بقلم: إبراهيم عثمان عبدالرحيم عالم جليل من علماء الأمة الإسلامية من الذين ساهموا فى تقدم مسيرة الأمة وعدم انحرافها عن الميل والضلال.. كانت كتبه تمثل الزاد المتجدد لحماية عقول الشباب من الزيف حيث قدم خدمات جليلة خدم فيها الفكر الإسلامى المعاصر والثقافة العربية والإسلامية حيث كان مدرسة فى التأليف الموسوعي.
إن احتفاء الأمة بعظمائها لهو واجب دينى وقومى وهو دليل على عظمة الأمة ورقيها وعلى عرفانها لأبنائها بالفضل، إن الاحتفال بالرواد علامة حسنة من علامات تقدم ورقى الشعوب لأنها تدل على أن الأمة تسير فى طريقها الصحيح وتقيس خطواتها من ماضيها وحاضرها يحتفى بالأستاذ أنور الجندى الكاتب الإسلامى ( 1917 – 28/1/2002) الذى أعطى وضحى فى سبيل أمته وترك لأبنائها تراثا خالدا من الثقافة فى مجالات المعرفة الإنسانية المختلفة حتى وصف بأنه أديب موسوعى. أنور الجندى نموذج يقتدى به للمفكر الإسلامى الملتزم بعقيدته وبقضايا أمته، إذا أدركنا ما للكلمة من قدرة رائعة فى المحافظة على حرارة الإيمان مشتعلة فى النفوس وما لها من اثر عال فى إنارة القلوب وتغذية العقول ولو عرفنا أن الإسلام والمسلمين فى معركة دائمة وعلى كل مسلم نصيبه من الجهاد بالكلمة أدركنا قيمة الأدب فى حياة المسلمين وأهميته فى بناء المجتمع المسلم وعلى هذا فالأدب هو عنصر من عناصر المجتمع والأدباء هم من حملة السلاح فى المعركة (سلاح الكلمة المكتوبة) .
فلقد احتذى الأديب أنور الجندى طريق المسلمين الأوائل فى الذود عن الإسلام والمسلمين بسلاح الكلمة حيث جند كلمته المكتوبة للتوجيه والتوعية والتربية مصداقا لقوله تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) [إبراهيم:24 و 25].
أسلوب الكاتب والمفكر أنور الجندى فى كتاباته تلج به فى رحاب الأدب الإسلامى الذى يتصف بنظافة وبراءة الأدب من فاحش الكلام ويبتعد عن الأدب الذى يصف العورات ويثير الشهوات ويستبيح الحرمات.
إن من مهمات الأديب الإسلامى إنشاء أدب إسلامى يمتع النفوس ويغنى العقول ويرسخ الإيمان ويحض على الخير وينهى عن الشر.
فالأدب الإسلامى أدب أخلاقى من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ففى معانيه تغرس الأخلاق ومن آثاره تجنى ذلك – إن الأدب الإسلامى يروى الأخلاق بتعاليم الدين القويم ويغذيها بتوجيهاته العميقة ، فالأدب الإسلامى أدب هادف وفى قمة أهدافه الإرشاد والتوجيه. الأديب الإسلامى يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ويؤمن بالحساب والعقاب ويعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا. كل هذا ينطبق على أدب الأستاذ أنور الجندى فى كتاباته ومؤلفاته العظيمة ، كان يميل فى كتاباته إلى التسهيل والتبسيط وتقريب الثقافة العامة لجمهور المتعلمين دون تعقيد وكان أسلوبه سهلا واضحا مشرقا. وكان أهم معالم التنوير فى كتابات أنور الجندى مقاومة التغريب والغزو الفكرى الذى يسلخ الأمة من جلدها ويحاول تغيير وجهتها وتبديل هويتها وكان واقفا بالمرصاد لكل دعاة التغريب. لم يبهره بريق الشهرة وإنما اكبر همه أن يعمل فى هدوء وان ينتج فى صمت.
أنور الجندى كاتب إسلامى فريد فى أسلوبه وكتاباته وتنوعها وقد تصدى ببراعة للفكر الغربى الذى يحاول طمس الهوية الإسلامية العربية، ووهب حياته للعلم والتصدى للمغرضين الحاقدين على الإسلام.
