جمع بين التزام الضابط المنتمى للسلطة ورهافة احساس الاديب المهموم بقضايا الثقافة المصرية فكان مثارا للحديث عن تلك الشخصية التى جمعت بين نقيضين التى ناضلت من اجل ارساء دعائم للثقافة المصرية، واصطلح قراؤه ومحبوه على تسميته ب«فارس الرومانسية» فكان يوسف السباعى رائدا من رواد الرومانسية منذ بداية الخمسينيات وحتى وفاته و كانت أعماله الأعلى توزيعاً، فضلاً عن تحويلها إلى أفلام يصفها نقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها، وقد تراجع الاهتمام بروايات السباعى الذى ظل فى بؤرة الاهتمام الإعلامى والسينمائى وإن أخذ كثيراً من النقاد تجنب الإشارة إلى أعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية فى الأدب وإنها تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن، إلا أن العديد من الكتاب المصريين والعرب وصفوا أعمال السباعى بأنها «واقعية ورمزية». وسنحاول ان نتبين فى ذكرى رحيله ال34 تقديم عدة آراء لقرائه ولعدد من المثقفين حول كتاباته وحياته. قال الشاعر والناقد شعبان يوسف: فى رأيى ان الكاتب العملاق يوسف السباعى قد قام بدور مهم فى ارساء دعائم الثقافة المصرية ويكفيه فخرا انه أنشأ نادى القصة عام 1952 وكذلك المجلس الاعلى للفنون والآداب والذى تحول بعد ذلك الى المجلس الاعلى للثقافة الحالى وأسس سلسلة الكتاب الذهبى رغم كل ما تعرض له من اتهامات وتطاولات فذلك لم يمنعه من استكمال مسيرته كما رآها . ومشكلته من وجهة نظرى انه كان ضابطا منتميا للشرطة فى الوقت الذى كان فيه روائياً ايضا يهتم بالادب وقضاياه وكان ينتمى للاثنين بكل كيانه فلا يجد هناك خلافاً بينهما فلا يحبذ ان يتجاوز الكتاب ممن يكتبون فى سلسلته حدودهم مع السلطة التى ينتمى اليها وكذلك الا يخلوا بالادب وفنونه الذى يعشقه ايضا . وفى السبعينيات كان له دور هام عندما ترأس منظمة التضامن الافرو آسيوى الذى اهتم بالكتاب على اختلافهم وخصص لهم مبالغ للدعم والمنح . اجمالا كان يوسف السباعى رجلا على قدر المسئولية المنوط بها ولم يكسب احد شيئاً من حادثة اغتياله حتى هؤلاء الارهابيين الذين خططوا ونفذوا واقعة اغتياله. وتناولت الكاتبة حنان مفيد فوزى الراحل يوسف السباعى من خلال كتابها «سبعة وجوه» وقصدت به وجه الاديب الروائي، وجه الكاتب الصحفي، الوزير الفنان، المفكر السياسي، ووجه الشهيد، الانسان البسيط، ووجه الفارس النبيل، كتبت حنان بعد مرور 30 عاماً على رحيل السباعي، وقالت حنان حاولت تقديم صورة شاملة عن فكره وثقافته وانسانيته ، فمن الادب الى الصحافة الى السياسة الى الحب الى الاغتيال،ثم حاولت الولوج الى شخصية وحياة الاديب الراحل من خلال التطرق الى رواياته بالاضافة الى العديد من الحوارات مع شخصيات عايشته عن قرب وكانت اقوالهم بمثابة شهادة للتاريخ على انجازات ومواقف وافكار السباعي وأكد الكاتب محمد أبوعوف أن يوسف السباعى هو الروائى الذى صنعت من أجله مصر حربا فى قبرص بعد اغتياله عندما أرسل الرئيس السادات وحدة عسكرية دون علم السلطات القبرصية للقبض على القاتلين، هو الوزير والأديب والعميد، ينتمى للمدرسة الرومانسية الباحثة عن الأحلام والمثالية، فهو حتى وإن وصل لمنصب وزير الثقافة إلا أن محمد مندور قال عنه (لا يقبع فى برج عاجى بل ينزل إلى السوق ويضرب فى الازقة والدروب)، ظلمه كثيرا وجود نجيب محفوظ بعبقريته فالتفت النقاد إليه ونسوا يوسف السباعي، وإن كانت أفلامه مازالت تذكرنا به مثل رد قلبى ونحن لا نزرع الشوك وأرض النفاق، وهذا هو الدور المهم بين السينما والأدب فى تخليد الأعمال الأدبية، فمهما بعد الزمن تظل روايات يوسف السباعى تباع وتطبع ومازالت أفلامه تحظى بمشاهدة. وقدم الكاتب والباحث نبيل راغب دراسة بحثية تتناول فن الرواية عند يوسف السباعى، قد