كرم جبر روزاليوسف اليومية : 08 - 11 - 2009 "تشفط" خيرات أفريقيا والأفارقة سعداء 1 فعلاً.. الصين دولة ليس لها حل، لا تعرف المستحيل، وتصنع من التراب حديدًا، ومن الخردة أسلحة، وتعرف طريقها جيدًا، وإنها في غضون سنوات سوف تصبح الدولة العظمي في العالم. دولة لا تعرف المستحيل، لأن العالم كله مازال يعاني من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وتراجع معدلات التنمية إلي 1 ٪ و2٪، بينما الصين تحقق 8 ٪ التي تمثل حلمًا وطموحًا لدول كثيرة. أكثر من ذلك أن الصين تقود العالم الآن للخروج من الأزمة الاقتصادية التي صنعها الغرب، وبدأ كثير من الدول التي تدور في فلك الولاياتالمتحدة والغرب يتجه شرقًا.. نحو الصين. 2 الصينيون في شرم الشيخ انتشروا مثل النحل، وجاء إلي المدينة الرائعة أكثر من ممثلي 850 شركة ومصنعًا، يعرضون مشروعاتهم واستثماراتهم علي ممثلي الدول الأفريقية. كان العالم كله يخاف من الاستثمار في أفريقيا لارتفاع نسبة المخاطرة، وبمعني آخر لأن أصحاب الأموال والمستثمرين يخافون من ضياع أموالهم في دول تفتقد الحد الأدني من الثقة. الصين لا تعرف ذلك، ووصل حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا إلي نحو 130 مليار دولار، تضخ أموالها ومستثمريها إلي القارة المجهولة، دون خوف أو تراجع. 3 الصين لا ترمي دولارًا واحدًا في الأرض، ولا تدفع مستثمريها إلي المستحيل، ولكنها "تاخد حقها ناشف" كما يقول المثل العامي، وتدخل في استثمارات مضمونة بنسبة مائة في المائة. الصين "تشفط" خيرات أفريقيا، وتحصل علي البترول والمواد الأولية، والمواد الغذائية، فهي في أمس الحاجة إلي ذلك، ولا توجد قارة أخري في العالم يمكن أن تلبي احتياجاتها غير أفريقيا. الأفارقة سعداء جدًا بذلك، وقد انعكس ذلك في كلمات الرؤساء الذين حضروا القمة الصينية - الأفريقية، التي افتتحها الرئيس مبارك بشرم الشيخ أمس. 4 تحدث الرئيس مبارك كعادته باسم أفريقيا، مجسدًا همومها ومشاكلها والتحديات التي تواجهها، ولخص الموقف بعبارة موجزة هي: إذا كانت الدول المتقدمة سوف تخرج من الأزمة خلال عام فالدول النامية تحتاج وقتًا أطول. الرئيس رسم خارطة طريق للتعاون الصيني الأفريقي للسنوات القادمة، وحدد هدفًا استراتيجيا ثابتًا هو ألا تتحول القارة السمراء إلي ساحة لصراعات الدول الكبري، ولكن للتنمية والتعاون الاقتصادي. عنوان المؤتمر هو "تعميق التعاون بين الصين وأفريقيا لتحقيق التنمية المستدامة"، وطلب الرئيس من الدول المشاركة أن تعمل علي إرساء مرحلة جديدة للعلاقات بين الجانبين. 5 كلمات صادقة ومعبرة تضمنتها كلمة الرئيس الافتتاحية، مثل الدعوة إلي تواصل الحوار والتشاور وتنسيق المواقف للدفاع عن أفريقيا وشعوبها في المحافل الدولية. التمسك بحق أفريقيا في الحصول علي الدعم الفني والمادي اللازم لمواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ الذي يلحق بأفريقيا أشد الضرر، رغم أنها غير مسئولة عنه. مطالبة الدول المتقدمة بالنهوض بالتزاماتها لمعالجة تداعيات هذه الأزمة، والتصدي لتهميش أفريقيا في آليات صنع القرار الدولي.. واستمر مبارك في التعبير عن مطالب القارة وأوجاعها. 6 شرم الشيخ "حاجة تفرح"، فيها فنادق وطرق وقاعات ومدينة مؤتمرات علي أعلي مستوي في العالم، وتستطيع أن تستضيف مؤتمرين وثلاثة وعشرة في وقت واحد. الإجراءات الأمنية صارمة ومشددة، ولكن لا تراها بصورة واضحة، الأمن الهادئ الرزين الذي يضمن أعلي درجات تأمين الوفود، بأقل قدر من القيود والإجراءات. مدينة المؤتمرات مفخرة، وتستطيع أن تستقبل أكثر من 2000 مدعو، وتقدم لهم الطعام والشراب والوجبات الخفيفة، وفيها عدد لا بأس به من المطاعم.. كل شيء حاز إعجاب الضيوف وأبهرهم. 7 شرم الشيخ لا تقل روعة وتنظيمًا عن بكين، ومؤتمر 2009 الذي عقد في المدينة الرائعة ربما يكون أكثر سهولة ويسرًا من المؤتمر الذي عقد في بكين في نوفمبر 6002. حضرت المؤتمرين، وأؤكد أن مصر تستطيع أن تكون "بوابة الصين إلي أفريقيا"، فهي الدولة الوحيدة المؤهلة ماديا وبشريا للقيام بهذا الدور، ولا يجب أبدًا أن تترك الساحة خالية. مصر يمكن أن تستفيد كثيراً من التعاون المشترك مع الصين، فلديها 950 شركة تعمل في مصر، وحضر إلي مصر في العام الأخير نحو 100 ألف سائح صيني، وهي أكبر دولة تعبر سفنها في قناة السويس. 8 مصر يمكن أن تستفيد من الصين في المستقبل بتكثيف الاستثمارات الصينية، وتدعيم منطقة شمال غرب خليج السويس.. وبدلاً من الاستيراد من الصين، يمكن أن يدعموا السلع التي نستوردها. بنك التنمية الصيني قرر أن ينشئ صندوقًا لأفريقيا برأس مال 5 مليارات دولار، لإعفاء الدول المتعثرة من ديونها، وسوف يفتتح البنك فرعًا في المعادي يوم الثلاثاء "غدًا". البنك سيكون جسراً للتواصل بين رجال الأعمال الصينيين والمصريين، ويدعم فرص الاستثمار المتاحة، لأن مصر لن تفعل مثل الدول الأفريقية التي تصدر للصين المواد الخام فقط. 9 الصينيون قادمون، ومنذ أيام أقاموا في بكين عرضًا عسكريا، قدموا فيه نماذج متطورة لمختلف الأسلحة والمعدات أذهلت الدول الغربية التي تحتكر السوق التقليدية للسلاح. الصين تقول "نحن هنا"، والغرب يضع يده علي قلبه لأنه يعلم جيدًا أن الصين سوف تسيطر علي السوق الدولية للأسلحة مثلما فعلت مع مختلف السلع والخدمات. لكل هذه الأسباب لم تشأ مصر أن تتأخر عن المتغيرات التي تحدث حولها، واستضافت المؤتمر المهم، الذي يضع أسسًا جديدة للتعاون بين الأغنياء والفقراء. وللحديث بقية.. E-Mail : [email protected]