شهور معدودة، يقل عددها عن أصابع اليد الواحدة، ويتسلم العاملون بحلف شمال الأطلسى «الناتو» المقر الجديد فى بروكسل، ولكن يبدو أن قيادة الحلف أرادت أيضا أن يواكب هذا المبنى الجديد مفهوم جديد لسمعة الحلف ومهامه خاصة فى منطقة الشرق الأوسط بعد أن تحول منذ انهيار الاتحاد السوفيتى من مجرد حلف عسكرى إلى منظمة سياسية وعسكرية، ورشة عمل حضرتها «أكتوبر» عقدت على مدار ثلاثة أيام، واختتمت الأسبوع الماضى وحضرها 25 صحفيا وإعلاميا مصريا.وتهدف ورشة العمل توضيح مفاهيم تتعلق بالحلف وبمهامه الجديدة وبمؤسساته العلمية والبحثية انصبت معظم أعمال الورشة على مهمة الحلف فى ليبيا فى أعقاب ثورات الربيع العربى، وتحدث مسئولو الحلف عن مبررات الضربة وما حققته، مجيبين عن جميع الأسئلة التى كانت فى معظمها انتقادات وجهت للحلف بسبب ترك ليبيا فى مستنقع الإرهاب وعدم قيام الحلف بمهمة كاملة فى الأراضى التى أصبحت مرتعًا مناسبًا للجماعات التكفيرية وعلى رأسها داعش، جميع اللقاءات كانت مع قيادات رئيسية فى الحلف ورؤساء أفرع وأقسام حساسة وسمح للصحفيين بالكتابة عن الورشة بشرط عدم تسجيل اللقاءات وعدم ذكر أسماء القادة فى أى بيان صحفى أو تقارير مكتوبة فى البداية تحدث مسئولون فى الحلف عن أنهم يواجهون مشكلة بسبب قلة المعلومات الحقيقية المتاحة عن الناتو، حتى إن أحدهم علق أن أبناءه اليافعين لا يعرفون الكثير عن الحلف وبالتالى لا توجد لديهم الرغبة فى الحديث عنه وما يقوم به من عمليات،حتى أن هناك مؤسسة متخصصة تقوم سنويا بعمل مسح ميدانى للسؤال عن الحلف ونشاطاته وكانت النتيجة دائما أن القليل فقط هم من يعرفون شيئا عن الناتو،مشيرين إلى أن الأممالمتحدة اعتبرت الحلف جزءًا مهمًا للغاية فى منظومة الحفاظ على السلام العالمى. وأكدت قيادات داخل الحلف على أنه من الضرورى تصحيح أى نظرة سلبية عن الحلف، والترويج الصحيح للناتو كى تعلم الشعوب ما هو الحلف، بعد أن عرفت النخب فى دول البحر المتوسط من خلال الحوار المتوسطى حقيقة هذا الحلف، ومن خلال الاجتماعات مع ممثلين لدول البحر المتوسط، كى يتم تفادى سوء الفهم الذى يولد التوتر، وهذا هو الهدف من مثل هذه الحوارات السياسية والاجتماعات المتواترة التى يقيمها ويعقده الحلف مع الصحفيين والإعلاميين وغيرهم من النخب ولفتت إلى أن الحلف يستمع للشركاء ومخاوفهم عن فرض سياسات عليهم عقب انهيار الاتحاد السوفيتى،مضيفين: «لابد أن يكون هناك تكامل بين مختلف المنظمات لإحلال السلام وتحقيق الأمن ومن خلال الحفاظ على خصوصية كل دولة وعدم التدخل فى شئونها الداخلية أو أعمال السيادة فيها، بحيث يتم تحقيق الأمن الإقليمى وتطوير الدفاعات وتتم مواجهة التحديات الأمنية التى تواجه الجميع. ضرب ليبيا وانتقل المسئولون بعدها للحديث عن العملية الوحيدة للحلف فى الشرق الأوسط وهى العملية العسكرية فى ليبيا، وأكد مسئولو الحلف أن الحلف كمنظمة لن يسمح بمزيد من العمليات العسكرية فى ليبيا ولا يمكن أن يتدخل من جديد إلا إذا توافرت الظروف