تناولنا في سلسلة مقالات سابقة المنهج الصحيح لإعداد الدستور الجديد والمنشورة في مجلة أكتوبر - في الأسابيع الماضية- ضرورة تحديد منهج علمي صحيح للبحث في مشكلات القانون الدستوري وأهمية المنهجية Methodology / Méthodologie في حل تلك المشكلات حتى لا تحدث أخطاء فادحة في دراسة المُشكِلاتْ الدُسْتُورية وتَحْليْلها وتأصِيلها ومنها المشكلات التي حدثت عند وضع الدُسْتُور المعلق لسنة 2012 من قبل والمشكلات الحالية في وضع دستور آخر جديد لمصر 2013 والذي يجرى إعداده حاليًا. وقد انتهينا إلى أن كلمة « تعديلات « الواردة في الإعلان الدستوري تتضمن التعديل الكلي لدستور سنة 2012 كما انتهينا إلى أنه يجب منهجياً قبل الحديث عن تعديل الدستور حسم مسألة أولية جوهرية سابقة على اقتراح أي تعديلات دستورية هي: هل يتم تعديل دستور 2012 أم يتم صياغة دستور جديد؟ وهو أمر لم يُحسم حتى اليوم. وقد أشرنا فى المقالات السابقة إلى نظريتنا الجديدة في الفقه الدستوري المصري والمقارن،هي نظرية الانعدام والبطلان والانحرافي القانون الدستوري والتي شرحناها تفصيلاً في كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصري الجديد لسنة 2012. وقد بدأ العمل في إعداد الدستور المصري الجديد لسنة 2013 ويثور التساؤل عن هل سوف يكون الدستور الجديد مثل دستور 2012 المُعلق أم أنه سوف يحقق آمال المجتمع المصري كما هو مأمول. وسوف نتناول الحديث في هذا المقال عن الأساس الدستوري لوضع الدستور الجديد لسنة 2013 والسند الدستوري للجنته التأسيسية و العدد النموذجي للجمعيات واللجان التأسيسية في القانون الدستوري المقارن وذلك فيما يلي: أولا : الأساس الدستوري للدستور الجديد ولجنته التأسيسية: تضمنت المادة 28 من الإعلان الدستوري لسنة 2013 أنه:- «تشكل بقرار من رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور هذا الإعلان لجنة خبراء تضم اثنين من أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، واثنين من قضاة القضاء العادي، واثنين من قضاة مجلس الدولة، وأربعة من أستاذة القانون الدستوري بالجامعات المصرية، وتختار المجالس العليا للهيئات والجهات القضائية المذكورة ممثليها، ويختار المجلس الأعلى للجامعات أستاذة القانون الدستوري. وتختص اللجنة باقتراح التعديلات على دستور 2012 المعطل، على أن تنتهي من عملها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تشكيلها. ويحدد القرار الصادر بتشكيل اللجنة مكان انعقادها وقواعد تنظيم العمل بها. كما تضمنت المادة 29 من ذات الإعلان الدستوري لثورة 30/6/2013 أنه :- «تعرض اللجنة المنصوص عليها في المادة السابقة مقترح التعديلات الدستورية على لجنة تضم خمسين عضوًا، يمثلون كل فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية، وعلى الأخص الأحزاب والمثقفين والعمال والفلاحين وأعضاء النقابات المهنية والاتحادات النوعية والمجالس القومية والأزهر والكنائس المصرية والقوات المسلحة والشرطة والشخصيات العامة، على أن يكون من بينهم عشرة من الشباب والنساء على الأقل، وترشح كل جهة ممثليها، ويرشح مجلس الوزراء الشخصيات العامة. ويتعين أن تنتهي اللجنة من إعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية خلال ستين يومًا على الأكثر من ورود المقترح إليها، تلتزم خلالها بطرحه على الحوار المجتمعي. ويصدر رئيس الجمهورية القرارات اللازمة لتشكيل اللجنة وتحديد مكان انعقادها، وتحدد اللجنة القواعد المنظمة لعملها والإجراءات الكفيلة بضمان الحوار المجتمعي حول التعديلات.» كما تضمنت المادة 30 من الإعلان الدستوري لسنة 2013 أنه :- «يعرض رئيس الجمهورية مشروع التعديلات الدستورية على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ وروده إليه، ويعمل بالتعديلات من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها في الاستفتاء، ويقوم رئيس الجمهورية بالدعوة لانتخاب مجلس النواب خلال خمسة عشر يوماً من هذا التاريخ لإجراء الانتخابات خلال مدة لا تقل عن شهر ولا تجاوز شهرين، وخلال أسبوع على الأكثر من أول انعقاد لمجلس النواب تتم الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية. وتتولى اللجنة العليا للانتخابات القائمة في تاريخ العمل بهذا الإعلان الإشراف الكامل على الاستفتاء. ويتبين مما تقدم أن الأساس