كيف نحمي ظهر قواتنا من «ثغرة مصرية»؟ يصارع «المجلس الأعلي للقوات المسلحة» بين ثلاثة إيقاعات.. عليه أن يمضي بينها باتزان شديد لكي يصل بالبلد إلي مرحلة الاستقرار. إيقاع الشارع الذي ما إن هدأ في ميدان التحرير حتي التهب فئوياً في مختلف القطاعات والمحافظات.. مهدداً البلد بشلل كامل وخسائر اقتصادية مهولة.. تتضاعف يوماً تلو آخر. إيقاع الرغبة في أن ينهي «المجلس» مهمته خارج الثكنات بأسرع وقت ممكن ومتاح.. بدون حدوث إخلال قانوني.. أو مشكلة في بناء الشرعية.. وبما يحقق مطالب الجمهور السياسية.. وبحيث يتفرغ لمهمته الأساسية في حماية الحدود وحفظ الأمن القومي. إيقاع الترقب الإقليمي والدولي لمجريات التفاعلات في مصر.. ومؤداها.. وما سوف تسفر عنه.. وتقود إليه. من الواضح هنا أن «المجلس الأعلي للقوات المسلحة» يدير الأمر بدقة مهيبة.. تحسب له تاريخياً.. وهي إدارة تتحسب ما يلي من اعتبارات: • أولاً: أن يؤكد المجلس والمؤسسة التي يمثلها أنه لم يطلب سلطة ولم يسع إليها.. وإلا كان أنهي الأمر مبكراً وانقلب علي قائده.. قبل أن يتخلي الرئيس مبارك عن صلاحياته ومهمته.. وقد كان هذا الإغواء مطروحاً علي الجيش ورفضه لأنه يناقض قيمه وشرعيته واحترامه لأبطاله وشرعية الرؤساء. لم يحدث من قبل أن وقع انقلاب عسكري في مصر منذ1952 .. في بيئة إقليمية وقارية عرفت كثيراً من الانقلابات العسكرية.. كانت تتم أحياناً أسبوعياً في بعض الدول مثل سوريا والعراق. • ثانياً: أنه (الجيش) يدرك أهمية التحول التاريخي الذي يقوده.. وهو له أبعاد متعددة.. منها ما له علاقة بوضع الدولة التي ينتمي لها الجيش.. ووضع الجيش نفسه إقليمياً ودولياً من الزاوية السياسية التي تضفي وزناً جديداً علي الجوانب العسكرية التي يتميز بها. بمعني صريح لدينا أربع صيغ معلنة لأوضاع الجيوش وتأثيراتها الإقليمية والداخلية في المنطقة. النموذج التركي الصائن لدولة علمانية. والنموذج الباكستاني الضامن لكيان يديره هو من خلف ستار مكشوف.. وليس بعيداً عنه النموذج الجزائري. والنموذج الإيراني المعضد لدولة الثورة الدينية وولاية الفقيه. والنموذج الإسرائيلي الذي تقوم عليه دولة الاحتلال والتوسع. نحن هنا في مصر بصدد صياغة غير مسبوقة لمواصفات النموذج المصري للقوات المسلحة.. في لحظة تجدد حقيقية تضيف إلي التراث الممتد للقوات المسلحة في تاريخ مصر. • ثالثاً: أن الجيش يدرك أن عليه أن يخضع المعادلات التي سينبني عليها «اعقد الاجتماعي الجديد» إلي أقصي درجات العدالة والاتزان.. إذ لا ينبغي أن تكون هناك معادلات مختلة فيما بعد تؤدي إلي تفجر الأوضاع من جديد. الصحيح بالطبع أنه لا توجد أبداً معادلات مثالية.. ولكن المهم الوصول إلي الحد الأقصي المتاح من تلبية الاستحقاقات الأصيلة لفئات المجتمع.. وهي متنوعة ومعقدة.. ولابد أن تكون موثوقة.. بحيث تظل صامدة لعقود وتمر عليها المتغيرات.. فإن أوجب تعديل بعضها فيما بعد تم ذلك بدون الاحتياج الشعبي إلي خروج يماثل ما جري في 25 يناير. • رابعاً: