مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية.. استعراضات فلكلورية مبهجة تزين عروس القناة في الدورة 24    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء بشمال سيناء    متابعات ميدانية لتنفيذ فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" بالمنوفية    أسعار السمك في مرسى مطروح اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024.. تحديثات حصرية من أسواق المدينة    وزير الاتصالات يبحث مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا سبل التعاون المشترك    انتخابات أمريكا 2024| كيف تغيرت آراء الناخبين في الولايات المتأرجحة؟    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    روسيا تعلن نشوب حرائق في مستودعات وقود بعد هجوم أوكراني مزعوم بمسيرات    مدير فرانكفورت: يصعب التصدي لتسديدة مرموش    سيدي ندياي: أتمنى تحقيق الألقاب مع الزمالك والانضمام لمنتخب السنغال    «بعد التوقف».. سلوت يثير الجدل بشأن تجديد عقد محمد صلاح    بعد التوقف الدولي.. آرني سلوت يُعلق مُجددًا على تجديد عقود صلاح وفان ديك وأرنولد    حملات ترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 155 محضرًا للمحال المخالفة    سياسيون: كلمة الرئيس السيسي تحمل رسائل طمأنة للشعب المصري    نجل أحمد شيبة يقاضي بلوجر شهير بسبب صورة في الطائرة    إليسا ترد على منتقدي العودة للحفلات: نلوم حالنا على كل شي وصلناله بلبنان    ين المبدعين والراحلين.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم رموز الإبداع والنشاط الفني    الصحة: فريق المراجعة الداخلية يتفقد مستشفى سفاجا المركزي ويوجه بتوفير بعض نواقص الأدوية    مع بدء موسم العمرة.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه في أكبر 5 بنوك    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة أصحاب السيارات بالجيزة    مصر والسعودية يؤكدان تضامنهما مع لبنان في الأزمة الراهنة    حزب الله: قصفنا برشقة صاروخية قاعدة إيلانيا العسكرية شمال إسرائيل    تراجع أسعار الحديد اليوم الجمعة 4-10-2024 بالأسواق.. كم يسجل الطن الآن؟    بالأرقام.. نتائج فحص حالات لسيارات ذوي الهمم خلال السنوات الثلاث الماضية    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    مسلسل برغم القانون الحلقة 16.. هل تعثر ليلى على مكان أولادها؟    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس    مياه سوهاج تكرم أبناء العاملين المتفوقين دراسيًا    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    بحضور وزير الأوقاف.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيد البدوي    القناة الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في الدوري المصري "سيدات"    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    اللجنة الأولمبية الجزائرية: ما يحدث مع إيمان خليف حملة ممنهجة    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    الأنبا عمانوئيل يهنئ رئيس الجمهورية وقيادات الدولة بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض: تسجيل 866 حالة وفاة ب"جدرى القرود"    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    جيش الاحتلال يطالب سكان أكثر من 20 بلدة جنوب لبنان بالإخلاء    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولار والنظام والثورة في مصر

يحول الاحتقان السياسي في مصر الجدل حول أي قضية إلى صراع صفري، فالمعارضة تتعامل مع أي إنجاز، ولو صغيرا، للنظام الحاكم خسارة فادحة لمعسكرها، والنظام يصور خسائره، ولو كبيرة، انتصارات، وأي مكاسب، ولو صغيرة، إنجازات تاريخية، وفي النهاية، يضيع المواطن، ويصاب الرأي العام بالبلبلة والقنوط من الطرفين.
