أشهرت الدولة العصا الغليظة لوقف ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية والبناء المخالف على أملاك الدولة بإقرارها عقوبة الحبس 15 سنة والغرامة 500 ألف جنيه لكل من يعتدى على الأراضى بالبناء أو التبوير.. ورفضت الحكومة أية تسويات وأصرت على هدم كل المخالفات وظهر ذلك بإصرار محافظ القاهرة على إزالة الأبراج المخالفة خلف المحكمة الدستورية بالمعادى، إضافة لإزالة المئات من حالات التعدى على الأراضى الزراعية فى محافظات عدة. «أكتوبر» التقت نخبة من المسئولين والخبراء للحديث حول هذه القضية الشائكة خصوصًا فى ظل مطالبات المتضررين بإيجاد حلول لمشاكلهم بعدما تعرضوا لعمليات نصب من مستثمرين «لهفوا» بحسب وصفهم «شقى العمر». فى البداية قال الدكتور فريد أبو حديد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى إن الدولة حاليًَا فى حالة حرب ضد التعديات على الأراضى الزراعية وإنها لن ترحم أى متعد على الأراضى الزراعية ولن يفلت بفعلته التى يجرمها القانون. وكشف الوزير أن حملات الإزالة نجحت خلال الأسبوع قبل الماضى فقط فى إزالة 184 حالة تعدٍ على الأراضى الزراعية بصورة فورية فى محافظاتالشرقية والقليوبية والدقهلية وقنا والجيزة وسوهاج، فلن نسمح بأى تعديات جديدة أو تبوير أراض، حتى يمكننا التفرغ لمواجهة التعديات القديمة. وقال إنه ردا لفعل كان إيجابيا لقرارت تغليظ عقوبات التعدى على الأراضى الزراعية والتى تصل إلى الحبس 15 سنة والغرامة 500 ألف جنيه، مشددًا على استمرار حملات مواجهة التعديات بالبناء على المساحات الضخمة والأبراج والتبوير والتقسيم لقطع كبيرة من الأراضى بهدف بيعها كأراضى بناء. وأكد الوزير أن الدولة غير مسئولة عن الاستثمارات التى يضعها المعتدون على الأراضى الزراعية فى عملية البناء وحتى فى حالة التصالح لأى سبب مع المتعدى فسيكون توصيل المرافق كاملة على نفقة المعتدين. وأكد محافظ القاهرة، الدكتور جلال السعيد، أن المحافظة بدأت حملة إزالات خلف المحكمة الدستورية العليا، ضد المبانى المقامة على أرض ملك الدولة وبدون ترخيص. إنه سيتم إزالة جميع الأبراج المبنية على أراضى الدولة مشيرًا إلى أن محافظة القاهرة عقدت اجتماعات مع وزارة الداخلية منذ شهر بشأن البنايات المخالفة، مؤكدًا أن المحافظة لن تترك المنطقة إلا بعد إزالة كل المخالفات، خاصة أن هذه العقارات تعرض حياة المواطنين للخطر لأنها مبنية بطريقة هشة. وأكد أن المحافظة لن تتهاون مع المخالفين للقانون، قائلًا: «لا أنصاف حلول فى إزالة الأبراج المخالفة». وناشد محافظ القاهرة المواطنين بعدم شراء أى شقق سكنية فى العقارات المخالفة على كورنيش النيل، مطالبهم بضرورة التأكد من وجود كافة التراخيص القانونية للشقق التى ينوون شراءها. أضاف د.على عبد الرحمن محافظ الجيزة أن المحافظة من جانبها وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية تتصدى لمسلسل التعدى على الأراضى الزراعية والبناء بالمخالفة للقانون مشيرًا إلى أنه مؤخرًا تم إزالة المخالفات والبناء على الأراضى الزراعية من جملة مساحة تزيد على 150 فدانًا مؤكدًا أن عمليات المتابعة تتم بصورة يومية وكذلك تتم إزالة المبانى المخالفة حتى يتم وقف هذه الظاهرة بشكل نهائى. وأوضح د.