تمكن الباحث أن يكون لنفسه تصوراً خاصاً فى الرواية عند السباعى وأن يصوغ من هذا التصوير هيكل هذه الدراسة بشكل هندسى دقيق وهذا الهيكل مقسم إلى عشرة فصول هى: البناء الدرامى- التحليل النفسى- الحتمية القدرية- الرومانسية المثالية- الواقعية النقدية- الإلتزام الفكرى- التسجيل التاريخى- الخلفية الوصفية- العنصر الكوميدى- المنهج العلمى حيث يوضح راغب ان اعمال السباعى غنية بالتفاصيل التى لم يطرقها الباحثون حتى الآن ربما لانشغالهم اكثر بقضايا الادب الحديثة ولكن فى وجهة نظره يرى ان فى البحث عن قضايا الادب والمجتمع من خلال كتابات كبار الادباء امثال السباعى وغيره سنصل لحلول عملية لمشكلاتنا المجتمعية والثقافية خاصة وان السباعى كان همه الاول الثقافة المصرية. ويرى الدكتور رضا السيد كلية الاداب جامعة المنصورة فى رسالة الماجستير التى أعدها تناول فيها المكان وتأثيره فى كتابات يوسف السباعى أن «السباعي» واحدا من الروائيين الذين اهتموا ب«المكان» اهتماما واضحا فى رواياتهم؛ ابتداء من أولى رواياته «نائب عزرائيل» (1947) وانتهاء بآخرها «العمر لحظة» (1973)؛ حيث لا نكاد نجد رواية واحدة من رواياته إلا َّ وعالج فيها أحد أنواع المكان بصورة أو بأخرى؛ والمطلع على روايات «السباعي» يعلم أن لديه إحساسا مميزا ب«المكان» منذ فترة متقدمة من عمره الروائى؛ ففى روايته «السق َّا مات» برزت قدرته على إعادة انتاج معايشته الواقعية ل(المكان/ الحارة) من خلال وصفها؛ بناسها وبيوتها ومبانيها العتيقة ومرافقها ذات الطراز المعماري المميز؛ كسبيل المياه والحمام العام والمدرسة والكت َّاب والقهوة... إلخ؛ ف«بيئة الحي الذي نشأ فيه قد استمد منها وجوها كثير من رواياته وقصصه؛ فلئن ولد «يوسف السباعي» عام 1917 بحارة «الروم» بالقاهرة؛ إلا أن أسرته ما لبثت أن انتقلت إلى حى «السيدة زينب»؛ مما أتاح له أن يتجول فى طفولته بين تلك الأحياء الشعبية التي شم رائحتها وتلمس مذاقها فى كثير مما كتبه» و«السباعي» يصرح بتأثير تلك الأماكن القديمة التى عاش بها وتنقل بين ربوعها على انتاجه الروائى فى أكثر من موضع من مقدمات أعماله الأدبية بصفة عامة؛ الروائية وغيرها، وفى أحد تلك المواضع يقول بلهجة صريحة لا تحتمل التأويل: «إنى لا أكاد أجلس للكتابة لإبرازها إلى حيز الوجود باحثا لها عن مكان وزمان اجعلها فيه وأجرى حوادثها به حتى أجد «جنينة ناميش» قد أطلت من رأسي، وإذا بالسبل قد ضاقت بى إلا عن «السد البرانى» و«المنيرة» و«السيدة» و«زين العابدين»، وإذ بى أضع القصة برغمى فى هذه الأمكنة الرابضة من قديم العهد فى الذاكرة وقد جسد «السباعى» ذلك الإحساس المرهف ب«المكان» وجمالياته من خلال الشخصية المحورية فى روايته «طريق العودة»؛ وهي شخصية الضابط «إبراهيم» الذي يعمل بسلاح المهندسين والحاصل على الهندسة المعمارية؛ الذي كان «بغريزته المعمارية شديد الإحساس.
وترى الروائية إيمان عزمى أن الأديب الراحل يوسف السباعى تميز بقدرته على الإمساك بكل خيوط القصة القصيرة والرواية وكأنه يعزف عليهما فى آن واحد بإتقان، فتميز بحسه الساخر اللاذع للمواقف القابعة فى قاع المأساة وتجلى الأمر بصورة واضحة فى أرض النفاق الذى تحول إلى فيلم بطولة فؤاد المهندس، وساعدته خبرته ما بين السياسة و الجيش و الصحافة فى التوغل فيما خلف الكواليس دائما مما اكسب اعماله بعدا خاصا يتميز بالرؤية السياسية للأحداث وبعدها الاجتماعى فلا تستطيع أن تنسى أبطال رائعة رد قلبي.. لكنه فى قلب السياسة يأخذك للرومانسية الحالمة لكنك فى النهاية تكتشف أن حامل لقب فارس الرومانسية يخاطب عقلك قبل قلبك فى اعماله.. لذا مازالت مجموعاته القصصية حتى يومنا تحظى بجمهورها، فى الوقت الذى مازالت رواياته مخلده بأفلام لا تنسى كرائعته نحن لا نزرع الشوك.