مثل كثيرين كتبت عشرات المقالات نقدا وهجوما علي النظام قبل 25 يناير باعتباره أصل وأساس وسبب كل ما يعاني منه الشعب المصري من قهر وظلم ونهب رسمي منظم ومخطط ومتصل بداية من صفيح العشوائيات وسكن المقابر حتي طابور العيش وأرجل الفراخ مثل غيري نشرت المقالات العديدة. ومثل كثيرين لم أكن أتوقع يوما أن أكتب عن المظلومين ناقدا أو رافضا أو ربما متعجبا حدث ذلك بالأمس حيث صدمت بمظاهرات عديدة في الشارع النقل العام، البنوك، دور الصحف، التربية والتعليم، الشرطة، المستشفيات إلي آخره تعجبت للعشرات أو المئات الذين يهتفون بكل عصبية في شوارع الإسكندرية مرددين نريد مضاعفة المرتبات والبدلات، ارحل يا فلان «المقصود المدير أو رئيس المصلحة»، نادرا ما تجد هيئة غير مضربة ومن يتصور أن يترك «الممرضين» المستشقي الجامعي بالإسكندرية، المرضي هاتفون في الشارع وليذهب المريض إلي مصيره ومن يصدق أن أفراد الشرطة خاصة الأمناء بعد كل ما قدموه من هدايا للشعب تتمثل في الرصاص بأنواعه مع العصي من يصدق أنهم بعض كل ماعاناه الناس منهم طوال عقود يتظاهرون اليوم بعصبية مطالبين بمضاعفة المرتب وبمساواتهم بالضباط قائلين إن مرتب الواحد منهم 600 «ستمائة» جنيه فقط لاغير متجاهلين أن خريج كلية الطب يحصل علي ثلث هذا المرتب ومتناسين الفكرة العامة القائلة جنيه الشرطة بخمسة جنيهات من بتوعنا ثم فتوات النقل العام، دخل الكمساري مثلا يتخطي ألف جنيه ويصل إلي ثلاثة آلاف شهريا حسبما شرح لي بالمستندات مدير عام الشئون القانونية بالهيئة في الشاطبي بالإسكندرية خلال تحقيق في شكوي قدمتها ضد سائق وكمساري قاما بالاعتداء علي طالب جامعي دون مبرر. ثم ملوك البنوك ومرتباتهم معلومة وبكادر مميز لا يحلم به 99% من أفراد الشعب المطحون ومع ذلك يعطلون مصالح الناس ويتظاهرون طالبين زيادة المرتب لشعورهم بالظلم والقهر المبين!! «وضع من علامات التعجب ما تريد». وفي التربية والتعليم تم منح العاملين الكادر وضوعفت المرتبات والبدلات ناهيك عن مافيا الدروس الخصوصية وغيرها وقل ما شئت عن دور الصحف وعن غيرها من مؤسسات حكومية بل وقطاع خاص مؤخراً. حسنا لنعترف أن بعض وربما معظم المطالب عادلة لكن السؤال الساذج هو إذا كنا ياحضرات قد صبرنا ثلاثين سنة ما الضرر القاتل أن ننتظر ثلاثة شهور مثلا!1 فكيف بالله عليكم تتمكن دولة في ظروفنا هذه من الوفاء بمتطلبات طارئة وعديدة كهذه؟ كيف يمكن فجأة تثبيت كذا مليون مواطن مرة واحدة؟ ما المانع أن نتحمل عدة أسابيع؟ مع اعترافنا مرة أخري بعدالة مطالب المتظاهرين! ثم: هل الحرية معناها الانفلات وضياع هيبة القانون؟ هل من المنطق أن يصرخ مواطن: لماذا يقبض المدير ألف جنيه وأنا مائة «مثلا»؟ لماذا الخبير أو المستشار له سيارة من المصلحة وأنا استقل المترو؟ ثم: لماذا النغمة الغريبة القائلة الشعب يريد تغيير المدير؟ ولماذا محاولة الاعتداء علي أي مدير أيا كانت ممارساته وكأننا في غابة؟ وكل موظف عوقب ذات يوم لإهمال أو تقصير يجد الفرصة الآن سانحة للانتقام من المدير؟ لماذا ينصب كل عامل من نفسه زعيما ملهما يرسم مستقبل ومصير المصلحة؟ وإذا كان سائق الترام يقول لي علنا أيوه حانستمر في الإضراب لغاية ما يشيلوا فلان بيه وحانضربه كمان هو مستخبي في مكتبه فوق.. هذا والمواصلات مشلولة والمستشفي كما قلنا خاليا من العاملين وهكذا وكأن البلد تحولت إلي كانتونات أو جيتوهات معزولة وكل واحد ياخد حقه «المفترض» بذراعه ولا تهم مصالح المواطنين لا يهم توفير تسهيلات بنك أو أمن مواطن أو غيرهما والمهم الإضراب والتظاهر والاعتصام بينما كنا منذ أسابيع نسبح بحمد المدير أو الرئيس وكأننا اكتشفنا فجأة الحرية والعدالة. غريب أن تحاول مجموعة أو عدة مجموعات التقليل من الفرحة المصرية وتشويه الصورة الرائعة التي ظهرت بها مصر خلال أيام الثورة؟ لماذا لا يظل الثوب ناصع البياض وننتظر حتي نزيل سريعا ركام عشرات السنين؟ لماذا ينصب كل موظف أو عامل من نفسه منظرا أو خبيرا قانونيا أو في أقل القليل زعيما خالدا يصرخ في الشارع تاركا مقر عمله مشلولا حتي اشعار آخر؟ ماذا تريدون؟ إعلان الأحكام العرفية؟ كيف تستقيم الأوضاع هكذا؟ العاملون جميعا خارج العمل يتظاهرون.. جميعا وليس ممثلين لهم هكذا ببساطة!! هذه دولة يا سادة وفي وضع تصحيح حقيقي يستغرق وقتا بالتأكيد بعض الوقت من فضلكم! فليس بالشلل تستقيم الأمور فمن ينتج كي تتضاعف دخولكم؟ مرة أخري: هل كل موظف كاره لمديره من حقه صدقا أو ظلما طرد المدير بعد الاعتداء عليه بدنيا؟ هل تحولنا إلي دولة مظاهرات؟ دون مبرر؟ وأين دور قيادات العمال والنقابات حتي لو كان البعض غير فاعل أو مؤثر؟ مرة أخري لا اعتراض لدينا علي تحقيق المطالب والحصول علي الحقوق لكن مع حساب وتقدير الظرف والوقت وليس عبر حالة من شلل تام في كل مناحي العمل والإنتاج تقريبا. أخيراً.. لماذا يصر البعض علي تحقيق تعبير: «كرسي في الكلوب» لإفساد الفرح «والعكننة» علي أصحابه ارحموا أنفسكم يا حضرات هذا بلد الجميع ولا يجب أن يكون بلد احتجاجات أو اعتصامات أو فتوات ارحموا أنفسكم وارحمونا معكم.. يرحمكم الله.. فالشباب لم يستشهدوا من أجل زيادة مرتب كمساري الترام فقط أو ممرض المستشفي ليس إلا!! يا سادة هناك فرق بين الحرية والفوضي.