منذ بدء الحرب الروسية فى أوكرانيا فى 24 فبراير الماضى، أى منذ نحو عشرة أشهر، لم يغادر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بلاده، ولجأ بدلا من ذلك إلى تقنية الفيديو للتواصل بصفة شبه يومية مع العديد من رؤساء وبرلمانات العالم من أجل توفير الدعم اللازم لكييف فى مواجهة القوات الروسية، لذلك شكلت زيارته لواشنطن الأربعاء الماضى مفاجأة للعالم وأثارت التساؤلات حول توقيت الزيارة والهدف منها وتأثيرها على مسار الحرب. داليا كامل فى هذا السياق، لفتت وسائل إعلام أمريكية وعالمية إلى أن زيارة زيلينسكى للولايات المتحدة جاءت فى الأيام الأخيرة من سيطرة الحزب الديمقراطى على مجلس النواب بالكونجرس، وقبل تولى الحزب الجمهورى (الفائز فى انتخابات التجديد النصفى الأخيرة) قيادة المجلس، مشيرين إلى الانقسام داخل الحزب الجمهورى حول تكلفة المساعدات التى تقدمها واشنطنلأوكرانيا، وهو ما يسعى زيلينسكى إلى التغلب عليه. وحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، تشير التقارير الواردة من أوكرانيا إلى أن زيارة زيلينسكى لواشنطن جاءت فى أعقاب إعلان المكتب الرئاسى فى كييف عن زيارة مفاجئة قام بها الرئيس الأوكرانى لمدينة باخموت على خط المواجهة والتى دمرتها المعارك على مدار الأشهر الخمسة الماضية. وتضيف تلك التقارير أن الرئيس الأوكرانى أكد خلال زيارته لمدينة باخموت أن بلاده تمر فى الوقت الحالى بموقف عصيب فى ظل تنامى حجم القوات الروسية فى المواجهات الدائرة بين الطرفين، معربًا فى الوقت نفسه عن اعتقاده أن حجم المساعدات التى تقدمها الولاياتالمتحدة لكييف ليست كافية وأن بلاده تحتاج المزيد من المساعدات العسكرية لصد الهجمات الروسية. من جانبها، رأت صحيفة «الإندبندنت» أن الزيارة تكشف أيضاً تركيز أوكرانيا على الحفاظ على المساعدات الأمريكية وعدم وجود قادة أوروبيين يلجأ إليهم زيلينسكى للحصول على دعم مماثل. ونقلت الصحيفة البريطانية عن «ليانا فيكس»، الباحثة فى مجلس العلاقات الخارجية، قولها إن الأوكرانيين يعلمون أن الولاياتالمتحدة هى القائد الحقيقى فى هذه الحرب، ليس فقط بسبب المبالغ الكبيرة التى تنفقها الولاياتالمتحدة فى أوكرانيا، التى وصلت إلى 50 مليار دولار، لكن أيضاً لأن الحلفاء الأوروبيين كانوا مترددين فى المضى قدماً فى المساعدات بأنفسهم، وفضّلوا انتظار تعهد الولاياتالمتحدة بالدعم قبل المتابعة خطوة بخطوة، مشيرة إلى أن أوروبا مفككة فى نهجها تجاه أوكرانيا، وأنها بلا قيادة منذ أن بدأت الحرب، حيث لم تظهر أى دولة أوروبية كقاطرة تقود وراءها الاتحاد الأوروبى. وتابعت الصحيفة أنه مع قرار الولاياتالمتحدة خلال زيارة زيلينسكى تقديم أسلحة أكثر تطوراً لأوكرانيا بقيمة 1.8 مليار دولار تشمل بطاريات باتريوت لإسقاط الصواريخ الروسية، فمن المحتمل أن تحذو أوروبا حذوها، وهو ما يشير إليه إعلان وزير الدفاع البريطانى بن والاس قبل أسبوعين أنه سيكون منفتحاً بشأن إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا لتدمير مواقع إطلاق طائرات الدرون، إذا واصلت روسيا استهداف المناطق المدنية. وعما تعنيه زيارة زيلينسكى لواشنطن بالنسبة لمسار الحرب الروسية الأوكرانية، أجمع المراقبون ووسائل الإعلام العالمية على أن زيارة زيلينسكى لواشنطن بعثت برسالة مفادها أن الحرب مستمرة، وفى هذا الإطار، قال إريك هيرون، أستاذ العلوم السياسية فى «جامعة وست فرجينيا»، لمجلة «نيوز ويك» الأمريكية، إن الزيارة تبعث برسالة إلى المجتمع الدولى مفادها أن الدعم الأمريكى «لا يتزعزع»، مشيرًا إلى أن استقبال بايدن لنظيره الأوكرانى فى البيت الأبيض يوضح لروسيا مدى أهمية نضال أوكرانيا بالنسبة لهذه الإدارة. وتابع: «يعتقد الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، على الأرجح أن الاهتمام الأمريكى والأوروبى بأوكرانيا سينخفض بمرور الوقت، وأن كل ما عليه فعله هو التحلى بالصبر.. هذه الزيارة ترسل رسالة مفادها أن الدعم الأمريكى سيستمر». وفيما ينذر بتصاعد مسار الحرب، رأى الكرملين أن زيارة الرئيس الأوكرانى إلى الولاياتالمتحدة لم تظهر «أى نية للإصغاء إلى المخاوف الروسية»، معتبراً أن واشنطن تشن فى أوكرانيا «حرباً غير مباشرة» على موسكو. وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمترى بيسكوف فى مؤتمر صحفى عبر الهاتف: «حتى الآن نلاحظ بأسف أن الرئيس الأمريكى جو بايدن والرئيس زيلينسكى لم يقولا أى شىء يمكن اعتباره نية محتملة للإصغاء إلى المخاوف الروسية». واعتبر أن تزويد الولاياتالمتحدةأوكرانيا بأنظمة صواريخ «باتريوت»، وفقا لما تم إعلانه خلال زيارة زيلينسكى لواشنطن، لن يساهم فى تسوية الصراع بين موسكو وكييف كما أنه لن يمنع روسيا من تحقيق أهدافها. وأضاف بيسكوف: «لم تُسمع أى كلمة تحذر زيلينسكى من مواصلة قصف مبان سكنية فى بلدات وقرى منطقة دونباس، ولم تصدر دعوات حقيقة من أجل السلام». ورأى أن «هذا يشير إلى أن الولاياتالمتحدة تواصل حربا غير مباشرة على روسيا حتى آخر أوكرانى». وحسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن اعتراف بوتين «غير العادى» بالمشكلات التى عانى منها الجيش الروسى فى ساحات القتال قى أوكرانيا، خلال خطاب ألقاه أمام قيادات وزارة الدفاع فى موسكو، فى نفس اليوم الذى أظهر فيه نظيره الأوكرانى عرضًا للوحدة مع الولاياتالمتحدة، عكس «رسالة جريئة» مفادها: «ستستمر روسيا فى القتال.. بلادنا ستنتصر فى نهاية المطاف».