يبحث فى كتاباته عن الحق والوصول إلى فكر إسلامى يدحض آراء المستشرقين ويبددها. لقد وهب الأستاذ أنور الجندى حياته كلها لخدمة الفكر والأدب الإسلامى وقد عكف على ذلك منذ ريعان شبابه.
حياته :
ولد فى مدينة ديروط بمحافظة أسيوط - أحد أقاليم مصر الجنوبية - عام 1917 وتخرج فى المدرسة التجارية العليا سنة 1932 وكانت أول كتاباته فى عام 1932 فى مجلة أبوللو وهو مقال فى ذكرى الشاعر حافظ إبراهيم، وعمر أنور الجندى آنذاك السابعة عشر وكان أول كتاب صدر له هو «مصابيح على الطريق» يتكلم فيه عن حياة الريف وأصدر عدة كتب أدبية وتاريخية، حتى صدر له كتاب «اخرجوا من بلادنا» الذى يندد فيه الإنجليز واعتقل بسببه لمدة 14 شهرا فى عهد الملك فاروق ثم أفرج عنه.
هناك محطات فى حياة كاتبنا الكبير أنور الجندى : ففى عام 1940 قرأ ملخصا لكتاب «وجهة الإسلام» الذى كتبه مجموعة من المستشرقين فكان هذا سببا فى اتجاهه الفكرى المقاوم للغزو الغربى والمصحح للمفاهيم المغلوطة من جهة المستشرقين وخصص معظم مؤلفاته للدفاع عن الإسلام.
ولقد اتسم أسلوبه فى الفترة من 1940 حتى 1950 بنقد المجتمع وقد التقى بالأستاذ الإمام الشيخ حسن البنا الذى كان له دور كبير فى تشجيعه على الكتابة أثناء مرافقته له فى رحلة الحج سنة 1946 ، وتدرج فى معالجة الواقع فى كتاباته من عام 1950 حتى عام 1964 وفى عام 1964 بدأ فى كتاباته بتصحيح المفاهيم حيث تصدى للدفاع عن ثقافة الأمة وحضارتها وأدبها وتاريخها ومواجهة الاستشراق والتغريب فى تلك الفترة .
وقد عرف عنه دماثة الخلق والتواضع وزهده فى المال والشهرة وكان له دور فى تصحيح المفاهيم وكشف زيف الفكر الغربى وإرساء مفاهيم الأصالة الإسلامية والعودة إلى المنابع الأصيلة للإسلام.
أرسى الفكر الإسلامى فى مجال الأدب حيث جعل من القيم الأخلاقية أسبقية على القيم الفنية وارتفع فوق ظاهرة القوميات والنظرية العرقية والاستعلاء بالعنصر وحاول الربط بين المشرق والمغرب الإسلاميين فى كتاباته، وكانت أول اهتماماته إعلاء الوطن العربى الإسلامى فى مؤلفاته، وقد تصدى بكل قوة للتيارات الوافدة من كتابات العلمانيين والماركسيين وتناول فى دراساته الاستشراق والتبشير واهتم بدراسة التاريخ الإسلامى.
عمل المفكر أنور الجندى فى ميدان الفكر الإسلامى والدعوة الإسلامية والصحافة الإسلامية منذ عام 1943 وكتب فى مختلف الصحف العربية الإسلامية على سبيل المثال تراجم لقادة التحرير، أمثال عمر المختار (ليبيا)، عبد الكريم الخطابى (المغرب)، وحضر عشرات المؤتمرات ودعى إلى المحاضرة فى جامعات الرياض والجزائر وأبو ظبى وعمان والأردن والخرطوم والرباط وجاكرتا وغيرها. لم يشغله عن الدعوة الإسلامية شاغل وعايش مختلف التحولات والعقبات والمؤامرات التى حيكت للأمة الإسلامية من المحاولات الليبرالية والقومية والماركسية كما تصدى لمخططات الصهيونية العالمية والفكر اليهودى لطمس اللغة العربية والتاريخ والتراث وعايش حركة اليقظة الإسلامية فى مرحلة نموها حتى وصلت الى مرحلة الصحوة الإسلامية منذ نكسة 1967. تنوعت كتاباته فى جميع مجالات المعرفة بداية فى مجال الأدب واللغة والتراجم مرورا بالحضارة العربية الإسلامية ، وقد كان عضوا عاملا فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ومن أوائل الأعضاء فى نقابة الصحفيين وحصل على جائزة الدولة التقديرية سنة 1960.
