تطهير وزارة الداخلية كان أحد أهم مطالب ثورة 25 يناير الذى ظل الثوار يرددونه فى كل وقت وحين وكان مستندا منذ بداية انطلاقه وحتى الآن على قاعدة أساسية ومهمة وهى «احترام حقوق الإنسان» التى وبلا شك كانت تتعدد صور انتهاكها فى الأقسام والسجون بل وتطور الأمر إلى الشوارع والميادين «عينى عينك». وقد أولت الدولة اهتمامًا كبيرا لهذه المطالب وكان ملفًا ساخنا وحيويا على مكتب كل وزراء الداخلية منذ اندلاع الثورة وحتى الآن غير أنه فى وقت معين تحول هذا المطلب وتغير اسمه إلى «هيكلة الداخلية» وهو فى الحقيقة كان «حقًا يراد به باطل». وكان مصطلحًا خبيثا يردده الإخوان من أجل احتراق الوزارة وتصفيتها من قياداتها وكوادرها وكفاءاتها التى يندر وجودها فى جهاز أمن بالمنطقة كلها وكانت الذريعة الزمنية هى الانتقام غير أن بعض وزراء الداخلية تصدوا لهذا المشروع الخبيث وتمسكوا بمصطلحات أكثر منطقية وهى تطوير العمل فى الوزارة ورفع كفاءة رجالها وتشديد الاجراءات والعقوبات على كل متجاوز ومخطئ بالاضافة إلى التأكيد على أهمية احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون دون تمييز وبدأت الداخلية فى التنفيذ وعادت الروح إليها من جديد غير أن هناك بعض الحالات الفردية التى لا تمثل ظاهرة تحدث من وقت لآخر ليعود الحديث عن المادة الهيكلة والتطهير من جديد بهدف إثارة الفتنة وضرب الجهاز الأمنى ليسقط مثلما حدث فى أعقاب ثورة يناير وأزمة «الحذاء» التى حدثت بين المحامين والداخلية مؤخرًا وتدخل الرئيس لنزع فتيلها أعاد الحديث فى هذا الأمر من جديد وعاد الحديث من الحق الذى يراد به باطل فكل الأجهزة بها تجاوزات وفساد والحل فى التقويم وليس الهدم. هذا التقويم كيف يتم وما هى مراحله ومن الذى يقوم به؟ يتحدث عن ذلك خبراء الأمن والقانون المتخصصون فى مجال حقوق الإنسان خلال سطور التحقيق التالى: د. أشرف الدعدع رئيس مؤسسة الانتماء الوطنى لحقوق الإنسان يشير فى بداية حديثه إلى دراسة للأمم المتحدة تطالب بضرورة إيجاد أرضية مشتركة للتعاون ما بين أجهزة إنقاذ القانون والمواطنين من خلال التدريب المكثف لقيادات الشرطة على المعايير الدولية للتعامل مع الجمهور .. والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى طباعة أوراق تعريفية بحقوق المواطنين فى التعامل مع أجهزة الشرطة على أن يتم توزيع هذه الأوراق على نطاق واسع بحيث تصل لكل المواطنين، ووضع هذه الأوراق فى أماكن ظاهرة فى أقسام ومراكز الشرطة، كما طالبت دراسة بضرورة ان تقوم الأجهزة الشرطية بالإفصاح عن الانتهاكات التى ربما يقوم بها بعض من ينتسبون إليها مع الإفصاح عن نتائج التحقيقات بغرض تعريف المواطنين ضد من يثبت عليه قيامه بأية انتهاكات ضد أى مواطن.. ويتم ذلك فى إطار من الشفافية والحيادية والموضوعية، وعلى أجهزة الشرطة التعاون مع المنظمات الحقوقية المصرية المعنية برصد وتوثيق الانتهاكات بغرض توضيح وإعطاء البيانات المطلوبة حتى يتسنى لهذه المنظمات الوقوف على الحقائق أولاً باول. ويضيف الدعدع قائلا: إن الانتهاكات التى كانت تحدث قبل ثورة 25 يناير قَّلت كثيرًا، إلا أنه يود المزيد من التعاون فى الإفصاح عن المعلومات فى بعض الادعاءات حتى يستطيع المواطن الاطلاع عليها للتعاون مع الشرطة فى مجال حماية الأمن الداخلى، ودعم المواطن للشرطة من خلال الإدلاء