«لا» سلسلة كتب تهدف إلي إلقاء الضوء علي جانب من قضايانا الملحة بحياتنا اليومية وهي صرخة في وجه المجتمع الذي يهدده التفكير المتعصب والكراهية والتحيز والتميز الذي سيطر ومازال يسيطر علي عقول الكثيرين. ويشترك في كتابة هذه السلسلة في توحد رائع القس فيلوباتير جميل والدكتور جمال محمد أبو زيد والأستاذ عابد اسكندر باسيليوس. ومؤخراً صدر عن هذه السلسلة ثلاثة كتيبات تحت عنوان «لا للعنف لا للتعصب لا للإرهاب». لا للتعصب التعصب ظاهرة مرضية قديمة حديثة يرتبط بها العديد من المفاهيم اللاإنسانية كالتمييز العنصري. والتزمت الديني. والتحيز الطائفي والجنسي. ويعرف التعصب بأنه شعور داخلي يجعل الإنسان يري نفسه علي حق علي طول الخط في حين يري الآخر علي باطل ويتمثل في صورة ممارسات ومواقف متزمتة تنطوي علي نبذ الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته. ورصد الكتيب مشكلة التعصب الديني باعتباره أخطر أنواع التعصب وأشدها ضرراً علي الإنسان والمجتمع وذلك لسببين. أولاً لأن الدين له عمق في نفس الإنسان، وتأثير كبير علي شخصية المتدين. فإذا ارتبط التعصب بالتدين أصبح التعصب نفسه عميقاً شديداً، يدفع صاحبه إلي أسوأ الأفعال والأعمال. ثانياً: لأن التعصب الديني ينطوي علي جريمة مزدوجة فصاحبه يرتكب الأفعال السيئة ويزيدها سوء بادعائه أن الله يريدها منه، أو أنه يتقرب بها إليه. وينطبق علي ذلك قول القرآن الكريم: «وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أم تقولون علي الله ما لا تعلمون» سورة الشعراء «74» ويمثل افتراء علي الله أيما افتراء» ومن أظلم ممن افتري علي الله كذبا» سورة الأنعام «21». وأكد الكتيب أن التعصب الديني لا يعني الالتزام بأمور الدين. فمظاهر التعصب ثلاثة هي. المظهر الأول: الشعور بالتميز والتفوق علي الآخرين بادعاء امتلاك الحق والحقيقة. فالمتعصب دينياً يشعر بأنه هو الذي يمتلك الحق والحقيقة أما غيره فعلي باطل ومبعث هذا وهم أو غرور هذا الشعور. المظهر الثاني: النظر إلي الآخرين المخالفين بحقد وكراهية وازدراء. ومهما أخفي هذه المشاعر السلبية تحت غطاء ناعم من الدبلوماسية، بسبب أو لآخر، فعند الجد ينكشف المستور في انفعال غاضب عارم لا يتورع عن الوقوع في المحظورات. وهذا التقليد والتعصب للمذهب داء لا يعادله داء، إذا أصاب أمة أهلكها وهو بها مهاوي الضعف والانحطاط. أما المظهر الثالث: فهو الإساءة إلي الآخرين والاعتداء علي حقوقهم الإنسانية. لأنهم علي دين غير دينه أو لأنهم علي مذهب غير مذهبه فهذا الاختلاف مبرر كاف لديه للإساءة وللاعتداء علي حقوقهم. هذا مع العلم أن التعصب المذهبي ممقوت من الناحية الإسلامية، فالإسلام دين إنساني يربي أبناءه علي حب الإنسان وعلي احترامه بغض النظر عن دينه ومذهبه. فعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين يقول في عهده لمالك الأشتر حينما ولاه مصر: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». بصرف النظر عن الإختلافات الدينية والمذهبية. تعلم المسيحية أن الله «صنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون علي كل وجه الأرض وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم لكي يطلبوا الله لعلهم يلتمسونه فيجدوه مع أنه عن كل منا ليس بعيداً» «دون تفرقة ما علي أساس العرق أو اللون أو الدين». بل إنه «عمل الإنسان» علي صورته كشبهه، كل إنسان، تعبيراً عن حقه في الكرامة كمخلوق إلهي. وعلي هذا فالله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده». فالتميز مقياسه صنع الخير وحب الحق في المقام الأول. وأكثر من ذلك فإنه مكتوب».. هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». فاتحاً الباب علي مصراعيه لكل من يهتم بأبديته في إطار حبه الذي يحتضن الجميع بلا استثناء. وانطلاقاً من هذه الأساسيات العلوية، تعلم المسيحية أن يحب الإنسان قريبه كنفسه، والقريب هو كل من يأتي في طريقه. وأن يعمل علي أن يكون في سلام دائم معه، فهو، من جهة مطلوب منه ألا يقاوم «الشر بالشر» وأن يتجنب من جهة أخري مجرد الغضب «فكل من يغضب علي أخيه باطلاً مستوجب الحكم»، وأن يسارع دائماً للصلح معه إذا ما طرأ سوء تفاهم (الإنجيل بحسب ما دونه القديس متي 5 :23 و24). بل أكثر من ذلك أن يكون دائماً البادئ بالحب والسلام وعمل الخير» لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم.. وإن سلمتم علي اخوتكم فقط فأي فضل لكم.