جاء التقدم الذى أحرزته موسكو وكييف فى المفاوضات التى جرت بينهما بوساطة أوروبية فى العاصمة الألمانية برلين بشأن أزمة الغاز بينهما ليمثل انتصارا جديدا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ضغوطه على حكومة كييف الموالية للغرب. وفى هذا السياق، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إن الخطوط العريضة للاتفاق المبدئى لإعادة تدفق الغاز الروسى إلى أوكرانيا تظهر تحول الكرملين من استخدام الضغوط العسكرية إلى استخدام الضغوط الاقتصادية لمحاربة جهود أوكرانيا للتقارب مع الغرب، حيث ينص الاتفاق على دفع السلطات الأوكرانية ما قيمته 3,1 مليار دولار من الديون لشركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة بحلول نهاية السنة الجارية فى مقابل تزويد الشركة لأوكرانيا بنحو خمسة مليارات متر مكعب من الغاز فى الأشهر الستة المقبلة بشرط الدفع المسبق. وكانت روسيا قد أوقفت إمدادات الغاز إلى أوكرانيا فى يونيو الماضى بسبب خلاف حول تأخر كييف عن تسديد فواتير مستحقة. وأشارت الصحيفة إلى أن سعر 385 دولارا لكل ألف متر مكعب من الغاز - الذى رفضته كييف من قبل - هو أعلى من متوسط ما تتقاضاه غازبروم من الكثير من عملائها بالغرب وهو أيضا أكثر بنسبة 40% مما كانت أوكرانيا تدفعه قبل الإطاحة بالرئيس السابق الموالى لروسيا فيكتور يانوكوفيتش فى فبراير الماضى، إلا أن كييف اضطرت للموافقة مبدئيا على التسوية تحت وطأة المتاعب الاقتصادية بالداخل والضغط من جانب أوروبا بعد التهديدات من جانب موسكو بقطع تدفق الغاز عبر أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبى التى تعتمد على روسيا لتوفير أكثر من ثلث وارداتها من الغاز. وجاءت موافقة كييف على التسوية المبدئية بعد إعلان المجر المفاجئ عن تعليق لأجل غير مسمى تسليم الغاز لأوكرانيا متعللة بتزايد الطلب عليه داخليا، إلا أن الحقيقة أن تغير موقف المجر نتج عن الضغط الروسى عليها بعدم المشاركة فيما يعرف ب «الإمدادات العكسية» وكانت إمدادات الغاز الروسية إلى سلوفاكيا وبولندا قد شهدت مؤخرا انخفاضا حادا بسبب بيعهما الغاز إلى أوكرانيا. وفى هذا الإطار، رأت «وول ستريت جورنال» أنه بعد إذعان الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشينكو للضغوط العسكرية الروسية من خلال الموافقة فى الخامس من سبتمبر الماضى على وقف إطلاق النار مع الانفصاليين الموالين لروسيا وهو ما أدى إلى استمرار سيطرتهم على مساحة من شرق أوكرانيا، فإنه يواجه الآن ضغوطا لتقديم تنازلات على الجبهتين الدبلوماسية والاقتصادية. وأوضحت الصحيفة أن التهديدات الروسية بحرب تجارية أدت ببروكسل وكييف بالموافقة فى 12 سبتمبر الماضى على إرجاء تطبيق شق رئيسى من اتفاقية الشراكة السياسية والتجارية بين كييف والاتحاد الأوروبى وهو الخاص بإقامة منطقة تجارة حرة بينهما والذى تعارضه موسكو خوفا من تضرر مصالحها الاقتصادية. وبالرغم من ذلك التنازل طالب الكرملين بتغيير شروط الاتفاق مهددا بفرض تعريفات جمركية على مجموعة واسعة من الواردات الأوكرانية إذا لم يتم مراعاة رغباته. كما أن استمرار الاشتباكات فى شرق أوكرانيا، بالرغم من الهدنة، سمح لموسكو والانفصاليين، حسبما تقول الصحيفة، بتحويل تركيز المفاوضات مع كييف من تأمين الحدود بين روسياوأوكرانيا- والتى تمثل ممرا حيويا للدعم الروسى للانفصاليين- إلى رسم خط فاصل جديد بين الطرفين المتنازعين حيث اتفق الطرفان على سحب قواتهما 15 كلم من ذلك الخط لإنشاء منطقة عازلة شرق أوكرانيا بعمق 30 كلم، هذا بالإضافة إلى موافقة البرلمان الأوكرانى منح المنطقة الشرقية التى يطالب الانفصاليون باستقلالها وضعا خاصا يشمل درجة من الحكم الذاتى لمدة ثلاث سنوات.