يفتح اعتراض الأزهر الشريف على عرض الفيلم الأمريكى «الطوفان» فى مصر، من جديد ملف تجسيد صور وسير الأنبياء على الشاشة، وفيما يرى البعض ضرورة الالتزام برأى المؤسسة الدينية وعدم المساس بالمقدسات، يرى آخرون فى ذلك مساسًا بحرية الإبداع، خاصة أن الأزهر سبق ووافق منذ عشر سنوات ، على عرض فيلم «آلام المسيح» تمثيل وإخراج ميل جيبسون، متساءلين ..ما الذى تغير الآن حتى يرفض الأزهر عرض فيلم عن سيدنا نوح عليه السلام؟ وهل يمكن أن يمنع هذا الرفض «هوليوود» من سعيها لإنتاج أفلام عن سيدنا موسى، والسيدة العذراء، وقابيل وهابيل، خلال السنوات القادمة؟ فى البداية، قال منيب شافعى رئيس غرفة صناعة السينما، وهى الجهة المسئولة عن التصريح بعرض الأفلام الأجنبية، إن الفيلم الأمريكى «نوح» لم يمر على الغرفة، ولم تصرح بعرضه فى مصر من الأساس، مؤكدا على أن موقف الغرفة تابع ومطابق لموقف الأزهر الشريف. وأضاف:أن غرفة صناعة السينما بمصر ستمنع عرض أى عمل سينمائى يتعارض مع توجيهات الأزهر أو يرى فيه الأزهر أية شبهة «حرمانية»، وذلك لأن لوائح الغرفة تقوم على الأخذ فى الاعتبار بموقف الأزهر الشريف ورؤيته للعمل الفنى، لافتاً إلى أنه يحق له المطالبة بمنع عرض الفيلم لأى أسباب يراها، بما فيها الحرص على عدم المساس بأحكام وأسس الشريعة الإسلامية . وأشار «منيب» إلى القرار الذى سبق واتخذه الأزهر الشريف منذ ستينات القرن الماضى ويمنع فيه تجسيد صور الأنبياء سواء على شاشة السينما أوالتليفزيون ،قائلاً: «ولهذا طالب شيوخ الأزهر بمنع عرض فيلم «نوح»، وهو ما استجابت له غرفة صناعة السينما على الفور ووافقت على سحب الفيلم من دور العرض المصرية، وعدم التصريح بعرضه على الشاشت المصرية. وتعليقًا على السماح بعرض شريط الدعاية للفيلم «البرومو»..قال «شافعى» إن غرفة صناعة السينما ليست مسئولة عن عرض هذا «البرومو»، ولم تكن تعرف عنه شيئاً، لأنه لم يتم تمريره عليها، والحقيقة هى أن المسئولين عن دور العرض السينمائى قاموا بالاستعانة ب «البرومو» الدعائى من على مواقع الإنترنت ,ولكنه لم يدخل إلى مصر بشكل رسمى. من جانبه، طالب الناقد السينمائى طارق الشناوى جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وغرفة صناعة السينما بأن تراجع مواقفها وتعرف جيدا صلاحياتها وحدود عملها وخصائصها، وتسمح بعرض فيلم «نوح»، مشددًا على أن الرقابة على المصنفات الفنية، لابد ان تحتفظ بدورها وصلاحياتها فى إجازة ومنع عرض الأعمال الفنية، بعيدًا عن وصاية الأزهر أو أية مؤسسة أخرى فى الدولة. وقال الشناوى: الأهم من هذا هو أن هذه الجهات لابد أن تعرف أهمية عرض الأعمال التى تتضمن تجسيد شخصية الممنوعين من الظهور سواء كانت من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو غيرهم من الشخصيات الدينية، وذلك لأن السينما أصبحت مصدر الثقافة الأقوى تأثيراً بعد تراجع دور الكتاب. وفى نفس السياق، طالبت جبهة الإبداع المصرية من الأزهر الشريف كمؤسسة عريقة عدم التدخل فى شئون السينما، والمطالبه بمنع عرض أى عمل فنى، وترك هذه الأمور لأجهزة الرقابة الخاصة بالسينما والمتخصصة فى شئونها. كما أعربت الجبهة عن استيائها الشديد من تدخل الأزهر , وأكدت فى بيان لها على أن فكرة تجسيد الأنبياء على الشاشة ليست محرمة بشكل محسوم، ولا يوجد نص يحرمها، لافتة إلى أنه من الممكن أن يقوم الأزهر بدور توعية الجمهور بأنه من الحرام مشاهدة أمور معينة ووقتها المشاهد وحده هو صاحب الحق فى تحديد موقفه سواء بالمشاهدة أو الامتناع عنها. وقال المنتج محمد العدل، عضو مجلس أمناء جبهة الإبداع الفنى، إن فكرة تحريم عرض الأعمال الدينية التى تجسد الصحابة والأنبياء فى الأعمال الفنية، مجرد اجتهاد شخصى من علماء الأزهر، حيث لا يوجد نص قرآنى أو حديث شريف يمنع ذلك، ويشير إلى أن الأمر مادام اجتهاداً فتجب مشاركة المبدعين والمثقفين فى المناقشة، حتى لا يتخذ الأزهر قراراً منفرداً يمنع عرض الأفلام الإبداعية، خاصةً أن باب الاجتهاد مفتوح أمام الجميع منذ انقطاع الوحى، مشيرًا إلى أن الأزهر لن يستطيع منع المصريين أو المسلمين عامةً من مشاهدة الفيلم، لوجود مواد بديلة عن السينما مثل مواقع التواصل التى تمكن المشاهدين من المشاهدة. فيما أكدت الفنانة إسعاد يونس، على أن الأزهر بمواقفه المتباينة حول تحريم عرض الأفلام التى تجسد الأنبياء فى الأعمال الفنية، سيجعل المشاهدين المسلمين تحديدًا متلهفين على مشاهدة الفيلم ومعرفة سيرة النبى نوح، لأن «الممنوع مرغوب» . وقالت إسعاد: إن الأزهر بحجمه وقيمته الدينية فى العالم العربى والإسلامى، عليه أن يعيد ترتيب أولويات المرحلة القادمة فى تداخل الفن مع الدين، لأن الدين لن يمنع فكرة عمل فنى من الظهور على الشاشات، وهو ما حدث مع المسلسل الإيرانى «يوسف الصديق» الذى حصل على مشاهدة خيالية أثناء عرضه فى مصر. من جانبه، قال الفنان أشرف عبد الغفور نقيب المهن التمثيلية: إن التكنولوجيا لن تمنع أحدًا من مشاهدة ما يحلو له فى العالم، ولا أعتقد أن تجسيد الفنان العالمى راسل ركو شخصية سيدنا نوح، سيجعل المسلمين يقتنعون بأنه سيدنا نوح الحقيقى، موضحًا أن الأنبياء ملامحهم تعجز البشرية عن وصفها، وصورهم مقدسة بعيدة عن التخيل داخل عقل كل مسلم، ولكن الفن يقدم تجربة خيالية للأحداث فى العصر القديم بطريقة درامية. يذكر أن فيلم «نوح» من اخراج دارين أرنوفسكى، ويشارك فى بطولته راسل كرو وجينفر كونولى، وايما وانسون.