أطل أمس الإرهاب بوجهه السافر القبيح في سيناء، وارتكب الارهابيون جريمة شنيعة نكراء بحق الوطن و الشهداء و المصابين من قوات الجيش ، وناهز عدد الضحايا الثلاثين، ومثلهم من المصابين إصابات معظمها خطيرة، وأعلنت مصر المكلومة الحداد الرسمي ثلاثة أيام تأبينا وتكريما لارواح الشهداء، ومواساة لعائلاتهم ، فنكست الأعلام و اتشحت مصر كلها بالسواد ، الذي لم تلتحف به المؤسسات والهيئات العامة في البلاد و حسب ، بل أن السواد اخترق أفئدة المصريين النبلاء الشرفاء ، جراء الحادث الجبان الخسيس الذي أدمي القلوب ، و أثار حفيظة الجميع ، استنكارا للجرم الوضيع . اختلفت التأويلات و التحليلات العفوية التلقائية ، وتفاوتت ما بين غض الطرف عن أي ثغرة أو مثلب أو قصور أفضي الي المشهد المشهود ، الي التأييد المطلق للقرارات المهمة التي اتخذها أمس الاجتماع الطارئ لمجلس الدفاع الأعلي الذي دعي اليه و رأسه رئيس الجمهورية ، و التي تستهدف تفعيل أليات جديدة لمكافحة الأرهاب ، تتغيي اجتثاث شأفته في أمد قصير . بيد أن بعض الخبراء و المتخصصين ناشدوا سلطات البلاد ، أن تقوم باتخاذ اجراءات استثنائية تجابه الظروف و المتغيرات الاستثنائية غير العادية في سيناء ، بعد أن انتقم الارهابيون بضراوة لقياداتهم من خفافيش الظلام التي اقتنصتها عناصر الجيش في سيناء في الايام الأخيرة ، و المقصود بالاجراءات الاستثنائية بالطبع التدابير غير النمطية ، التي تستطيع ان تحقق المبادرة ، و تفرض السيطرة ، و تطال الارهابيين في كل بقعة و بؤرة لمخاطر الارهاب الخبيث ، الذي ما فتئ يشكل خطرا داهما مستطيرا لا ينكره القاصي و الداني في البلاد . نادي البعض ، أن تدرج أكثر المناطق التي تمثل الخطورة القصوي لعناصر مكافحة الارهاب في سيناء مناطق عمليات محظورة علي المدنيين ، و ذلك حفاظا علي أرواحهم ، و توخيا لوقايتهم من أي اضرار نتيجة تواجدهم في المناطق الملتهبة التي تشهد المواجهات العسكرية الساخنة بين الارهابيين ، و القوات المشتركة من الجيش و الشرطة ، حيث أن مقتضيات الحفاظ علي أرواح و ممتلكات الأفراد واجب رئيسي علي الدولة ، تلتزم تحقيقه و الحفاظ عليه . إن القرارات المشار إليها التي صدرت أمس عن مجلس الوزراء لا تتضمن هذا الاجراء ، حيث تخشي الدولة أن يفسر اجراء النقل السلمي للمواطنين في هذه المناطق الي مناطق أكثر سلما و أمنا ، و بواسطة الأجهزة التنفيذية المدنية للدولة ، و علي رأسها الادارة المحلية ، علي سبيل التهجير القسري للسكان المدنيين ، و الذي يعد أحد الجرائم ضد الانسانية ، مثل الجرائم التي ارتكبها النظام الصربي السابق للرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش في عام 1999م ، حين قان بنقل عشرات الألاف من صربيا الي اقليم كوزوفو حينذاك ، في محاولة للتطهير العرقي للأقليم الذي كان يناضل من أجل استقلاله . إن المقصود بجريمة ابعاد السكان أو النقل القسري لهم ، او ترحيلهم ، ليس بالقطع و اليقين السياق المصري ، فجريمة الابعاد القسري بموجب القانون الدولي ، و تحديدا النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، يتطلب ارتكاب الفعل – الترحيل القسري للمدنيين- كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ، و أن يتم ترحيل السكان المدنيين اما الي دولة أخري أو منطقة أخري في ذات الدولة لأسباب لا يقرها القانون الدولي . لقد قامت مصر بذلك التدبير المهم في الستينات ، لأجل حماية السكان المدنيين و الحفاظ علي أرواحهم وممتلكاتهم ، و ليس من خلال هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين ، كما تتطلب ذلك المادة (7) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، الذي صدر عام 1998م ، و دخل حيز النفاذ عام 2002 م . ففي عام 1963 م ، قامت السلطات المحلية في مصر بنقل اهالي النوبة من مناطقهم الأهلة الي هضبة كوم أمبو و مناطق أخري ، و ذلك لحمايتهم وانقاذهم من الغرق ، بعد أن غمرت بحيرة ناصر الكثير من قراهم ، سواء في جنوب مصر ، أو شمال السودان ، و من ثم فمن المحال تصوير الأمر علي أنه جريمة ضد الانسانية . أما عام 1967م ، فقد شهد أكبر خطة فاعلة قامت بها دولة في التاريخ المعاصر قاطبة ، حيث قامت السلطات المحلية أيضا و أثر حرب يونيو عام 1967 باجلاء ما يناهز مليون نسمة من سكان " خط القنال " من مساكنهم ، الي مدن دلتا مصر ، حفاظا علي ارواحهم من العدوان الأسرائيلي الغاشم في ذلك الوقت ، فهل نبست شفاه أحد من أحاد الناس في العالم بأسره ، بأن ما قامت به السلطات المصرية في ذلك الوقت يعد جريمة ضد الانسانية ؟ و ختاما ، ان الظروف الاستثنائية تتطلب من الدولة ذات السيادة أن تتخذ اجراءات استثنائية لمجابهة التهديدات التي تهدد الأمن و النظام العام ، و التي تهدد حتي بقاء كيان الدولة ذاتها . دكتور أيمن سلامة - خبير القانون الدولي