لهذا، يشعر المصريون بحيرةٍ تجاه قضاياهم المهمة، كالتطورات الاقتصادية أخيرا، والتي شهدت تراجعا هائلا في سعر الجنيه المصري أمام الدولار منذ تحرير الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ثم عودته إلى الارتفاع أمام الدولار منذ أواخر يناير/ كانون الثاني. يرى أنصار النظام الصعود الأخير إنجازا وعلامة على سير النظام على الطريق الصحيح لإصلاح الاقتصاد المصري، وترسيخ أقدامه اقتصاديا وسياسيا، أما المعارضة فتراه إنجازا زائفا، وتحذّر باستمرار من أن النظام يسير بالبلد نحو الهاوية، وأن ثورة الجياع قادمة لا محالة، والسؤال هنا: أين الحقيقة؟ ماذا يعني ارتفاع أو انخفاض الجنيه أمام الدولار؟ هل يسير الاقتصاد نحو التحسن أم الهاوية؟ وكيف ستؤثر التطورات الاقتصادية الراهنة على النظام والثورة في مصر؟
تتطلب الإجابة الهادئة على الأسئلة السابقة التفرقة بين أوضاع الاقتصاد المصري خلال ثلاث لحظات زمنية مختلفة: الراهنة، وتحديدا منذ تحرير سعر الجنيه المصري أمام الدولار في نوفمبر الماضي. الثانية ترتبط بالمستقبل المنظور وما يمكن توقعه اقتصاديا في العامين أو الثلاثة المقبلين. الثالثة أطول زمنيا حيث ترتبط بتطور الاقتصاد المصري خلال العقود الأخيرة.
في اللحظة الراهنة، تمثل عودة الجنيه إلى الصعود أمام الدولار نتيجة إيجابية للإصلاحات المؤلمة التي أقدم عليها النظام المصري، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، متمثلة في تحرير سعر الجنيه، ورفع جزء إضافي من دعم الوقود والطاقة، حيث تشير تقارير صحافية واقتصادية دولية مختلفة إلى العوائد الإيجابية للإصلاحات السابقة في الوقت الراهن.
خفّف تحرير سعر الجنيه العبء عن احتياطي النقد الأجنبي، فلم يعد البنك المركزي المصري مضطرا لدعم الجنيه في الأسواق، كما أنه قلل من الواردات، وشجع بعض رجال الأعمال الأجانب على الاستثمار في البورصة المصرية، بسبب تراجع أسعار الأسهم المصرية، كما زادت ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري، لأنه أصبح يسير وفقا لوصفة صندوق النقد الدولي، وبسبب القرض الذي ستحصل عليه مصر على مراحل من الصندوق (12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات)، ما سيساعدها على سداد مستحقات المستثمرين الأجانب.
لذا لما طرحت مصر سندات دولية في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي وجدت إقبالا كبيرا عليها، فتمكّنت الحكومة من بيع سندات بقيمة 4 مليارات دولار. وفي الفترة نفسها، استفاد الاقتصاد المصري من زيادة تحويلات المصريين في الخارج بعد استقرار سعر الدولار وانخفاض الجنيه، كما قلت الواردات لعدم توفر الدولار، وساهمت كل تلك العوامل، خلال الأسابيع الأخيرة، في تراجع سعر الدولار بحوالي 15% تقريبا.
وهذا لا يعني أن مشكلات مصر الاقتصادية قد حلت، حيث تفيد التقارير نفسها بأن اللحظة الراهنة تشهد معاناة اقتصادية كبيرة للمواطن المصري الذي تحمل، بالأساس، تكلفة الإصلاحات الاقتصادية، حيث أدى انهيار سعر الجنيه أمام الدولار في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى قفزة كبيرة في الأسعار والتضخم الذي ارتفع إلى نسب قياسية، لم تشهدها مصر منذ ثلاثين عاما، هذا بالإضافة إلى زيادة مضطردة في الديون الداخلية (2.7 ترليون جنيه) والخارجية (60 مليار دولار)، ويخشى مراقبون من تفاقم تلك الديون، وتحولها فجأة إلى خطر يهدد الاقتصاد المصري وقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، كما يعاني الاقتصاد أيضا من تراجع السياحة وصعوبة زيادة الصادرات.
على مستوى آخر، ولو تحدثنا عن المستقبل المنظور، تأمل الحكومة المصرية والمؤسسات الدولية في أن تساهم الإصلاحات الاقتصادية أخيرا في تحسين معدلات النمو الاقتصادي في الأعوام القليلة المقبلة، من خلال المساهمة في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخصوصا في قطاع الطاقة والنفط، والذي ينتظر أن يجني، في نهاية العام الحالي، عوائد إيجابية لاكتشافات بترولية حديثة، ولاستثمارات في قطاع الكهرباء، كما ستساهم أيضا في تخفيض عجز الميزانية المصرية، ومن ثم الديون. ويتوقع الطرفان أن تحقق مصر معدلات نمو تتراوح بين 3.5-4 % في الفترة المقبلة، وربما نسب أعلى في العام بعد المقبل، خصوصا لو حقق قطاع السياحة بعض العودة، واستطاعت مصر زيادة صادراتها.