على عبد الرحمن أن الجيزة ضمن المحافظات التى تعانى من تلك الظاهرة فى مناطق كثيرة وخاصة فى منطقتى البدرشين والصف موضحًا أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل كبير على حجم المساحة المزروعة فى مصر وكذلك الإنتاج الزراعى لذلك فإن مواجهة الظاهرة واجب وطنى. ويؤكد عبد الفتاح عمر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب سابقًا أن الدولة فى هذه المرحلة الفارقة يجب أن تعلى من سيادة القانون بصرف النظر عن وجود أزمات فعلية وخطط استراتيجية لحلها فالأمر يتطلب سنوات لوضع خطط طويلة الأجل لن نجنى ثمارها بين يوم وليلة ولكن تطبيق القانون وعودة هيبة الدولة هو مطلب مُلح فى هذه الفترة سواء ما يخص الممارسات العنيفة والإرهابية من جانب بعض الجماعات أو الممارسات المخالفة للقانون من جانب بعض المواطنين وفى كل الأحول الدور الأمنى مطلوب لضبط الشارع المصرى بصفة عامة بصرف النظر حتى عن الخسائر التى يتكبدها القطاع الزراعى من حجم التعديات على الأراضى الزراعية فجملة المكسب من تطبيق القانون فى هذه المرحلة أولى وأهم خاصة وأن السنوات الثلاث الماضية أظهرت سلبيات عديدة لممارسات المواطن المصرى فى ظل الغياب الأمنى ويجب أن تضرب الدولة بيد من حديد على كافة أنواعها المخالفات حتى يتم تطبيق القانون فلا دولة بغير قانون يطبق على الجميع. ويضيف أن أى قرارت حكومية تكون من شأنها وقف كل أنواعها التعدى والمخالفة للقانون ضرورية فى هذا التوقيت من خلال رؤية الحكومة فى كيفية فرض هيبة القانون سواء الغرامات أو السجن أو الأحكام المشددة. فى حين يؤكد الدكتور نادر نور الدين خبير الأراضى والمياه بجامعة القاهرة أن التعديات على الأراضى الزراعية أصبحت أزمة حقيقية ويجب أن تنظر الحكومة فى حلها بصورة جذرية فقرارات المواجهة مع المواطنين ومنح المهندسين الزراعيين الضبطية القضائية ليست هى الحل ولكنها مسكنات غير مجدية نظهر فقط تعاطى الحكومة مع الأزمة دون أن يتم البحث فى حلول فعلية مشيرًا إلى أن الدولة هى المسئولة عن تلك الظاهرة خاصة أن استمرارها يعنى التضحية بأجود الأراضى الزراعية وضعف الإنتاج الزراعى بصفة عامة والذى هو فى الأساس لا يكفى الاستهلاك المحلى وهو ما يعنى الاعتماد على الاستيراد بالعملة الصعبة وارتفاع الأسعار فى الأسواق أزمات عديدة مترتبة على ضياع الأراضى الزراعية فى الدلتا والصعيد والدولة لم تتخذ أى خطوات فعلية مستقبلية تواجه بها تلك المشكلة. موضحًا أن الدولة هى التى تجاهلت وضع خطط طويلة الأجل تستوعب من خلالها الزيادة السكانية فى المحافظات الريفية واعتقد المسئولون بأن المدن الكبرى هى وحدها التى لها الحق فى الامتداد العمرانى وتناسب الحكومات المتعاقبة المناطق الريفية التى من حق أهلها أن يبنوا مساكن لهم ولأبنائهم. ويضيف نور الدين أن الفلاح المصرى يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتوجيه ولا يستحق هذه الحملات الشرسة التى يشنها البعض ضده فى ظل تدهور العائدات الزراعية فهناك جوانب عديدة جعلت من المزارع مغلوبًا على أمره فالدولة رفعت الدعم عن الأسمدة والتقاوى وضاعفت الضريبة على الفدان لتصل إلى 400 جنيه سنويًا وهو ما يؤكده تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء والذى يشير إلى أن مليون شخص انضموا إلى دائرة الفقر هذا العام كلهم من أبناء الريف ويرى الدكتور نادر نور الدين أن الحل يجب أن يكون فى اتجاهين الأول تبنى الدولة مشروعات سكنية للأجيال القادمة بالظهير الصحراوى لمحافظات مصر تستوعب تلك المشروعات الزيادة السكانية والحل الثانى الاهتمام بالمزارع وتفعيل دور الإرشاد الزراعى الذى لم يعد له دور حاليًا فى التوعية فمن الضرورى القيام بتوعية المزارع