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل». وقد علم السيد المسيح تلاميذه تجنب التعصب. فعندما جاءه تلميذه يوحنا محتجاً علي واحد رآه يخرج الشياطين باسمه «وهو ليس يتبعنا». قال له «لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعاً أن يقول شراً. وبولس، من جانبه حذر المؤمنين ضد التحيز «فمن هو بولس ومن هو أبلوس. بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطي الرب لكل واحد». فدائرة العلاقات الإنسانية ينبغي أن تتسع للجميع دون تحيز أو تعصب، ومعها دائرة المسالمة والتساند و«إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس» فالنصيحة الذهبية هي « لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير». ثم إن السيد المسيح يعتبر معاملتنا للآخرين، مهما كانت صورة هذه المعاملة، ومهما كان شخص الآخر، هي معاملة موجهة إليه شخصياً، فمن أطعم جائعاً أو سقي عطشاناً أو كسا عرياناً أو أحسن إلي من هو بحاجة إلي إحسان، فكمن صنعه بالسيد نفسه. فدائرة الإحسان واسعة جداً باتساع البشرية جمعاء. ويقدم الكتيب روشتة للتخلص من التعصب تتضمن أولاً الفهم السليم للتعاليم الدينية، وعدم ربط الأفعال العدوانية للمتعصبين بالدين. ثانيا: التعايش السلمي وتقبل الحوار بين الثقافات والأديان. ثالثاً التمسك بحقوق العدالة التي تضمنتها المعاهدات والمواثيق الشرعية جميعها. رابعاً: الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد من الآخرين. خامساً: مقاومة الفتن والإعلام المضلل. أما الكتيب الثاني فجاء تحت عنوان «لا للعنف» وحول الموقف المسيحي من العنف. أكد المؤلفون أن المسيحية لا تعني السلام من موقف الضعف بل تعني السلام من منطلق القوة، فالإنسان المسيحي المثالي هو إنسان قوي قادر علي اتخاذ قرار وموقف واضح ومحدد. وحول شرح اية «لا تقاوموا الشر» جاء بالكتيب أنه من المهم أن نترجم ما نؤمن به إلي تصرفات يومية عادية بمعني أن يتم فهم تحويل الخد الآخر وترك الرداء والسير ميلاً ثانياً هي أمثلة للوصول إلي الهدف الاسمي من تنفيذ الوصية وهو عدم مقاومة الشر والوصول إلي إصلاح المعتدي. كذلك لابد من تطهير النفس من فكر الانتقام كما أكد الكتيب. الإسلام دين ينبذ العنف والكراهية، ويدعو إلي التعاون والسلام والتعامل بالبر مع المخالفين لنا في الدين، لقد ضرب الرسول صلي الله عليه وسلم، أروع الأمثلة في ذلك حتي مع أشد أعدائه حتي إذا نصره الله بفتح مكة يأتيه الملأ من قريش مستسلماً فيقول لهم باسماً «اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم ويغفر الله لكم» وأيضاً مجادلة المختلفين في العقيدة بالتي هي أحسن لقوله تعالي في سورة النحل «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» وأمر الله تعالي عباده المؤمنين بأن يدفعوا السيئة بالحسنة: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». لذلك يجب أن تنهض الدول الإسلامية وتتعاون فيما بينها لمواجهة تيار العولمة الجارف الذي لا نستطيع تجاهله أو صده ويجب علينا أن نستعد له قبل أن تعول هيمنة القوي علي الضعيف وأن تحشد قوانا لبناء مجتمعاتنا الإسلامية. وهذا بتمسكهم بالقيم الدينية التي تتميز بها مجتمعاتنا لذلك يجب المحافظة علي البعد الديني لأي مشروع حضاري نهضوي، لأن الدين هو الذي يحافظ علي الحضارة ويضمن للإنسان تماسكه أمام الأحداث. حيث أن المنهج الإسلامي في تربية المسلم يجب أن يقوم علي الرحمة والأمن والأمان والإحسان إلي الخلق.. وأن الإسلام من خلال هذه المناهج انتشر بين الناس أجمعين. كما أن القرآن الكريم رسم منهج الإسلام في الدعوة إلي الله بقوله تعالي «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». لا للإرهاب وتكتمل السلسلة بكتيب جريء يحمل عنوان لا للارهاب» من منطلق أن الارهاب يشبه جرثومة مرض خطير معد سريع الانتشار لأنه ينتقل بمختلف وسائل الانتقال والاتصال المقروءة والمسموعة والمنظورة. وخطورته في كونه يضعف المناعة الإنسانية ومن ثم يهتكها حتي يدمرها بعد أن يخضع الإنسان الواقع تحت تأثيره ومؤثراته لعملية استلاب فكري عنيفة لعقله الذي إما أن يكون ضعيفاً أو مهزوزاً أو ساذجاً أو جاهلاً بالطبع. وفي المسيحية يؤكد الكتيب علي أن تعاليم السيد المسيح السامية تعمل علي اجتثاث الخطية من جذورها وغلق كل الأبواب والسبل المؤدية إليها بين تابعية فهو عظته علي الجبل يحذر ضد الغضب. الباب الملكي لمختلف صور العنف والإيذاء ومضاعفاتها من قهر وارهاب. ويعرض المؤلفون لشخصية بولس الرسول والذي كان ارهابياً ضد المسيحيين مع ظنه أنه كان مخلصاً لدينه غيوراً عليه. وكيف غيرته تعاليم المسيحية وجعلت منه قديساً. وتحت عنوان لا للإرهاب في الإسلام» أكد المؤلفون أن الحكم الشرعي للارهاب واضح جداً. فلا يجوز عقلاً ولا شرعاً ارهاب الآمنين وقطع الطريق عليهم واخافة السبيل أو تهديدهم بذلك مسلمين أو غير مسلمين. حتي ولو كان التخويف علي سبيل المزاح. الكتيبات الثلاثة محاولة رائعة لرفع شعار لا للفتنة. يستحق مؤلفوها التحية والانتشار.