خطوة تاريخية ومثيرة للجدل والقلق معا، تلك التى اتخذها رئيس الوزراء اليابانى «شينزو آبى» مؤكدا سعيه نحو تعديل المادة التاسعة من الدستور اليابانى بما يمنح الجيش اليابانى دورا أكبر فى الخارج لمساعدة قوى حليفة بدلا من الاكتفاء بدور الدفاع الذاتى الذى فرضته عليه المادة التاسعة، والخاصة بإعلان الحرب .. وهى المادة التى بقيت دون تغيير منذ إقرار الدستور اليابانى فى 1947، وتنص على حظر استخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية وتمنع اليابان من الاحتفاظ بقوات بحرية أو جوية. التوجه اليابانى الجديد، والذى يعتبره بعض المحللين انتصارا لرئيس الوزراء شينزو آبى، سيكون هو التطور الأكبر منذ أنشأت اليابان قواتها المسلحة بعد الحرب العالمية الثانية، وسيوسع الخيارات العسكرية المتاحة أمام اليابان بإنهاء الحظر المفروض على «الدفاع الذاتى الجماعى» أو مساعدة دولة صديقة تتعرض للهجوم .. حتى وإن لم تكن اليابان نفسها تحت الهجوم. وبعد استسلام اليابان فى الحرب العالمية الثانية فى 15 أغسطس 1945، فرض عليها من قبل الولاياتالمتحدة المنتصرة فى الحرب دستور لم يعدل منذ ذلك الحين، وتنص المادة التاسعة فيه على العدول عن الحرب «إلى الأبد». وفى ظل تراجع نسبى للوجود الأمريكى فى شرق آسيا، تسعى طوكيو إلى مواجهة الصين وطموحاتها الإقليمية المتزايدة فى منطقة بحر الصين الشرقى والغربى، على خلفية زيادة الصين لميزانيتها العسكرية بنسبة تفوق 10 بالمئة سنويا. وصرح «آبى» أن اليابان يجب أن تكون قادرة على التعامل مع «بيئة أمنية تزداد تعقيدا».. وهو ما تصفه اليابان ب «المسالمة الاستباقية». على صعيد التوازن الإقليمى، أثار التوجه اليابانى نحو المشاركة فى عمليات عسكرية خارج الحدود، مخاوف وانتقادات كل من الصين وكوريا الجنوبية اللتين اعتبرتا أن هذا القرار سيجعل طوكيو قادرة على لعب دور أكبر فى النظام الإقليمى، خصوصا فى مواجهة قوة بكين العسكرية. وأعرب الرئيس الصينى شى جينبينج والرئيسة الكورية الجنوبية بارك جيون، عن قلقهما لتغيير اليابان دستورها السلمى، وعبرا عن مخاوفهما فى شأن إعادة الحكومة اليابانية تفسير المادة التاسعة من الدستور لتتيح لجيشها دورا أكبر على الساحة الدولية، وإعادتها النظر كذلك فى اعتذار سابق قدمته طوكيو عن فظائع ارتكبتها القوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية عقب احتلالها شبه الجزيرة الكورية وأجزاء من الصين. ومن جانبها، أعلنت روسيا على لسان المتحدث باسم الخارجية الروسية اليسكندر لوكاشفيتش، أنها ستراقب النشاط الخارجى لليابان بعد أن أقرت طوكيو هذا التعديل، مشيرة إلى أنها غير متعجلة فى الحكم على حق اليابان فى الدفاع عن نفسها، ولكن موسكو أكدت أن اليابان ينبغى أن تتفهم مدى حساسية القضايا الأمنية لجيرانها، وأن تنتهج سياسة خارجية سلمية وتمارس ضبط النفس فيما يخص الأنشطة العسكرية. ويتوقع أن يواجه رئيس الوزراء اليابانى بعض العقبات على المستوى الداخلى، حيث أعرب ناخبون عن قلقهم إزاء التورط فى الحروب الخارجية. وعبروا عن غضبهم مما اعتبروه خرقا للمادة التاسعة بتجاهل إجراءات التعديل الرسمية. وأشارت استطلاعات الرأى الأخيرة إلى أن أكثر من نصف اليابانيين لا يزالون متمسكين بشدة بهذا الميثاق السلمى، ويعبرون عن معارضتهم مشاركة جنود يابانيين فى أى عمل عسكرى خارجى. ويشترط أن يوافق البرلمان اليابانى على التعديلات القانونية الضرورية لتنفيذ هذا التغيير، غير أن إجراءات تعديل الدستور فى اليابان طويلة ومعقدة.. وبدلا من تعديل الدستور والمساس بشكل مباشر بالمادة التاسعة منه، فضل «آبى» فى نهاية المطاف سلوك طريق «إعادة التفسير».