بنوعيات التقاوى وأفضلها ومخاطر الأمراض التى تهاجم المحاصيل ومواعيدها وذلك بهدف زيادة الإنتاج الزراعى ورفع العائدات خاصة وأن ضعف العائد من الأرض الزراعية أحد أهم أسباب بحث الفلاح عن مصادر أخرى للدخل إهماله للأرض. القرية المنتجة ونفى الدكتور محمد عبد الفتاح الخبير بمركز البحوث الزراعية أن يكون الغياب الأمنى وحده هو السبب فى ظاهرة التعدى على الأراضى والبناء المخالف خاصة وان تلك الظاهرة كانت موجودة فى فترات ما قبل ثورة 25 يناير مشيرًا إلى أنها وصلت إلى حوالى 28 ألف فدان فى حين أنها وصلت خلال الثلاث سنوات الأخيرة إلى 45 ألف فدان. مؤكدا أن هناك عوامل أخرى ساهمت بشكل كبير فى تلك الظاهرة وأهمها عدم الاهتمام بالمزارع وتوعيته إضافة إلى إهمال الدولة نفسها للقرية المصرية، لذلك من الضرورى العودة إلى فكر القرية المنتجة والمساهمة فى رفع مستوى معيشة الفلاح اعتمادًا على أرضه وإنتاجه سواء من الأرض أو ما ينص المشاريع المتعلقة بالدواجن والماشية. فضعف دور القرية خلال السنوات مسئولية مشتركة بين الدولة والفلاح وإهمال الدولة للقرية سيتبعها إهمال الفلاح لأرضه وبحثه عن مصادر بديلة للدخل. منظومة اقتصادية ويضيف الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقًا أن الاقتصاد العام فى مصر إلى حد كبير اقتصاد عشوائى لا يتم وفق منظومة متكاملة فمصر دولة زراعية فى الأساس وعلى الرغم من ذلك لم يهتم النظام الاقتصادى بهذا القطاع وانهارت الزراعة فى مصر شيئًا فشيئا بدلاً من الاهتمام بالزراعة والتطور لإنشاء منظومة اقتصادية تصنيعية تعتمد على الإنتاج الزراعى والاهتمام بالصناعات الغذائية مشيرًا إلى أنه من غير المستغرب عدم اهتمام المزارع بالأراضى الزراعية بعد أن تحول هو نفسه لمستهلك يعتمد فى غذائه على الشراء والاستهلاك وكان من قبل منتجًا لذلك بحث الفلاح المصرى عن مصدر جديد للدخل كبديل عن إنتاجه والحكومة مشاركة بشكل كبير فى هذا التحول لذلك من الضرورى الاهتمام بمشاريع تنموية ضخمة وحتى إن كان سيتم الاعتماد عليها فى المستقبل لأنه يجب أن تنظر الحكومات للازمات التى يعانى منها الشعب عن طريق إيجاد حلول قريبة والعمل على خطط أخرى مستقبلية فمثلاً خلق مجتمعات زراعية فى مناطق جديدة أحد الحلول التى يجب العمل عليها فتوشكى يمكن أن تستوعب ما يقارب ال 3 ملايين نسمة وكذلك سيناء ومنطقة شرق العوينات حيث يمكن زراعة حوالى 250 ألف فدان، ومنطقة درب الأربعين وهذه المناطق الجديدة ستستوعب الزيادة السكانية وتوفر لمصر إنتاجًا كبيرًا يمكن أن يفيض عن حاجة السوق المحلى ويتم تصديره لأنه ليس من المنطقى أن تظل مصر دولة مستوردة ومستهلكة. ورحب عماد كمال نقيب الفلاحين بالقليوبية بقرار وزير العدل بمنح 405 مهندسين بالإدارة المركزية لحماية الأراضى بوزارة الزراعة حفة مأمورى الضبطية القضائية للجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام القانون بخصوص حالات التعدى على الأراضى الزراعية الذين كانت أيديهم مكتوفة إذاء التعديات على الأراضى الزراعية وأثار أن بعد منح الضبطية القضائية أصبح من حقه مهندس حماية الأراضى مصادرة معدات المعتدى على الأراضى الزراعية وتحرير المحاضر الفاعلة وتحويلها إلى النيابة مباشرة وهذه ضربة قاضية لمافيا التعدى على الأراضى الزراعية وخاصة فى محافظاتالمنوفيةوالشرقية والدقهلية والبحيرة التى كانت محافظات زراعية من الدرجة الأولى. وأصبحت أعلى المحافظات من حيث التعدى على الأراضى الزراعية.