قال عنه د. يوسف القرضاوى: مسكين أنور الجندى لقد ظلمته أمته ميتا كما ظلمته حيا فلم يكن الرجل ممن يسعون للظهور وتسليط الأضواء عليه كما يفعل الكثيرون من عشاق الأضواء الباهرة بل عاش الرجل عمره راهبا فى صومعة العلم الثقافية يقرأ ويكتب ولا يبتغى من احد جزاء ولا شكورا.
لقد أخبرتنى ابنته الأستاذة فائزة أنور الجندى انه كان يحب أن يكون متوضئا دائما فيأكل وهو متوضئ ويكتب وهو متوضئ وكان ينام بعد العشاء ثم يستيقظ قبل الفجر ليصلى التهجد ويصلى الفجر ثم ينام ساعتين بعد الفجر ويقوم ليقضى بعض حاجيات البيت بنفسه. ومن الأعلام الذين تأثر بهم شيخ العروبة احمد زكى باشا ، وأحمد تيمور ، شكيب أرسلان ، ومصطفى صادق الرافعى وحسن البنا وعبد العزيز الثعالبى وأمين الرافعى ومحمد فريد وجدى وغيرهم».
قالوا عنه:
الدكتور:مصطفى الشكعة: «أنور الجندى علم ساطع مرموق فى سماء الفكر العربى الإسلامى».
د. شوقى ضيف: «إن أنور الجندى لا يقل فى كتاباته وما توصل إليه من نتائج باهرة عن العلماء الأفذاذ فى تاريخنا مثل الجاحظ والأصمعى وابن تيمية وابن القيم فى موسوعية المعرفة والجهاد الطويل بالنفس والروح والوقت لنصرة الإسلام وقضاياه المصيرية».
عبد الحليم عويس: «إن أنور الجندى كان قلعة حصينة فى حقبة مظلمة من تاريخنا وكان يقف بالمرصاد لمحاولات التغريب ودعاة العلمانية أمثال طه حسين ولويس عوض وقد سعى بالتعاون مع كوكبة من كبار المصلحين إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل فكان رائدا كبيرا فى قافلة روادها حسن البنا ومحمود أبو زهرة وفريد وجدى ومحمد الغزالى وسيد سابق وغيرهم».
شهادات معاصريه :
جمال عبد الهادى: كان أنور الجندى زاهدا فى معيشته ودنياه.
أحمد العسال: أعطى أنور الجندى أفضل ما عنده للحركة الإسلامية.
عبد الصبور شاهين : دافع عن قضايا أمته فكان أفضل المحامين
ومن شهادات معاصريه أيضا : نعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) الكاتب والمفكر الإسلامى الجليل أنور الجندى الذى عاش حياة حافلة بالعمل الفكرى والثقافى فى سبيل نشر الفكر الإسلامى والتعريف بأعلام الثقافة العربية والإسلامية وتصحيح المفاهيم والرد على الشبهات التى تمس حقائق الإسلام ومبادئ الشريعة ومفاهيم الفكر ومضامينه الثقافية برسالته الحضارية
قال د. عبد المنعم يونس رئيس مكتب رابطة الأدب الإسلامى العالمية بالقاهرة والأستاذ باللغة العربية جامعة القاهرة أكد أن الرجال الذين يرحلون عن الحياة ويتركون بصماتهم قليلون ومنهم الراحل أنور الجندى
وطالب بأن تقوم الجامعات الإسلامية وكل وسائل المعرفة بتبنى تلك الكتب وهذا المشروع الفكرى وتقديمه كمادة علم وليس مجرد كتب تقرأ