القانونية التى تسمح ل 28 دولة أعضاء الحلف بالمشاركة وموافقة جميع الأعضاء للقيام بمهمة جديدة، وكذلك أن تكون هناك أهمية «قيمة مضافة» للمشاركة بمعنى عدم التضارب مع لاعبين آخرين «يقومون بمهمات مشابهة فى ليبيا»، كما يلزم عدم التدخل فى أعمال السيادة والأمن الوطنى لدول أخرى. وأوضح قيادى بالحلف ل «أكتوبر» على هامش الورشة أن الحلف لم يتدخل فى أى دولة إلا وكان معه طرف آخر، حلفاء غير منتمين للمنظمة، لتوفير المستوى الاستراتيجى والتكتيكى المطلوب، مضيفا: شاركنا فى العمليات فى ليبيا بموافقة الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبى. وأكد القيادى أن الحلف يتدخل لحل الأزمات فقط لجلب الاستقرار بمساعدة المجتمع الدولى ومنظمات فاعلة أخرى. ونفى المصدر أن يكون الحلف أداة فى يد الولاياتالمتحدة، بل تصدر أى قرارات بالإجماع وليس بالأغلبية، ولذلك فالوصول لقرار موحد من جميع الأعضاء ليس بالقرار السهل، مشيرا إلى أن العملية العسكرية فى ليبيا تمت بنجاح وحققت أهدافها ولكن كان يجب على المجتمع الدولى أن يقوم بدوره بعد العملية ويسعى لتحسين البيئة السياسية فى البلاد، متهما الليبيين أنفسهم بالتقاعس عن التعاون مع الحلف وعدم السعى لطلب المساعدة من المجتمع الدولى وبالتالى حققت قوى إقليمية مكاسب خاصة لها وسعت لتدمير ليبيا من الداخل وانتقد مصدر آخر من حلف الناتو التناقض الحادث فى أن يطلب البعض أن يتدخل الحلف فى حل الأزمة الليبية ومن ناحية أخرى ينتقدون العملية التى قام بها الحلف هناك مضيفا: أنه كان هناك ديكتاتور يذبح شعبه وذهبنا فى 2011 على أسس قانونية ومطالبات عربية من الجامعة ومجلس التعاون الخليجى، وبسرعة استطاع الحلف أن يفرض حظر الطيران ويحمى المدنيين. وأوضح القيادى فى الحلف أن الناتو بعد العملية لم تقدم له أى مطالب سواء من الليبيين أنفسهم أو من العرب بالمساعدة بل كل ما قدم إليهم هو المساعدة فى تكوين مؤسسات أمنية ثم سحبت هذه المطالبات بعد تغيير الحكومة، مشيرا إلى أنه لابد أن يكون هناك طلب صريح للمساعدة فى أى مجال «والليبيون كانوا يرون أنهم غير محتاجين ثم تطور الوضع الأمنى فى البلاد بما لا يسمح بأن يقدم أحد هذه المطالب، كما أن أطرافا أخرى كانت موجودة قد يتضارب ما تقوم به مع ما يمكن أن يقوم به الناتو». وأضاف المصدر أنه إذا قدم المسئولون الليبيون طلبات بالمساعدة فالناتو على استعداد للقيام بهذه المهمة مشيرا إلى أن الحلف لا يملك الشرعية فى الوقت الحالى بعد أن تطورت الأوضاع وتدهور الأمن فى ليبيا ولم يستطع الليبيون تحقيق ما يريدونه قائلا: «لا نريد التدخل إلا وفقا للقانون وبشرط حدوث اتفاق على بناء مؤسسات ليبيا من جديد». وتابع المصدر أن المسئولية لتحسين الوضع فى ليبيا لابد أن تتحملها أيضا الدول فى المنطقة بدعمها لوساطة الأممالمتحدة مشيرًا إلى أن: «ليبيا ضحية لتضارب المصالح بين العديد من الدول.. ونحن مسئولون عن دعم الحوار الذى يحاول برناردينو ليون أن يخلقه، بعد أن انتشر الإرهاب وحدث فراغ فى القوى استغلته «داعش». واستطرد المصدر أنه لابد للحلف أن يدعم جهود الأممالمتحدة لتوفير الأمن فى ليبيا من خلال الحوار وإجبار الجميع للجلوس على طاولة المفاوضات وبناء قدرات الدفاع والمؤسسات وتشكيل حكومة مركزية قوية قائلا:حان الوقت لأن يتحمل الجميع مسئولياته فى ليبيا ولايمكن أن تنسب كل الأخطاء فى ليبيا لحلف الناتو. واعترف قيادى فى حلف الناتو بعدم وجود خطط كافية من قبل الحلف لفترة ما بعد العمليات فى ليبيا على الرغم من اعتبار ما حققه الحلف هناك نجاحا، حيث إنه أسقط الطاغية «القذافى» –حسب وصفه - إلا أنه لم يتم تحديد وظيفة ومهمة محددة للحلف للقيام بها بعد العمليات العسكرية، وبالتالى لم يكن هناك تخطيط كامل لوقف تدفق الأسلحة، مطالبا أن يتم التعامل مع الأزمة الليبية على مستوى أممى بحيث يستطيع الناتو المشاركة مجددا إذا طلب منه ذلك. كشف جديد وكشف أحد القادة عن أنه حضر للقاهرة قبيل الضربة العسكرية التى قام بها الحلف فى الناتو وقابل مسئولون بالجامعة العربية وأخبروه أن ما تريده الجامعة هو فقط ضربة جوية دون إبرار بحرى باستخدام السفن ولا قوات مسلحة على الأراضى الليبية حيث إن الدول العربية لن تقبل أن تكون هناك قوات دولية للناتو فى أى دولة عربية، وبعدها طلب من الحلف منع دخول الأسلحة من البحر وحظر الطيران على ليبيا وحماية المدنيين وبين المسئول أن دول الحلف لم يكونوا موافقين على التدخل فى ليبيا حتى لا يقال إن الغرب يهاجم بلدا عربيا، وطلب الأعضاء قرارا من مجلس الأمن وهو ما حدث. وحول تسهيل الأتراك لعبور الإرهابيين من الأوروبيين والجنسيات الأخرى للأراضى السورية والعراقية رفض مسئولو الحلف توجيه أى اتهامات ل «أنقرة» مؤكدين أن تركيا وكل أعضاء الحلف يعملون من أجل استقرار المنطقة إلا أنهم اعترفوا ضمنيا بأن تركيا لا تستطيع ضبط الحدود وهناك من يهرب من السلات ويعبر الحدود. وقال مسئولو الحلف إن الناتو يقوم بدعم التحالف الدولى ضد داعش وكل الأعضاء يقومون بذلك ومن الخطأ أن يقول أحد إن تركيا تقوم بهذا العمل. وحول رأى الحلف فى الاتفاق الإطارى مع إيران عبر مسئولو الحلف عن رضائهم على هذا الاتفاق، مؤكدين أنه سيرسى ضمانات لمراقبة المنشآت النووية هناك بما يضمن عدم امتلاك إيران لسلاح نووى لمدة 15 عاما على أقل تقدير. وقال مسئولو الحلف إن الناتو لديه لجنة خاصة لمنع انتشار الأسلحة النووية، ولكن يجب على المنطقة أن تسوى صراعاتها الداخلية، مضيفين أنهم يشهدون صراعا مقلقا للغاية بين السنة والشيعة وحل هذه المشكلة ليس من اختصاص الحلف. العراق وداعش ولفت قياديو الحلف أن الحلف لا يتدخل بشكل مباشر فى محاربة «داعش» ومكافحة الإرهاب، حيث إن الدول أكثر دراية بهذه الجماعات المتطرفة وإن كان قد يتم دعم هذه الحكومات فى إطار طلب تدخل مباشر من قبل مجلس الأمن الدولى،كما يتم تبادل المعلومات المخابراتية التى تتعلق بالإرهابيين مع كل الدول سواء أعضاء الحلف أو خارجه. وأكد مسئولو الحلف على أن الناتو يرفض التدخل فى