بالمعلومات المتاحة حول الجرائم المختلفة عندما تحدث مما سيؤدى إلى إيجاد جسور بين المواطن والأجهزة الأمنية، والتقليل من شكاوى المواطنين بخصوص الانتهاكات. دمج لا تفكيك وفيما يتعلق بموضوع هيكلة وزراة الداخلية يرى د. أشرف الدعدع أن معنى إعادة الهيكلة لا يعنى تفكيك الإدارات والمصالح الشرطية، ولكنه يهدف إلى الدمج بين بعض الإدارات، بالإضافة إلى إلغاء بعض الإدارات الأخرى، بحيث يقوم بأعمال الإدارات الملغاة موظفون مدنيون مثل إدارة الجوازات وإدارة المرور ومصلحة الأحوال المدنية بغرض تخفيف الأعباء الإدارية والأمنية عن كاهل جهاز الشرطة حتى يستطيع الجهاز التفرغ للعمل الأمنى وحماية أمن المواطنين. وإعادة الهيكلة لا تعنى هدم وزارة الداخلية، فقد حدث خطأ كبير مازلنا نعانى منه بعد ثورة 25 يناير فقد تعرضت وزارة الداخلية لهجمة شرسة من القوى الظلامية لتدميرها وبعد فشلها تمت ممارسة ضغوط هائلة على الوزراة حيث تم تسريح مئات الضباط الأكفاء واحالتهم إلى المعاش، مما تسبب فى حدوث إهدار كبير لخبرات كبيرة فى إدارة ملفات هامة مثل ملفات الإرهاب والمخدرات وملفات أخرى مثل قضايا التجسس. البداية من كلية الشرطة ويرى أحمد قابيل المحامى بالاستئناف العالى أن عملية هيكلة وزارة الداخلية تبدأ من إعداد الطالب فى كلية الشرطة والذى يجب أن يكون حاصلاً على أعلى الدرجات فى الثانوية العامة، واجتاز كافة الاختبارات دون وساطة خاصة الاختبارات النفسية وهى كشف الهيئة ولابد أن تكون نفسية الطالب سوية وليست بها أية عوائق تؤثر سلبًا على عمله عندما يصبح ضابطًا.. وليعلم كل طالب بكلية الشرطة أنه يؤدى رسالة وخدمة للمجتمع والشعب وليس ممارسًا لسلطة تعسفية وأن يلتزم بمواد القانون والدستور، ومن ضمن شروط الهيكلة إعادة النظر فى كيفية إجراء الرقابة وحصر المخالفات وتوقيع العقوبات المناسبة كإجراء إدارى من قبل الوزارة قبل تدخل الجهات القضائية الأعلى، وبذلك تكون وزارة الداخلية مراقبة لنفسها.. ولابد أن يكون لدى الوزارة جهاز تفتيش فعال يراقب كل رجال الوزارة مهما علا شأنهم وعند حدوث أى تجاوزات تكون هناك محاسبة فورية وعقوبة رادعة. ويضيف قابيل: القانون كفيل بتنظيم العلاقات بين أفراد الشرطة وباقى أفراد المجتمع سواء كانوا محامين أو مواطنين وكذلك الأشخاص الاعتبارية «الهيئات والمصالح».. وإذا تم تطبيق القانون دون تمييز فإنه لا خوف على الجميع أو على حقوق الأطراف جميعها والشرطة المصرية وغيرها من الهيئات مطالبية جميعها بمكافحة الفساد أى كان نوعه. وفى المقابل لابد من زيادة الأجور والمرتبات حتى يتم سد فجوة طالب الرشوة إلى جانب ذلك لابد من توعية دينية وأخلاقية تقوم بها أجهزة الإعلام والمنابر الدينية وحث المواطن على الالتزام بالأخلاق والسلوك السوى، وعدم أخذ حقوق الغير والتعدى عليها عن طريق المحسوبية والرشوة والفساد بشكل عام.. ويشمل ذلك توعية النشء بخطورة الرشوة التى تفسد المجتمع سواء الراشى أو المرتشى لأنها تعطى الحقوق لغير مستحقيها وتخلط الحق بالباطل وتؤدى إلى حدوث المظالم واختلال حركة المجتمع. القانون ويوضح المستشار رجب أبو الفضل رئيس جمعية حقوق الإنسان بالقليوبية أن المادة 94 من الدستور ذكرت أن سيادة القانون هى أساس الحكم فى الدولة المصرية.. وبالتالى فإن القانون يكون أعلى من أى تصرف. وهيكلة وزارة الداخلية أمر لابد من تنفيذه، لأن هناك تجاوزات شخصية تحدث للعديد من المواطنين داخل وخارج أقسام الشرطة ولا يتم الإبلاغ عنها لخوف المواطن من البطش به، لذلك فإن أى ضابط أو فرد يخرج عن القانون أو يخترقه يجب استبعاده من جهاز الشرطة أو تحويله إلى عمل إدارى داخل الوزارة لا يتصل بالمواطنين، وهذه عقوبة تأديبية. ومن ضمن إجراءات الهيكلة تعميم الرقابة من كبار مسئولى الشرطة على كافة الأقسام والمراكز فى جميع أنحاء البلاد، وعدم الاعتماد على التقارير المكتوبة التى تكون غالبًا شكلية مغايرة للحقيقة ومخالفة للواقع، وتظهر صورة وردية لاستتباب الأمن والنظام ومن ضمن إجراءات الهيكلة إجراء التنقل المستمر بين الضباط، وعدم استمرارهم لفترات طويلة فى مقار أعمالهم بالمراكز والأقسام.. لأن هذا يسبب مفسده فى طريقة العمل لإحاطة المعارف والمحاسب بالضابط، وحدوث الخصوصات بين بعض الأشخاص والعائلات تجاه الضباط.. ولذلك لابد من إجراء عمليات التنقل حتى يتم القضاء على هذه الظاهرة السلبية فى أجهزة الشرطة ومن الهيكلة القضاء تمامًا على الوساطة، لأنها موجودة حتى الآن وتؤدى إلى ضياع حقوق البعض، وكذلك ممارسة الظلم عليهم. ومن الهيكلة منع الضرب والتعدى والتعذيب للمواطن داخل أقسام الشرطة، وهو عمل غير قانونى وغير إنسانى حتى مع المتهمين الذين لهم حقوق كفلها القانون أولها: أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته كما نصت بذلك المادة 96 من الدستور. الهيكلة أمر مُلح ويؤكد عادل بدوى عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين أن مطلب إعادة الهيكلة أصبح مُلحًا، وقد طالبت به ثورة يناير وكان ضمن مطالبها الأساسية، وحتى الآن لم يتم.. لأنه لا تزال سلوكيات بعض الضباط والأمناء تحمل بين طياتها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان!. وعلى ذلك لابد من إعادة صياغة سلوكيات ضباط وأفراد الشرطة بشكل عام، حيث تحترم من خلالها حقوق الإنسان الأساسية، وهى عدم الإيذاء البدنى أو المعنوى بالقول أو بالفعل أو بالإشارة.. وكذلك وقف حجز المواطن بأقسام الشرطة دون سند قانونى، ودون علم النيابة العامة.. وهناك اختفاء قصرى يمارس على بعض المواطنين، ويتم أحفائهم عن ذويهم لأسباب قد تكون سياسية أو جنائية. وهذا أو غيره كثير يؤدى إلى صنع جدار من الكراهية لجهاز الشرطة نحن فى غنى عنه. ويواصل بدوى حديثة قائلًا: إننا نحتاج إلى صياغة جديدة للتعامل بين الأفراد ووزارة الداخلية ومع المحامين فى أقسام الشرطة، وكذلك السجون. وأى بلد محترم فى العالم بأسره تصان فيه حقوق المحامى فى التيسير له فى عمله أو إتاحة الفرصة بالاطلاع على المحاضر والأوراق بشكل أساسى دون حدوث تصادم، وإعطائه الحق فى الاطلاع على الموقف القانونى للمتهم، وإعطائه الحق بتفقد أحوال موكليه داخل أقسام الشرطة والسجون حتى يتيقن من حسن معاملة المتهم داخل مكان احتجازه. ويطالب عضو لجنة الحريات ب «المحامين» بإنهاء جرائم التعذيب التى تحدث حتى الآن مهما كانت التهم المنسوبة للمتهم، حتى يتم التوصل إلى الأحكام القضائية الباتة، ومنع انتزاع الاعترافات من المتهم، وكذلك الزج ببعض المواطنين وايداعهم السجون بسبب آرائهم السياسيةن وعلى جهات التحقيق مواصلة عملها عما إذا كان المتهم ارتكب الجرم من عدمه، حتى لا ينسحب رجل الأمن نفسه قاضيًا وجلادًا فى وقت واحد، وهو أمر يتصادم مع العدالة والقانون المصرى، وكذلك القوانين والمواثيق والأعراف الدولية. وينهى عادل بدوى حديثه لكى تتم الهيكلة المنشودة يجب تغيير بعض القيادات الشرطية التى انتهجت سلوكًا مناهضًا لحقوق الإنسان، والتى استخدمت التعذيب والقسوة مع المتهمين خاصة المحجوزين فى قضايا الرأى، وحتى القضايا الجنائية فإنه يجب احترام حقوق المتهمين الذين يقضون فترة الحبس الاحتياطى، كان لهم حقوق كفلها القانون يجب الالتزام بها واحترامها وصونها. القاعدة العريضة ويؤكد اللواء عبد الرؤوف صالح رئيس مباحث أمن الدولة السابق أن التصرفات الفردية لبعض ضباط الشرطة لم تصل لحد الظاهرة، والأخطاء تحدث داخل كل الفئات، لافتًا إلى أن القاعدة العريضة للشرطة بخير وملتزمة باحترام سيادة القانون، وقد استحدثت وزارة الداخلية قطاع حقوق الإنسان يحقق فى أى شكوى يتقدم بها أى مواطن أو سجين، وإذا ثبتت أية إدانة أى ضابط يرتكب مخالفة فأنه يحول على الفور إلى المحاكمة. مضيفًا أن هناك حالات يحدث فيها خطأ مشترك بين المحامين والضباط ويتم خلاله تحويل الطرفات للمحاكمة، كما حدث فى واقعة نائب مأمور قسم دمياط عندما اعتدى على المحامى، وهذه كلها تصرفات فردية مشيرًا بواقعة سيدة المطار فقد تمسك الضباط بضبط النفس مع هذه السيدة بالرغم من أنها استفزت الضابط وأهانته وتم تصوير الواقعة. عادل مكى رئيس جمعية الأمم لحقوق الإنسان يطالب المحامى بمعرفة حقوقه وواجباته عندما يذهب إلى قسم الشرطة.. ويرى بعض الضباط أن دور المحامين يبدأ فى النيابة العامة ومن هنا تحدث المشكلة، والتى تتلخص فى عدم دراية بعض الضباط للدور المهم للمحامى، كما الضابط الذى يبذل مجهودًا جبارًا فى تحقيق قضية سلاح أو قضية مخدرات، فإن المحامى يأتى بثغرات فى القانون لمحاولة تبرئة المتهم، حتى تخلى النيابة سبيله. وهناك ضغوط يمارسها بعض المحامين على بعض ضباط الشرطة فى المحكمة ومن هنا يمكن أن تتولد كراهية بين الطرفين. ولحل مثل هذه المشاكل يجب حضور المحامى عند كتابة المحاضر خشية أن يقوم البعض بتلفيق بعض التهم للمتهمين.. والقانون يستوجب حضور المحامى مع المواطن المستدعى إلى قسم الشرطة لمتابعة سير التحقيق. ويشير إلى أنه من الضرورى إجراء دورات تدريبية لكل من ضباط الشرطة والمحامين حتى يعرف كل منهما دوره الذى يجب ألا يتخطاه، وتجب معاقبة من يثبت أنه ارتكب عنف ضد أى مواطن، ومنعه من العمل فى مهنة المحاماه عنه يترك منصبه فى الشرطة. واجبات وحقوق أما اللواء نبيل لوقا بباوى عضو مجلس الشورى السابق فيرى أن العلاقة بين ضباط الشرطة والمحامين هى علاقة عمل، وعلى كل طرف معرفة واجباته وحقوقه فى حدود ما نص عليه القانون. ويطالب بباوى بإجراء حوار مباشر بين وزارة الداخلية ونقابة المحامين حتى نستطيع سد الفجوة التى حدثت بين الطرفين فى الفترة الأخيرة، وإعادة الوئام والتوافق بين الطرفين، وألا يكون الاجتماع المشترك بين الطرفين عابرًا بل يجب أن يناقش كل الموضوعات والقضايا المختلف عليها بين الطرفين، وأن يعمل الطرفان على تقويم السلوك الفردى لبعض الضباط والمحامين لكى يتفق مع صحيح القانون، ويجب أن يعذر الطرفان بعضهما البعض لما تمر به البلاد من ظروف طارئة وشد للأعصاب.. ولابد أن يكون هناك احترام متبادل بين الضباط والمحامين وكذلك بين كافة المواطنين المتعاملين مع جهاز الشرطة.