على الجانب الآخر، تحذر تقارير دولية مختلفة من أن الرؤية المتفائلة السابقة ليست مضمونة، فالاستمرار في النمو بالمعدلات السابقة يتطلب عدم وقوع مصر في فخ أي أزماتٍ غير متوقعة، كأزمة الديون أو عدم الاستقرار السياسي أو عدم انفجار مفاجئ للأوضاع في المنطقة، هذا بالإضافة إلى استمرار معاناة المواطن المصري، فلن تساهم معدلات النمو في تراجع سريع للأسعار، أو في حل مشكلات كبرى، كالبطالة التي تبلغ 12.5% (لو صدقنا بيانات الحكومة المصرية)، أو في تراجع سريع لنسبة المصريين تحت خط الفقر (أكثر من 26%)، كما أن برامج الدعم الحكومي المختلفة لن تسهم في تحسين أوضاع المواطن المصري في ظل محدودية ميزانية الحكومة.
هذا يعني على المديين، الحالي والقريب، أن الاقتصاد المصري سيستمر في التحسن، ولكنه تحسّن لن يشعر به المواطن المصري سريعا في ظل تراكم مشكلات الاقتصاد المختلفة، والسؤال هنا ماذا عن المدى البعيد؟ وماذا تقول أرقام الاقتصاد المصري على مدى زمني أطول؟
في اعتقادي هنا أن النظر في الصورة العامة للاقتصاد المصري وتطوره، خلال العقود الأخيرة، تشرح الكثير، فوفقا لبيانات البنك الدولي، تضاعف حجم الناتج القومي المصري حوالي خمس مرات منذ عام 1980 وحتى عام 2000، حيث ارتفع من 22 إلى 100 مليار دولار. وخلال الفترة نفسها، زاد عدد السكان من 43 إلى 68 مليون نسمة، أو حوالي النصف.
أما منذ عام 2000، فقد زاد الناتج القومي المصري من 100 إلى 330 مليارا، لتحتل مصر المكانة 32 عالميا. وخلال الفترة نفسها، زاد عدد سكان مصر ليصل إلى تسعين مليون نسمة، وهذا يعني أن مصر، خلال العقد ونصف الأخيرين، تمر بحالة من النمو الاقتصادي المستمر والسريع، أدت إلى زيادة الناتج القومي أكثر من ثلاث مرات خلال 15 عاما، لكن هذا النمو لم يساهم كثيرا في تحسن مستوى معيشة المواطن، في ظل زيادة عدد السكان، وتراجع عدالة توزيع الثورة وضعف القدرة على التصنيع والتصدير وانتشار الفساد. لذا، نجد أنه، خلال الفترة نفسها، زادت نسبة المصريين تحت خط الفقر من 16.7% في عام 2000 إلى أكثر من 26%، وهي الفترة التي شهدت معدلات نمو عالية للدخل القومي، كما شهدت أيضا أكبر التحولات السياسية، وفي مقدمتها ثورة يناير.
باختصار، تعيش مصر، خلال العقدين الأخيرين، فترة نمو اقتصادي مستمر وسريع، مدفوعة في جانبها الأكبر بالاستهلاك الداخلي وحجم السوق المصرية وتحويلات المصريين والاستثمارات الخارجية، في ظل ضعف الاستثمارات الحكومية والصادرات. لذا لم يتوقف نمو الاقتصاد المصري خلال سنوات الثورة المصرية، بل استمر في الصعود، لكنه نمو لا يصل سريعا إلى ملايين من المواطنين الطارقين بقوة أبواب التعليم والصحة والعمل، والمتطلعين لحياة أفضل والمساواة مع من حولهم في مصر والإقليم.
هذا يعني أن استمرار تحسن الاقتصاد في ظل تراجع أوضاع غالبية المصريين المعيشية يعمق لدى الملايين فجوة ملتهبة بين الواقع والتطلعات، هي وقود الثورة المصرية وشعلتها، والتي لن تتأثر كثيرا بتحسّن محدود في سعر العملة المصرية.
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.