هو عمرو بن العبد الملقب ب «طرفة»، مات صغيرا عن عمر يناهز ال 26 عامًا، ولذلك لقب باسم «الغلام القتيل»، وكان ينتمى لأسرة عرفت بكثرة شعرائها من جهة الأب والأم، فعماه المرقشان، وخاله جرير بن عبد المسيح الشهير ب «المتلمس»، وكان فى صباه معجبا بنفسه يتمخطر فى مشيته، مات أبوه وهو صغير فانصرف إلى حياة اللهو وشرب الخمر.. وكان هجاء جريئا. ولما رفض أعمامه أن يعطوه نصيبه من الميراث.. راح يرعى إبل أخيه «معبد» إلا أنها سرقت منه، فذهب لابن عمه يستغيث به فنهره وطرده واشتد عليه، فتوجه إلى الجدة حيث ملكها عمرو بن هند وكان عنده خاله المتلمس. وبعد فترة غضب عليه الملك وأمر بقتله وهنا تعددت الروايات فى أسباب القتل، فمنهم من قال إن الملك لم تعجبه مشيته وإعجابه بنفسه فحقد عليه وقرر قتله، ومنهم من قال إنه كان يشرب الخمر مع الملك وظهرت أخته فرأى خيالها فى الكأس الذى فى يده فقال: ألا يا ثانى الظى الذى يبرق شنفاه ولولا الملك القاعد قد ألثمنى فاه أما الرواية الثالثة فتقول إنه هجا الملك بعدة أبيات.. منها: لعمرك إن قابوس بن هند ليخلط ملكه نوك كثير قسمت الدهر فى زمن رخىٍّ كذاك الحكم يقصد أو يجور المهم أن الملك قرر قتله لأى من الأسباب السابقة، ولكن بعض جلسائه حذروه من ذلك.. حتى لا يهجوه المتلمس، بعدها كتب الملك لكل من طرفة والمتلمس كتابا إلى المعَّلى عامله على البحرين بأن يقتلهما وأعطاهما هدية من عنده، فلما غادرا الحيرة التقيا غلاما فى الطريق فأعطاه المتلمس كتابه ليقرأه، فإذا به: (باسمك اللهم.. من عمرو بن هند إلى المعلى.. إذا أتاك كتابى هذا من المتلمس فأقطع يديه ورجليه وادفنه حيا)، فألقى المتلمس بالرسالة فى النهر.. وأنشد: وألقيتها بالثنى من جنب كافر كذلك ألقى كل رأى مضلل رضيت لها بالماء لما رأيتها يجول بها التيار فى كل جدول ثم طلب من طرفة أن يفعل مثله.. ولكنه رفض فتركه وهرب إلى الشام، وسار طرفة وحده حتى وصل إلى البحرين وأعطاه الرسالة، وعندما علم بما فيها أوعز إليه بالهرب لما كان بينه وبين الشاعر من نسب، فرفض أيضًا، فحبسه وكتب إلى عمرو بن هند قائلًا: (أبعث إلى عملك من تريد فإنى غير قاتله)، فبعث الملك رجلا من قبيلة تغلب، وأتى بطرفة إليه فقال له: (إنى قاتلك لا محالة.. فاختر لنفسك ميتة تهواها). فقال:(إن كان ولابد فاسقنى الخمر.. ثم أقطع كاحلى) ففعل وتركه حتى مات.. وعندما علم المتلمس بما حدث قال: من مبلغ الشعراء عن أخويهم نبأ فتصدقهم بذلك الأنفس أودى الذى علق الصحيفة منهما ونجا حذار حياته المتلمس هذا هو شاعرنا الذى مات صغيرا، ولكنه ترك ديوانا من 657 بيتًا، ومعلقة عدت من أفضل الشعر العربى بما حوته من غزل ووصف وفخر وحكمة. وتبدأ معلقته - كعادة شعراء الجاهلية - بالوقوف على الأطلال وذكر الحبيبة «خولة» ووصفها، حيث لها آثار بمنطقة تلمع بالحجارة والحصى.. وتبرق كالوشم على ظاهر اليد: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد وقوفا بها صحبى على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد ووجه كأن الشمس ألقت رداءها عليه نقى اللون لم يتخدد ثم يصف ناقته التى يذهب بها لملاقاة حبيبته، أو يسير بها فى الصحراء بغير خوف ولا وجل: وإنى لأمضى الهم عند احتضاره بعرجاء وفال تروح وتغتدى لها فخذان أكمل النحض فيهما كأنهما باب منيف ممرد أى أنها ناقة سريعة لا تتعب من السير، وقد اكتمل لحم فخذاها حتى سارا كأنهما باب لقصر ضخم. وبعد أن ينتهى من وصف ناقته فى أبيات عديدة ينتقل إلى الفخر بنفسه، فهو الفتى المتواجد دائمًا فى المهمات أو فى الدفاع عن القوم، وكما يسارع بحل خيمته للحاق بالقوم فى قتال الأعداء: إذا القوم قالوا من فتى خلت إننى عنيت فلم أكسل ولم أتبلد ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد ليس ذلك فقط، ولكنك تجده فى محفل القوم أو فى الحانات، فهو يجمع بين الجد والهزل، وإذا افتخروا فإنه أوفرهم حظا من الحسب والنسب. فإن تبغنى فى حلقة القوم تلقنى وإن تلتمسنى فى الحوانيت تصطد وإن يلتق الحى الجميع تلاقنى إلى ذروة البيت الشريف المعمد وأيها اللائم على ما أنا فيه.. لا تلمنى.. فلن تستطيع دفع القدر إذا جاءت منيتى: ألا أيهذا اللائمى أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى؟ فإن كنت لا تستطيع دفع منيتى فدعنى أبادرها بما ملكت يدى ثم يتذكر ظلم أهله له.. وهو أشد قسوة من ضرب السيف، مع أنه الشاب الضراب خفيف اللحم.. سريع الحركة كرأس الحية: وظلم ذوى القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند أنا الرجل الضراب الذى تعرفونه خشاش كرأس الحية المتوقد ثم ينهى معلقته بحكمة.. بأن الأيام لا تخفى شيئًا، وستأتيك الأخبار من كل مكان.. حتى ممن لم تطلب منه ذلك: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود ويأتيك بالأخبار من لم تبغ له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد