في زمن المؤامرات السياسية ومقاومة أمريكا لأي قوي تنافسها في بسط نفوذها حول العالم، صار من الطبيعي أن تكون الرياضة أحد الأدوات المستخدمة في الحرب الباردة بعيدا عن الأسلحة والخسائر البشرية. بعدما قررت روسيا التدخل عسكريا في الشأن السوري دون التنسيق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والقوة الغربية في أوروبا، يبدوا أنه حان موعد حصاد ما فعلته، فهناك طائرة روسية سقطت في سيناء وراح بسببها 224 سائحا بعد مغادرتهم بدقائق مطار شرم الشيخ، لتكون أشبه بالعقوية علي التقارب المصري الروسي علي حساب العلاقات الأمريكية. وعلي المستوي الرياضي، روسيا عانت من اتهامات أمريكية وإنجليزية بأنها دفعت الرشاوي للفوز بتنظيم كأس العالم 2018 لأول مرة في تاريخها، واعترف رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم »الفيفا» السويسري جوزيف بلاتر بأن الأزمات الطاحنة التي يمر بها الفيفا حاليا خاصة فيما يتعلق بالتشكيك في التصويت لاختيار الدول المستضيفة للمونديال سببها المؤامرات الدولية، وبالذات من إنجلترا وإمريكا بعدما خسرا سباق تنظيم مونديالي 2018، و2022. العداء الروسي الأمريكي رياضيا ليس جديدا، خلال أولمبياد »موسكو 1980» لم تشارك الولاياتالمتحدة والكثير من الدول الأوروبية في المنافسات بسبب مقاطعة الاتحاد السوفيتي، الذي رد علي نفس القرار بمقاطعة المشاركة في أولمبياد »لوس أنجليس 1984». حرب رياضية لم يعد اتحاد الكرة الروسي فقط في جبهة الحرب العالمية الرياضية ضد القوي الغربيةوأمريكا، لكن دخلت الرياضة الروسية بمختلف ألعابها وأبطالها في الرياضات الجماعية والفردية تحديدا، بعدما قررت الشرطة الدولية »الانتربول» قيادة تحقيقات عالمية بشأن ادعاءات الفساد التي طالت رياضيين ومسؤولين في روسيا، واتحاد ألعاب القوي الدولي. وجاء إعلان الانتربول في مؤتمر صحفي، حيث نشرت لجنة مستقلة مشكلة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات »وادا» تقريرا كارثيا حول استخدام الاتحاد الروسي لألعاب القوي المنشطات المنهجية. وطالب التقرير بتعليق مشاركة روسيا في منافسات ألعاب القوي، وإيقاف خمسة رياضيين وخمسة مدربين روس مدي الحياة لتورطهم في تعاطي المنشطات، مع ضرورة سحب اعتماد مختبر مكافحة المنشطات في موسكو. وهذا تم بالفعل بعدما صدر قرار بايقاف روسيا في العاب القوي لفترة غير محددة. بداية المعركة هذه الحرب الرياضية ضد الرياضة الروسية لم تكن وليدة الأيام القليلة الماضية، لكنها اشتعلت مؤخرا بعدما زاد التحرك الروسي لزيادة نفوذها وحلفائها في الوطن العربي. بداية من 3 ديسمبر عام 2014، ادعت شبكة »إيه آر دي» الألمانية التلفزيونية وجود تعاطي منشطات ممنهج ومنظم لدي الرياضيين الروسي وقدمت تسجيلات سرية وتصريحات شهود تدعم هذه الادعاءات. وفي اليوم التالي، تعهد توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية باتخاذ إجراءات صارمة، ردا علي تلك الادعاءات. يوم 12 ديسمبر 2014، استقال جابرييل دول من منصب مدير وحدة مكافحة المنشطات في الاتحاد الدولي