شهدت لبنان خلال الفترة الأخيرة احتجاجات شعبية، نظمتها حملة "طلعت ريحتكم" لانتقاد السياسيين اللبنانيين الذين عجزوا عن إيجاد حل لأزمة النفايات التي انتشرت في شوارع بيروت وسائر المناطق اللبنانية، التي تمثل بالنسبة للمراقبين حراكًا واسعًا للشارع اللبناني، وبينما هدأت هذه الاحتجاجات، شهدت لبنان مرة أخرى تظاهرات لأنصار التيار الوطني مطالبين بانتخاب رئيس للجمهورية، إلَّا أن الشعارات التي رفعها أنصار التيار متنوعة وركزت على انتخاب رئيس من الشعب مباشرة بعد شغور كرسي الرئاسة منذ عام ونصف، مما يعتبره المراقبون جرعة قوية تصب في مصلحة الجنرال ميشال عون للوصول إلى الرئاسة، الذي طالب بإصدار قانون جديد للانتخاب وإجراء انتخابات برلمانية، وانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، في حين ينص الدستور على أن ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية. ثمة معلومات تداولتها الصحافة اللبنانية أن في جوبعة مبادرة نبيه بري، رئيس مجلس النواب، والتي سيقوم على أساسها حوار بين المكونات السياسية، حلًّا قد يكون توافقيًّا وهو «عرض عون على المتحاورين الترشح للرئاسة وإذا لم يلقَ هذا الترشيح تأييد الجميع، يَدخل عون في ذلك الوقت في تسوية مع الآخرين ويكون بذلك «معبَرًا إلزاميًّا» إلى رئاسة الجمهورية على أن يكون له رأي مؤثّر في اختيار الرئيس الجديد، وتعيين صهره قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائدًا للجيش». وعلى صعيد متصل، تستمر الخلافات بين تكتلي 8 و 14 آذار، فعلي الرغم من القدرة الإعجازية التي تحافظ على استقرار العلاقة بين الفريقين، إلَّا أن التناقضات تشوبها في كثير من الأحيان، خاصة في أكثر المراحل حساسية من عمر العالم العربي، فالمشهد العام بين الكتلتين يشير إلى قطيعة ومواقف نارية حيال بعض المواقف والقضايا، خاصة حول ملف الرئاسة اللبنانية، التي تسعى قوى 14 آذار إلى حسمه دون التوافق بين الطرفين حول اسم معين. جاءت اجتماعات جلسات الحوار بين فريقي حزب الله والمستقبل منتظمة الانعقاد، على خلفية المخاطر التي استشرفها الطرفان، فضلًا عن الإمساك بزمام الأمور في البلاد كي لا تنزلق إلى ما لا تحمد عقباه، بعدما احتقن الشارع اللبناني على خلفية التناقض في الأزمة السورية، فضلًا عن أن الفريقين يعدان الكتلتين السياسيتين للمكون الأساسي لمجلس النواب والحكومة. وتبقى «جلسات الحوار»، على الرغم من المتغيّرات والتطورات والأعاصير والتعقيدات الأمنية والسياسية، والفشل السياسي الذريع الذي يمرّ على لبنان صامتة ولا تتأثر بشيء لا من قريب ولا من بعيد، لينعكس واقع بأن مجرد انعقاد الحوار واستمراريته إنجاز في ظل كل هذه الأجواء المشحونة المحتدمة، وأمام هذه الأجواء المعقدة سياسيًّا وأمنيًّا يدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط التهدئة في محاولة لرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين، من خلال دعوته إلى حوار، وعلى الرغم من تجاوب جميع القوى لدعوة بري باستثناء حزب القوات اللبنانية الذي لا يزال يدرس مشاركته، فإن بري يعتبر أن البلد أمام استحقاق مصيري، ويؤكد أن الحوار يتيح تمرير المرحلة الحالية بأقل خسائر ممكنة، رافضًا وضع الشروط قبل إطلاق الحوار، ووفق الرئيس بري فإن من يضع الشروط المسبقة عليه أن يعلم أن الشروط توضع عند التفاوض مع الأعداء أما حين يتعلق الأمر بأبناء الوطن الواحد، فلا يجوز وضعها مهما بلغ حجم الخصومة والتباين. بغض النظر عن أحقية المطالب التي رفعها المعتصمون في ساحتي رياض الصلح والشهداء مؤخرًا، هناك خلاصة واحدة لا يمكن إنكارها، أن الفوضى تقلق الشارع اللبناني، فكان من الممكن أن يكون التحرك المطلبي فرصة ذهبية، يُبنى عليها، لكن مع الأسف ضاعت بسبب سوء القيادة والتنظيم، الذي ظهر من أول تجمع كبير، بسبب تعدد الشعارات والمطالب، لدرجة لم يعد يعرف المتابع تحت أي عنوان يُطلب من المواطنين الاعتصام والتظاهر. ويرى محللون أن التحركات في الشارع كشفت حجم الأزمة التي تمر بها البلاد، وحجم معاناة المواطن اللبناني الذي يختزن العشرات من المطالب التي من الممكن أن تدفعه إلى رفع الصوت عاليًّا، لكنها في المقابل لا توصله إلى المرحلة التي يُهدم فيها الهيكل بشكل كامل، فهناك العديد من الخطوط الحمراء النفسية التي يرسمها لنفسه بشكل دقيق، أبرزها الأمن والاستقرار، وما حدث في البلدان المجاورة. في المقابل، لم تكن أغلب القوى بعيدة عما يحدث، وكل منها سعى إلى تحقيق أهدافه بطريقة أو بأخرى، بالتزامن مع متابعة اللاعبين الإقليميين والدوليين ما يجري بشكل دقيق، لاسيما أن لبنان ليست إلَّا ساحة في منطقة تشهد منذ سنوات صراعًا على النفوذ. من هذا المنطلق، رأى بعض المحللين أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، سعى من اليوم الأول على انطلاق "طلعت ريحتكم"، إلى التأكيد على "حقه" بالحصول على حصة من مناقصات النفايات، التي تعتبرها قوى المستقبل من "حقوق" فريق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مما دفع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى الردّ سريعًا على زعيم "الحزب التقدمي الاشتراكي"، أما "التيار الوطني الحر" فرأى أن الفرصة مناسبة لتسجيل بعض النقاط في معركته السياسية ضد القوى التي ترفض الاعتراف بوزنه السياسي والشعبي، خاصة فيما يتعلق بالمعركة الرئاسية.