بمجرد قيام سلطات الدولة بالتوسل بالوسائل القانونية، والانفاذية التي يجيزها القانون الدولي ، وتحديدا المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، لبسط سلطة الدولة في انفاذ القانون، وحفظ النظام ، وتحقيق الأمن في أكثر المناطق خطورة في سيناء، خرجت أبواق العمالة وأصوات الجهالة ، يتهمون الدولة بارتكاب جريمة النقل القسري للسكان المدنيين في الشريط الحدودي غير الأمن في سيناء المتاخم لقطاع غزة ، واتهموا السلطات المصرية بارتكاب أحد الجرائم ضد الانسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، وهي جريمة " النقل القسري للسكان ". ونرد عليهم بأن القانون الدولى يميز بين فعلين ليس بينهما ثمة رابط أو تماثل ، حيث يكيف القانون الدولي فعل النقل القسرى للسكان علي أنه إحدى الجرائم ضد الانسانية بموجب النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وفي المقابل يجيز القانون الدولي للدولة ذات السيادة فعل إعادة التوطين للسكان المدنيين حماية لأرواحهم وممتلكاتهم فى حالات الضرورة والخطورة الملحة، مثل حالات الحروب أو الظروف الاستثنائية مثل الارهاب، أو لحمايتهم من اثار الكوارث الانسانية المميتة. تتأسس دوما الممايزة بين جريمة النقل القسري للسكان ، و بين اعادة التوطين على الأهداف التى تنجز أعمال النقل من أجلها، فإذا سعت الدولة لتجنب كارثة انسانية كما فى حالة وجود بركان شديد الانفجار، أو كما فى الكارثة النووية الأخيرة التى حلت باليابان، او فى حالات عديدة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية للوقاية من مخاطر الأعاصير الكارثية المهلكة ففى هذه الحالة سيعد نقل الدولة للسكان عملا مشروعا حتى ولو كان قسريا، شريطة ان يكون هذا اجراء مؤقتا ينتهى بانتهاء أسبابه، و هذا يعني أن مصر لا تستطيع اعادة هؤلاء المرحلين الي المنطقة المعزولة في ظل الظروف الحالية . جدير بالذكر أن أن المادة 12 من العهد الدولي للحقوق السياسية و المدنية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966م ، يسمح لسلطات الدول الأطراف في هذا العهد ، أن تقوم بتعليق بعض الحقوق و الحريات الواردة بهذا العهد ، و ذلك لأسباب مختلفة تتراوح بين مقتضيات الأمن العام ، أو النظام العام ، أو اجراءات التخطيط الحضري ، و في السياق المصري نجد أن القانون الدولي يحظر علي الدول أيضا أن تقوم باجبار الأفراد علي العودة الي مناطق تتعرض فيها حياتهم للخطر . إن النقل القسري يعني بالأساس اجبار مجموعة من السكان تقوم بصورة قانونية علي أرضها وفي ديارها علي الأنتقال الي منطقة أخري ضمن الدولة نفسها أو خارجها ، بناء علي منهجية و تخطيط و اشراف الدولة أو الجماعات التابعة للدولة ، في مسعي للتطهير يقوم علي اساس التمييز العرقي أو القومي او الديني ، أو حتي للتوجه السياسي ، في تلك المنطقة التي يتم ابعاد السكان منها . جلي أن ، في معرض الحديث عن هذه القضية ، سواء من العارفين أو غير العارفين بدقائق المستجدات الأمنية الحاصلة في سيناء ، خاصة في الشريط الحدودي، و الذي تم فيه نقل الأسر تمهيدا لأعادة تسكينهم في مناطق أخري، يدركون يقينا أن الدولة لم تلجأ لهذا الخيار اختيارا، أو ترفا، أو لعدم ارهاق القوات المشتركة من الجيش و الشرطة التي تجابه ذلك الورم السرطاني الخبيث ، و لكن لجأت السلطات الحكومية في البلاد لذلك الاجراء باعتباره واجبا رئيسيا و مسؤولية أولية يلزم تحقيقها و هي الأمن للجماعة . يقينا، إن الهدف الأساسى من إقامة منطقة عازلة فى سيناء، هو فصل السكان المدنيين عن الإرهاب، و هو حجر الزاوية فى كل استراتيجية لمواجهة الإرهاب، فوجود الجماعات الإرهابية وسط المدنيين، يغل يد الجيش عن المواجهة حرصا على حياة السكان، و ممتلكاتهم ، فاذا تمت المواجهة العسكرية السكان و هو ما يتمناه الارهابيون ، ستزيد الخسائر البشرية، ويروح ضحية المواجهات أعداد كبير من المدنيين، و ستغل ذلك في الدعاية الرخيصة في الداخل و الخارج ضد الدولة . و حتي لا يكون تأويلنا مرسلا ، مثل الاتهامات الجزافية المرسلة تجاه سلطات الدولة في هذا الشأن ، نسوق لهؤلاء الواهمين المادة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949م ، والتي رخصت في حالات الحرب لدول الاحتلال أن تقوم باخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة اذا اقتضي ذلك أمن السكان أو أسباب عسكرية قهرية ، فهل لذي لب أو بصيرة ، يستطيع أن يحاجج بعدم توافر هذه الظروف بل الشروط الحاكمة في ذلك الصدد ، وهي أمن السكان والضرورة العسكرية الملحة التي قدرها أعلي هيئة أمنية في البلاد و هي مجلس الدفاع الوطني. وإذا كان القانون الدولي الانساني، يرخص لدولة الاحتلال – التي لا تمتلك حقوق – أن تقوم بذلك الأجراء، فهل ينكر القانون الدولي حق الدولة في البقاء وهو يعد بالنسبة لها كما للأفراد حقوق الحقوق ، أن تقوم بذات الاجراء الذي شرعه لدولة الاحتلال . وختاما، فان عدم لجوء السلطات المصرية إلي "إعادة توطين السكان في سيناء " ، إلا مؤخرا و ليس مبكرا ، في إطار الحملة المشتركة لاجتثاث شأفة الارهاب ، يعد دليلا دامغا يبطل أي مزاعم جهولة لا تستند لبرهان ، و لا تعكس الا البطلان ، تتهم مصر بارتكاب جريمة النقل القسري للسكان . دكتور . أيمن سلامة – أستاذ القانون الدولى