للقوي، وفي 16 ترأس ديك باوند الرئيس السابق للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات »وادا» لجنة ثلاثية للتحقيق في الادعاءات بوجود منشطات بين الرياضيين الروس البارزين. قرارات بالإيقاف ومع بداية عام 2015 وتحديدا يوم 20 يناير، قررت الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات »روسادا» إيقاف خمسة رياضيين تخصصوا في سباقات المشي من بينهم ثلاثة أبطال أولمبيين وذلك لانتهاكهم قواعد مكافحة المنشطات، ليستقبل بعدها فالنتين ماسلاكوف من منصب المدير الفني للمنتخب الروسي لألعاب القوي، ثم تم إيقاف البطلة الأولمبية يوليا زاريبوفا بطلة العالم سابقا لسباقات الموانع لخرقها قواعد مكافحة المنشطات بواسطة »روسادا» يوم 30 يناير. يوم 17 فبراير، استقال فالنتين بالاتشينيتشيف من منصب رئيس الاتحاد الروسي للقوي وحل مكانه فاديم زيليتشينوك. يوم 16 يوليو، طبقا للتحقيقات بشأن هذه المنشطات ، سحب الاتحاد الروسي للقوي جميع أعضاء منتخب المشي من بطولة العالم التي أقيمت في أغسطس الماضي بالعاصمة الصينية بكين. 800 حالة منشطات وفي تاريخ 2 أغسطس، حصلت شبكة »إيه آر دي» وصحيفة »صنداي تايمز» البريطانية علي قائمة بنتائج تحاليل 12 ألف عينة دم تخص خمسة آلاف عداء أخذت في الدورات الأولمبية وبطولات العالم التي أقيمت من 2001 و2012 وتشتمل علي نتائج عينات تشير للاشتباه في تعاطي 800 رياضي للمنشطات. وفي الخامس من نوفمبر، تم إيقاف خمسة رياضيين روس لانتهاكهم قواعد مكافحة المنشطات. وفى التاسع من نوفمبر، نشرت لجنة التحقيق فى «وادا»، تقريرها عن المنشطات لدى الرياضيين الروس البارزين، وأوصت الاتحاد الدولى للقوى بإيقاف روسيا من خوض المنافسات العالمية والأولمبية كما أوصت بإيقاف خمسة رياضيين وخمسة مدربين مدى الحياة بسبب المنشطات. الضربات مستمرة أفادت اللجنة الأولمبية الدولية أنها تدرس سحب ميداليات من بعض رياضى ألعاب القوى فى روسيا الضالعين فى قضية تناول المنشطات بشكل منهجى فى الرياضة الروسية، بعد التقرير الصادم الذى أعدته الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. وحثت لجنة القيم التابعة للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات الاتحاد الدولى لألعاب القوى على التحقيق واتخاذ إجراءات تأديبية ضد الرياضيين والمدربين والموظفين الرسميين، الذين تدور حولهم الشبهات فى هذه القضية. وجاء إعلان اللجنة الأولمبية الدولية بعد يوم واحد فقط من التقرير الخطير الذى قدمته اللجنة المستقلة التابعة للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، الذى اتهمت من خلاله القائمين على رياضة ألعاب القوى الروسية برعاية نظام منهجى لتناول المنشطات وتعمد إخفاء نتائج بعض العينات الإيجابية. وضمت قائمة الرياضيين الروس، الذين يواجهون شبح الإيقاف مدى الحياة، ايكاترينا بويستوجوفا عداءة المسافات المتوسطة الفائزة بالميدالية البرونزية لسباق 800 متر فى أولمبياد 2012، واناستاسيا بازديريفا عداءة سباقات 400 و800 متر، وماريا سافينوفا فارسونوفا الفائزة بالميدالية الذهبية لسباق 800 متر فى أولمبياد2012، وكريستينا اوجاروفا عداءة سباقات 1500 متر، وتاتيانا مياسينا عداءة سباقات 800 متر. وعلى صعيد المدربين الذين يواجهون الإيقاف مدى الحياة، فهناك اليكسى ملنيكوف مدرب المسافات الطويلة، وفلاديمير كازارين مدرب المنتخب الوطنى لمسافة 800 متر، وفلاديمير موخنيف مدرب سباقات 1000 و3000 متر، وفيكتور تشيجين مدرب منافسات المشي. كما يواجه الطبيب سيرجى بورتوجالوف رئيس اللجنة الطبية للاتحاد الروسى لألعاب القوى إمكانية الإيقاف مدى الحياة. حرمان من الأولمبياد أعرب رئيسا الاتحاد البريطانى والاسترالى لألعاب القوى عن تأييدهما لتعليق مشاركة روسيا فى البطولة الدولية. حيث قال فيل جونس الرئيس التنفيذى لاتحاد ألعاب القوى الاسترالى لإذاعة «ايه بى سي»: أعتقد انه من الصعب، نظرا لضيق الوقت بين الآن وأولمبياد ريو دى جانيرو، أن نرى روسيا تتمكن من ترتيب نفسها قبل حلول منتصف العام المقبل». وقال ايد وارنر رئيس الاتحاد البريطانى للعبة لوكالة الأنباء البريطانية (برس أسوشياشن) :» أنا مع تعليق عضوية روسيا حتى يتم اثبات ان النظام يطبق بحذافيره». وأضاف ان الاتحاد الدولى يتعين عليه نقل بطولات العالم للشباب التى ستقام العام المقبل من مدينة كازان الروسية إلى مدينة أخرى. وعبر ألفوس هويرمان رئيس الاتحاد الألمانى للرياضات الاولمبية عن أمله «ان يتعلم الجميع درسا من هذه الأزمة وان تطبق عقوبات قاسية وواضحة». وقال داجمار فرايتاج رئيس اللجنة الرياضية البرلمانية فى ألمانيا:» أولئك الذين يغشون بلا ضمير يجب أن يتوقعوا مواجهة أسلوب قوي- والعقوبات شديدة القسوة ستكون جزء منه». الشماتة الأمريكية أصدرت الوكالة الأمريكية لمكافحة المنشطات «يوسادا» بيانا لها بشأن أزمة المنشطات الروسية، وكان يحمل سعادة وشماتة فيما يحدث للرياضيين الروس، وجاء فى البيان:» نقدم التحية لعمل اللجنة المستقلة لوادا ، والتى يرأسها السيد ديك باوند ، فى الكشف عن مساعى روسيا للهيمنة فى عالم الرياضة بطرق غير مشروعة.» وأضاف البيان:» الأدلة التى نشرت تظهر مستويات صادمة من الفساد ، وتبعث برسالة واضحة إلى روسيا مفادها أنه لن يجرى السماح لها بالاحتيال على رياضيى العالم والهروب من العدالة خلف جدار من الخداع والكذب.» الرد الروسي أكدت اللجنة الأولمبية الروسية تتعاون فى مجال مكافحة المنشطات، مشيرة إلى أنها تدعم العقوبات القاسية التى فرضت على اللاعبين الروس المذنبين، ولكنها لا ترغب فى تعليق مشاركة اتحاد بلادها لألعاب القوى فى المنافسات الدولية، لأن ذلك سيضر بالرياضيين الشرفاء . وجاء فى البيان:» موقفنا واضح، أى شخص تثبت إدانته باستخدام المواد المحظورة، وكذلك أى فرد يساهم فى استخدامها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يجب حرمانه من المشاركة فى المنافسات الدولية ، وإذا ثبت إدانته فإنه ينبغى أن تكون العقوبات المفروضة عليه قاسية». واستطردت اللجنة الأولمبية الروسية قائلة إنها تعارض حرمان أبطالها من المشاركة فى البطولات الدولية والأولمبياد، لأنه يجب حماية حق رياضييها الشرفاء فى المشاركة بالمنافسات الرياضية الدولية. إقحام الفيفا رغم أن الأزمة لا علاقة لها بتنظيم كأس العالم 2018»، لكن تم إقحام وزير الرياضة الروسى فى القضية بصفته عضوا فى اللجنة التنفيذية للفيفا، بعدما طلب رئيس اتحاد الكرة الإنجليزى استبعاده من عضوية اللجنة التنفيذية فى أعقاب فضيحة المنشطات التى تطارد الرياضة الروسية حاليا، مع العلم بأن إنجلترا غاضبة من خسارتها لتنظيم مونديال 2018 أمام روسيا. رد الوزير الروسى على الطلب الإنجليزى» إن هذا الأمر لا يتعلق بالرياضة فقط إذا كان رئيس اتحاد الكرة الانجليزى - زميلنا، وهو عضو فى عائلة كرة القدم - يتصرف بمثل هذه الطريقة التى تتعارض مع مصالح كرة القدم ومصالح عملنا المشترك». وأوضح موتكو:» باعتبارى عضوا فى اللجنة التنفيذية للفيفا ورئيس اتحاد الكرة الروسي، فيمكننى القول بأننى لست لاعبا داخليا مثله، لقد قمت بمجهودات عظيمة فى خدمة كرة القدم». وقررت لجنة القيم فى «الفيفا» دراسة تقرير اللجنة المستقلة التابعة للوكالة العالمية لمكافحة المنشطات الذى اتهمت من خلاله الرياضة الروسية باتباع نظام منهجى لتشجيع رياضييها على تناول المنشطات، بشكل «دقيق». وقال أحد المتحدثين باسم لجنة القيم فى الفيفا:» سندرس بشكل دقيق التقرير قبل أن ندلى بوجهة نظرنا حول القرارات المحتملة». وطبقا للتحقيقات، من المحتمل أن يصبح وزير الرياضة الروسى صاحب الدور الرئيسى فى هذه الفضيحة، حيث ساعد على إخفاء نتائج بعض العينات الإيجابية فى وقت سابق. ويترأس وزير الرياضة الروسى اتحاد الكرة فى بلاده أيضا، كما يشغل منصب رئيس اللجنة المنظمة لمونديال 2018 وعضو باللجنة التنفيذية للاتحادين الدولى والأوروبى لكرة القدم. الرئاسة الروسية صدر تعليق رسمى من الرئاسة الروسية بشأن الاتهامات التى تواجه الرياضة فى بلادهم، حيث قال ديمترى بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين إن ادعاءات «وادا» بانتشار استخدام المواد المنشطة المحظورة بين رياضيى روسيا «ليس لها أساس». وأوضح:»عندما توجه اتهامات ، يجب أن تكون هناك أدلة ترتكز عليها، وطالما ليست هناك أدلة ، من الصعب الرد على أى اتهامات ، ليس لها أى أساس». وفى خطوة لإظهار الدعم للرياضيين فى بلاده، اجتمع بوتين مع رؤساء الاتحادات الرياضية الروسية فى مدينة سوتشى لبحث آخر التطورات التى تشهدها الساحة الرياضية الروسية. وطلب الرئيس الروسى من وزير الرياضة وجميع المسئولين الرياضيين إجراء تحقيق داخلى خاص ومستقل وأن يكون هذا التحقيق شفافا ومهنيا وأن يكون هناك تعاون مع الوكالات الدولية لمكافحة المنشطات، قائلا: علينا فى روسيا أن نفعل كل شيء للتخلص من هذه المشكلة». وقال:» يجب علينا حماية رياضيينا من تناول المنشطات غير المصرح بها من أجل المحافظة على صحة رياضيينا فالرياضة تكون رياضة عندما تكون شفافة ونزيهة وإذا كان هناك أحد قد انتهك هذه القواعد فعليه أن يتحمل هو هذه المسؤولية، وعليه فإن الرياضيين الذين لم يرتكبوا أى مخالفات لا يجب أن تطالهم عقوبات وأن لا يتحملوا ذنب الآخرين «.
