تترقب العواصم الإقليمية والدولية ومن قبلها المواطن اللبنانى نتائج الحوار بين الكتل السياسية، وهل فى لبنان سيفضى الحوار إلى انفراجه فى المشهد السياسى الحالك؟ ورغم أن لبنان شهد الأسبوع الماضى عاصفة رملية أثرت على نواحى الحياة هناك فإن أجواء الضباب السياسى لا يزال يخيم على المشهد اللبنانى وسط تباين واضح بين القوى السياسية المشاركة على جدول الأولويات التى تقود إلى الخروج من الأزمة السياسية الخانقة، والتى حددها رئيس المجلس نبيه برى بالانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات وتفعيل العمل الحكومى وملف النفايات، إذ تعتبر قوى 14 آذار أن الخطوة الأساسية للحل تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية تليها بقية الاستحقاقات، سواء على المستوى التشريعى أو الاتفاق على قانون للانتخاب أو تشكيل حكومة، فى حين أن قوى 8 آذار تقول صراحة إنها ذاهبة للحوار بنفس الشروط وأهمها المطالبة بانتخاب رئيس مباشرة من الشعب، أو إقرار قانون للانتخابات يليه انتخاب مجلس نيابى جديد يتولى اختيار رئيس الجمهورية، وبين هذين الرأيين يتربص الحراك المدنى بالمتحاورين خارج المجلس النيابى الذى يجتمعون فيه من خلال تظاهرة تطلق هتافات ضدهم وتتوعدهم بالمحاسبة، فى حين أن الوضع الاقليمى والدولى لا يشير إلى قرب وصول «كلمة السر» لإنهاء الفراغ إلى آذان النواب، بعدما أقر الجميع علانية أن حل الملف الرئاسى ليس لبنانيا. ووسط هذا المشهد الضبابى هناك نقطة أساسية يتفق عليها الطرفان، ألا وهى أهمية الحوار، وإن كان الجميع لا يراهن كثيرا على ما يمكن أن ينتجه لاحقا، إذ يرى المراقبون أنه حوار استيعابى لما يجرى على الساحة الداخلية من ضغط ومن حراك شعبي، ولن ينجحوا بالوصول لحلّ لبنانى للأزمات المستفحلة، لأن اتفاقهم بلا رعاية خارجية وبانتظار التسوية التى ستحصل على الساحة الإقليمية والدولية. وإذا كان الجميع يقر بأن حل معضلة الاستحقاق الرئاسى ليس لبنانيا بالرغم من أنه بند أول على جدول أعمال الطاولة، فالسئوال المشروع الذى يطرح نفسه ما الذى يمكن أن ينتجه على الساحة الداخلية؟ المحللون يرون أنه لا يمكن أن يكون الحوار منتجا إلا إذا تعهد حزب الله بأنه سيطبق ما يتم الاتفاق عليه، أو أنه سيتنازل عن أجندته الخاصة لصالح اللبنانيين جميعا، والشواهد تؤكد عدم نية حزب الله بذلك من خلال تصريحات مسؤوليه الذين يعتبرون رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون هو مرشحهم الأول للرئاسة، وبالتالى يكونون بذلك قد أسقطوا نية الحوار مسبقا. إلا أن مصادر قريبة من فريق 8 آذار يستبعد أن يتوصل المتحاورون إلى إحداث خرق فى ملف انتخابات رئاسة الجمهورية أو قانون الانتخابات لعده اعتبارات منها أن التفاهم على انتخاب الرئيس مسألة شبه مستحيلة لأن أسباب التعطيل التى منعت الانتخابات لا تزال هى نفسها، فمواقف الأطراف الداخلية لم تتغير، كما أن الأبعاد الخارجية لهذا الاستحقاق هى أيضا نفسها وبالتالى لم تحصل أى متغيرات خارجية تدفع الفرقاء المتحاورين إلى الاتفاق على شخص الرئيس أو حتى وضع مواصفات للرئيس. أما على مستوى قانون الانتخابات، هناك شبه استحالة بالوصول إلى قانون يعتمد النسبية ويعود ذلك إلى أن تيار المستقبل والنائب جنبلاط والكتائب يرفضون ذلك، لأنهم يريدون انتخاب رئيس الجمهورية قبل الانتخابات النيابية ولأنهم أيضاً يعتبرون أن اعتماد النسبية سيشكل انتصارًا للعماد عون، بالإضافة إلى تيار المستقبل الذى يضع شروطًا تعجيزية لاعتماد النسبية ومنها بشكل خاص سلاح المقاومة الذى يعتبره أنه يؤثر سلباً على مسار الانتخابات النيابية. لذلك تبدى المصادر قلقها من لجوء هذه الأطراف إلى «دفن رؤوسهم فى الرمال»، وعدم استشعار الخطر المحدق بالبلاد خصوصاً فى ظل الحراكات الشعبية التى تستقطب المزيد من المواطنين وفى ظل ما يحصل من تلكؤ فى معالجة أزمة النفايات بحيث بات يشعر الكثيرون أن هناك من يتعمد عدم حل هذه المعضلة لغايات وأهداف خاصة بهم. وإذا كانت المصادر تشير إلى أنّ السياسيين ينظرون إلى الحوار انطلاقاً من ذلك بأنّه «تمريرٌ للوقت»، وذلك بانتظار الحلّ الخارجى الذى سيأتى عاجلاً أم آجلاً، يبقى التحدّى الأساسى أمام الحراك الشعبي، وفقاً للمصادر نفسها، بأن يتحمّل هو المسئولية الملقاة على عاتقه، إذا كان فعلاً متحرّراً من كلّ الأجندات الخارجية، فيواجه محاولات الالتفاف بالتفافٍ من نوعٍ آخر، وذلك بأن يتحوّل إلى الرقيب على هذا الحوار، وهو قادرٌ على ضبط إيقاعه متى أراد، وقادرٌ على أن يفرض على المتحاورين أن لا يخرجوا إلا بحلّ عملىّ آن أوانه، من دون أن يسمح لأحد بتحويل حراكه إلى «تمثيلية» تشبه «تمثيلية الحوار»، أو أن يصبح بابًا لفوضى من أىّ نوعٍ كانت.