العراق، لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابى بسبب وجود ائتلاف دولى يقوم بهذه المهمة تقوده أمريكا، مشيرين إلى أن هذا الحلف يبلى بلاء حسنا، كما أن أعضاء الحلف يشاركون فى التحالف ولكن ليس تحت مظلة الحلف. وأكد المسئول أن الناتو ليس هو المنظمة المنوط بها مكافحة الإرهاب وكل ما يستطيع أن يقوم به يتلخص فى إطار تبادل المعلومات الاستخباراتية وعدم السماح للراديكاليين بالعودة من العراق وسوريا للدول أعضاء الحلف من خلال رصدهم. ونفى المسئول أن يكون الحلف يبيع أسلحة لأحد. الإخوان المسلمون وعند سؤال قيادات الحلف عن جماعة الإخوان المسلمين وأنها أصل جميع الجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط والعالم، رفض مسئولو الحلف الاعتراف بذلك، مؤكدين أن الجماعة هى حركة بداخل مصر وهناك أعضاء لها مندمجون فى شبكات العنف ولكن أيضا هناك أعضاء منضمون لشبكات خيرية - حسب وصفهم - بمعنى أن الجماعة لها جانب اجتماعى لابد من مراعاته عند الحكم عليها. وتابع المسئولون بالحلف أن أى عملية إرهابية تقوم بها الجماعات الإرهابية أو الإخوان المسلمين يتم إدانتها على الفور من قبل الحلف كما يتم التنسيق المعلوماتى لمنع أى من هذه العمليات من خلال التعاون مع الحكومة المصرية. وأكدت قيادات الحلف على أن موضوع جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها إرهابية من عدمه لابد أن تتولاه الدول التى تتواجد بها الجماعة،مضيفين أنه ليس من المفيد أن يعبر الناتو عن رأيه بشأن الإخوان. وأشارت القيادات إلى أن الصراع الأيديولوجى لابد أن تخوضه مؤسسات الدول الإسلامية وليس الناتو، موضحا أنه لا يمكن للناتو أن يتدخل فى الأديان أو ينصح العلماء فى المساجد ماذا يقولون ولابد لكل دولة أن تبحث عن حل لمشكلة التطرف. كما رحب مسئول فى الحلف بتأسيس القوة العربية المشتركة، مشيرا إلى أن التنسيق والجهد المشترك كان غائبا فى كثير من القضايا معزيا ذلك إلى اختلاف اهتمامات ومصالح الدول العربية. وأضاف المسئول أن تأسيس مثل هذه القوة يعد بداية ومؤشرا جيدا على أن دول المنطقة باتت تحمل مسئولياتها تجاه أمن المنطقة والحفاظ على السلم والأمن فيها. وأوضح المسئول أن التحديات فى هذه الأيام واسعة وكبيرة ولا توجد دولة وحدها تستطيع التعامل مع هذه التحديات. وحول القضية الفلسطينية أكد المسئولون فى الحلف على أهمية حلها لضمان السلم والأمن فى المنطقة إلا أنهم أوضحوا أن هذا لا يعنى أن الحلف لديه القدرة على إحلال السلام فى كل مناطق العالم وخاصة أن القضية الفلسطينية من المشكلات التى ينظر إليها الحزب باعتبارها مشكلة طويلة الأجل، مشيرين إلى أنهم ليس لديهم تفويض أممى للتدخل فى هذه القضية ولم يطلب منهم الفلسطينيون أنفسهم القيام بدور فى حل هذه القضية. وقالت قيادات الحلف إن الناتو ليس كالأممالمتحدة وليس عليه أن يحل كل مشاكل العالم، والفلسطينيون أنفسهم لم يطلبوا المساعدة، والناتو ليس طرفا متداخلا فى المشكلة الفلسطينية ولكنه يؤيد وبشدة حل الدولتين.