الذين حرصوا على الإمارة لهذا آنذاك، بل صار -كما قال يتراءى- أى يرى نفسه للنبى حرصا منه رضى الله عنه أن يكون أمينا حق أمين، ولكن النبى تجاوز جميع الصحابة وقال (قم يا أباعبيدة). كما كان لأبى عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- وهو يجود بأنفاسه لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لا ستخلفته فان سألنى ربى عنه، قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله. ترامى الى سمعه أحاديث الناس فى الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء فجمعهم وخطب فيهم قائلا: (يا أيها الناس، إنى مسلم من قريش، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود يفضلنى بتقوى الا وددت أنى فى اهابه!) وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه، فقالوا له: من؟ قال: أبوعبيدة بن الجراح، ولما زاره فى داره لم يجد فيها من الأثاث شيئا إلا سيفه وترسه ورحله، فسأله عمر وهو يبتسم: ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس؟ فأجاب أبوعبيدة: يا أمير المؤمنين، هذا يبلغنى المقيل. حل الطاعون «بعمواس» وسمى فيما بعد «طاعون عمواس» وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك، فخشى عليه عمر من الطاعون فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا: إذا وصلك خطابى فى المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلىّ، وإذا وصلك فى الصباح ألا تمسى إلا متوجها إلى فان لى حاجة اليك. وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكى قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون فكتب إلى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال: لقد وصلنى خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا فى جند من المسلمين يصيبنى ما أصابهم.. فحللنى من عزمتك يا أمير المؤمنين. ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى،فسأله من حوله: هل مات أبوعبيدة؟ فقال: كأن قد، أى أنه إذا لم يكن قد مات بعد فهو صائر إلى الموت لا محالة. كان أبو عبيدة -رضى الله عنه- فى ستة وثلاثين ألفاً من الجُند، فلم يبق إلاّ ستة آلاف رجل والآخرون ماتوا، ومات أبوعبيدة -رضى الله عنه- سنة 18 للهجرة فى طاعون عمواس، ودفن فى غور الأردن.