أن المؤسسة العسكرية في أي مكان ينظر إليها علي أنها نقيض الديمقراطية والمدنية.. ومن ثم فإن المهمة التي كلفت بها القوات المسلحة المصرية تدفعها في هذه اللحظة ومعها شرعية نداء الشارع عليها نحو وضع غير معروف مسبقاً عن الجيوش.. في اتجاه تقديم نموذج الدولة المدنية الديمقراطية.. وحين يتم ذلك فسوف يكون هذا نصراً مهولاً وعبوراً عظيماً في تاريخ الجيش. لابد هنا من العودة إلي نص الإعلان الدستوري الصادر يوم الأحد، وفيه يؤكد الجيش - أكثر من مرة - علي المواطنة والديمقراطية والمجتمع الحر.. وهو ما ذكره أكثر من مرة في أكثر من بيان. الجيش الآن يبني الجسور.. ويمد الكباري.. لتحقيق عبور يماثل ما جري في 1973 . لقد عبرنا في أكتوبر المجيد هزيمة لم يكن من الواجب أن تلحق بنا في يونيو 1967 .. وخلقت ملحمة العبور في ذهنية مصر وقناعة جيشها أن التحدي الذي عليها أن تخوضه يتجسد دائماً في العبور.. تخطي الموانع.. والجيش عليه الآن أن يتخطي مانع الفوضي.. وسواتر الاختلال وهي لا تقل خطورة عن الاحتلال.. كما ان عليه أن يهدم خط الارتباك الذي لم يبنه حاييم بارليف ولكن بنته تفاعلات غير سليمة في المجتمع. في عام 1972 تظاهر ربع مليون شاب مصري في ميدان التحرير ليطالبوا بتحرير الأرض.. لكن الجيش وقادته والرئيس تريثوا إلي أن حققوا المطلب الشعبي والمطلب الوطني ومطلب الجيش نفسه في أكتوبر1973 .. فيما بعد مظاهرات التحرير في 2011 .. فإن الجيش يقود خطة العبور السياسي بدون أن يتسرع في اتخاذ إجراءات غير حكيمة.. وبدون أن يسعي إلي ترضيات شعبوية غير موثوقة. هناك فرق بين تلبية مطالب الشعب وبين ترضية مشاعر الشعب.. الأولي موضوعية والثانية عاطفية.. الأولي تحقق الفرص الأكيدة لعقد اجتماعي جديد.. والثانية تؤدي إلي شهرة تليفزيونية أو انتخابية.. ولا أعتقد أن الجيش يريد أن يخوض هذه أو تلك. لا شك أن هناك استعانة واضحة، وإن لم تكن معلنة، بعدد من خبراء القانون، في تأصيل وتدقيق ما يصدر عن القوات المسلحة.. إن كان بياناً أو إعلاناً أو قراراً.. وهذا في حد ذاته يعني أن الجيش لا يريد أن يتخذ قرارات انفعالية. كما أن الملاحظ أن الإعلان الدستوري والبيانات المتوالية السابقة عليه لا تحاول الاشتباك مع التفاصيل اليومية للمجريات في صياغاتها الرسمية.. أولاً لكي تبقي لهذه المواقف المكتوبة مصداقيتها ورقيها وقيمتها.. وثانياً حتي لا يجد الجيش نفسه غارقاً في تفاصيل ليست له. ومن ثم يفهم من طبيعة المجريات أن مجلس الوزراء، وشرعيته نابعة من تكليف المجلس الأعلي، هو المعني بتلك الشئون وهذه طبيعة الأمور. العبور الذي يحشد الجيش إليه الاستعدادات المختلفة، قانونياً، وشعبياً، سيكون تاريخياً، ولابد أن علينا أن نعين جيشنا بتهيئة الأجواء من أجل إتمام مهمته الصعبة.. التي هو قادر عليها.. بحيث لا يكون فوران المجتمع نوعاً من (النيران الصديقة).. أو (الثغرات) التي تعرقل تحقيق النصر.. أو حتي ان نجد (طابور خامس) بين المصريين. www.abkamal.net [email protected]