لم تكن المرة الأولى التى تشهد فيها السعودية جريمة إرهابية يكون ضحاياها من المدنيين والأطفال، لكنها المرة الأولى التى يلعب فيها الإرهاب على وتر الطائفية، بحثًا عن زرع الفتنة بين المواطنين، ومحاولات إحداث وقيعة طائفية بين مكونات المجتمع السعودى الواحد. حادثة الدالوة بمحافظة الإحساء التى راح ضحيتها عشرة أشخاص وإصابة آخرين بجروح، محاولة «داعشية» لخلط أوراق المجتمع السعودى، وإشعال نار الفتنة بين السُنّة والشيعة، كان التنظيم يأمل من أبناء الإحساء أن يتهموا السُنّة بهذه العملية، ويثأروا لقتلاهم باستهداف تجمعات سنية فى المنطقة أو غيرها، لتبدأ دورة عنف أهلى لا نهاية لها.. لقد فشلت المحاولة بفضل وعى وثبات الإحسائيين ويقظة الأمن السعودى. فقد كان المصاب مشتركًا لكل الوطن، فالمواطنون الشيعة والجنود الذين قضوا فى تأدية واجبهم كلهم رجال خسرهم الوطن، ولم تخسرهم طائفتهم أو فرقتهم العسكرية. والملحوظ أن خلية الدالوة اختارت طريقًا مختلفًا عن هجمات تنظيم القاعدة طوال تاريخها الدموى فى السعودية، إذ كانت تشن هجماتها فى السابق ضد رجال الأمن والمنشآت الحيوية وتجمعات المقيمين الغربيين، إلا أن خلية الدالوة اختارت طريقًا طائفيًا بعد استهدافها حسينية فى يوم «عاشوراء»، وهى محاولة تهدف إلى ضرب المجتمع وتقسيمه طائفيًا، بعد الفشل الذى تعرضت له «القاعدة» فى السعودية منذ عام 2003. «القاعدة» منهارة منذ فترة طويلة فى السعودية، وفى كل مرة تحاول إحياء نشاطها تقابل بخسائر قوية، وهو ما دفعها من جديد للاعتداء على الشيعة فى محاولة يائسة لإنجاح مخططاتهم، لكن هذه المحاولة فشلت أيضًا من خلال ما أظهره السُنّة والشيعة من تلاحم واستنكار لتلك الجريمة. الوزراء والعلماء وقد أعرب مجلس الوزراء عن استنكاره لحادث الاعتداء الذى نفذه مسلحون على مجموعة من المواطنين بمنطقة الإحساء، واصفًا منفذيه بأنهم «حاقدون استباحوا دماء المسلمين من دون وجه حق». كما وصف المجلس الحادث بأنه «عدوان إرهابى ظالم» وقدم المجلس تعازيه لأسر ذوى المتوفين والجرحى، وأشاد بما أبداه رجال الأمن من «عزم على تنفيذ مهامهم فى التصدى لمخططات جميع من يقومون بهذه الأفعال الخارجة عن تعاليم الدين الإسلامى وتدعو إلى إحداث الفوضى فى الأمة». وكانت هيئة كبار العلماء قد سارعت بإصدار بيان استنكرت فيه الحادث الإجرامى فى محافظة الإحساء. وقال الأمين العام للهيئة الشيخ الدكتور فهد الماجد إن «هذا الحادث الإجرامى اعتداء آثم وجريمة بشعة يستحق مرتكبوه أقسى العقوبات الشرعية لما انطوى عليه من هتك لحرمات النفس والأمن والاستقرار وحياة المواطنين الآمنين». ودعا الدكتور الماجد جميع المواطنين إلى الامتثال لأمر الله تعالى «فى أن يكونوا صفًا واحدًا تجاه هؤلاء المجرمين الخونة لتفويت الفرصة على أعداء هذا الدين وهذا الوطن الذى يطمعون فى النيل من وحدتنا واستقرارنا»،هذا وقد أصدرت الحكومة تعميمًا على خطباء صلاة الجمعة الماضية لإدانة جريمة الإحساء ونبذ الطائفية من كل مسجد فى البلاد. جهود أمنية وكانت الأجهزة الأمنية قد نفذت عمليات لإيقاف بعض المطلوبين ممن لهم علاقة بحادثة قرية الدالوة، حيث جرى إيقاف 35 شخصًا من الجنسية السعودية وواحد يحمل الجنسية التركية. وفى تصريحات صحفية للواء منصور التركى المتحدث الأمنى لوزارة الداخلية السعودية أكد أن العمليات الأمنية مازالت مستمرة والحصيلة قابلة للارتفاع، مشيرًا إلى أنه سيتم إعلان نتائج التحقيقات عن كل ما يتعلق بالجريمة الإرهابية وأبعادها وذلك بعد استكمالها. وكانت مواجهة سابقة وقعت فى محافظة بريدة نتج عنها مقتل 3 من المطلوبين واستشهاد 2 من رجال الأمن. وأكد المصدر أن بعضًا من الذين قبض عليهم شاركوا فى أماكن الفتنة والقتال خارج المملكة، وآخرين لهم سوابق أمنية فى الداخل. فى بيان يحمل دلالات قوية ضد الإرهاب، ويؤكد على أهمية اللحمة الوطنية تحت شعار دولة التوحيد السعودية، نشرت مجموعة من المثقفين والاقتصاديين السعوديين الشيعة بيانًا تحت عنوان «سعوديون بلا أقواس» قالوا فيه إنهم مع وحدة الوطن ومدينون للاعتداء الإرهابى، معتبرين ما حدث بقرية الدالوة «اعتداء سافرًا على سيادة المملكة العربية السعودية، ومحاولة نكراء للعبث والاستهتار بأمنها، وبنسيجها الوطنى وتهديدًا نوعيًا للسلم الأهلى» مع التشديد على أن «الأمن الوطنى والعيش المشترك أمور غير قابلة للمساومة والتنظير» معلنين أنه «رغم فداحة المصاب وعمق الجرح الذى تسببت به هذه الجريمة، فإنها قد رسمت خطًا فاصلًا بين ما قبلها وما بعدها، فقد سبق للإرهاب أن وجه تهديدات إلى المملكة فى مقامرة على التنوع الذى بوجوده نجح مشروع التوحيد التأسيسى، واتضح بعد الجريمة أن هذا التنوع لا يشكل ورقة رابحة فى يد المقامر، بل إن التنوع عامل قوة للبلاد وأهلها». لا شك أن هذا البيان التاريخى هو بمثابة درس لكل من يعلى قيمة الوطنية، والشراكة فى الوطن، وهو نهج السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز، حيث قامت على المواطنة، وإعلاء الحق، واستتباب الأمن، وليس إثارة النعرات والطائفية، وليس من حق أحد مهما كان أن يفرض رؤيته الطائفية، وتقسيم مواطنى بلاده درجة أولى ودرجة ثانية. إدانة مصرية وقد سارعت مصر باستنكار الحادث الإرهابى بالأحساء، وقال المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية السفير بدر عبدالعاطى: «إن مصر تستنكر بشدة الحادث الذى وقع بالأحساء»،وقدم تعازى مصر للمملكة العربية السعودية ولشعبها الشقيق. وأكد أن هناك تعاونًا وثيقًا بين البلدين لمكافحة الإرهاب والعنف فى المنطقة العربية، مطالبًا بضرورة تضافر الجهود الدولية والعربية من أجل القضاء على الإرهاب والعنف فى المنطقة.