الدستوري لإعداد دستور 2013 هو الإعلان الدستوري لثورة 30/6/2013. ثانياً : العدد النموذجي للجمعيات واللجان التأسيسية : أوضحنا في موسوعتنا عن « شرح الدساتير المصرية والمستويات الدستورية الدولية « العدد النموذجي الذي يجب أن تتكون منه الجمعيات التأسيسية في القانون الدستوري المقارن وقد اقترحنا وجهة نظر مؤداها ضرورة زيادة أعداد أعضاء اللجنة التأسيسية في العصر الحديث لتشمل جميع أطياف المجتمع بنسب معقولة تتناسب مع الأوزان الحقيقية لأطياف المجتمع المختلفة. كما يجب أن تُسْنَد جميع أعمال لجنة الخبراء إلى أعضاء اللجنة أنفسهم دون غيرهم من المعاونين أو الخبراء من خارج اللجنة على عكس ما حدث في لجنة وضع دستور 2013 الحالية لأن الخبراء يجب أن يكونوا من داخل اللجنة ذاتها وليس من خارجها. كما اقترحنا أن يكون عدد أعضاء اللجنة التأسيسية المصرية ستمائة عضو أصلي وأربعمائة عضو احتياطي ثلثهم من القضاة وذلك لأن اللجنة التأسيسية أشمل وأعم وأهم من مجلس الشعب ذاته لأن السلطة التأسيسية للجنة هي التي تصنع السلطات الثلاث ويفترض فيها – بطبيعة الحال- أن تشتمل على جميع أطياف المجتمع بنسب معقولة ومرضية لكل طيف من أطياف المجتمع المختلفة. ونحن نضرب لذلك مثالاً دستورياً واقعياً ناجحاً وهو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الإيطالي سنة 1947 والذي مازال سارياً حتى اليوم والتي كانت تتكون من 515 عضواً عندما كان عدد سكان إيطاليا عشرة ملايين وقد كان ثلثهم يمثلون السلطة القضائية الإيطالية المنتمية أصلاً لجميع أطياف المجتمع الإيطالي ولا تنتمي للأحزاب الإيطالية المتعددة . وقد أخذت بوجهة نظرنا هذه صراحة حكومة الصومال -في ذلك الوقت- برئاسة القاضي / شيخ شريف شيخ أحمد وتكونت الجمعية الوطنية التأسيسية للدستور الصومالي من 825 عضوا أصلياً علماً بأن عدد سكان الصومال حالياً يبلغ خمسة عشر مليوناً تقريباً. وقد أنجزت هذه الجمعية أعمالها وأقرت فعلاً الدستور الصومالي الجديد في أوائل أغسطس 2012 – العام الماضي – والدستور المذكور موجود تحت يدنا الآن في كتاب باللغة الصومالية واللغة العربية والذي يتكون من 179 مادة رئيسية و 232 فقرة فرعية وأربعة ملاحق. ونحن نرى أن الأزمة الحقيقية للجنة التأسيسية لوضع الدستور المصري هي عدم مناسبة عدد أعضائها لعدد سكان دولة مثل مصر يبلغ تعداد سكانها تسعون مليوناً داخل مصر وعشرة ملايين مصري بالخارج. وقد كانت غالبية مشكلات الجمعية التأسيسية المصرية الثانية لوضع الدستور المصري المعلق لسنة 2012 - بخلاف بطلان قرار إنشائها – تتمثل في عدم مناسبة أعداد تمثيل الأطياف المختلفة للمجتمع وحرمان بعض السلطات من التمثيل الفعلي والحقيقي المعبر عن آمالها وأهدافها كسلطة وخير مثال على ذلك السلطة القضائية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية للدستور الإيطالي بثلث أعضاء الجمعية التأسيسية الإيطالية ومع ذلك فقد كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية المصرية الثانية لدستور 2012 المُعلّق بثلاثة قضاة فقط من أعضاء الجمعية أحدهم عن مجلس الدولة وأحدهم عن هيئة قضايا الدولة وأحدهم عن محكمة النقض وتم اختيارهم بطريقة حزبية عن طريق الورقة الدوارة المعروفة في مجلس الشعب وذلك لأن العضوين السابقين للجمعية التأسيسية المستشار حسام الغرياني و المستشار الدكتور تيمور مصطفى كامل كانا قد أُحيلا إلى التقاعد في 30/6/2012 قبل اختيارهما في الجمعية التأسيسية الثانية لدستور 2012 . ولم يتم اختيار قضاة آخرين بدلاً منهما لفقدانهما الصفة القضائية لأن الصفة القضائية هي شرط للاختيار وشرط للاستمرار في تمثيل القضاة بالجمعية التأسيسية . ونحن نقترح أن يكون عدد اللجنة التأسيسية الحالية لوضع الدستور المصري الجديد لسنة 2013 مناسباً لمكانة ومقام مصر وتعداد سكانها وأن يتم تعديل الإعلان الدستوري لسنة 2013 ليكون عدد اللجنة التأسيسية ستمائة عضو أصلي وأربعمائة عضو احتياطي ثلثهم يمثل السلطة القضائية التي هي في حقيقتها تنتمي إلى جميع أطياف المجتمع وليس لها – كما هو معلوم- أي انتماءات حزبية وذلك لعدم تكرار هذه الأزمة الحقيقية التي تعرضت لها الجمعية التأسيسية الثانية من قبل. ومع كل ذلك فإنه من الغريب والمثير للتعجب والتساؤل هو عدم التمثيل الكامل للسلطة القضائية والهيئات القضائية الخمسة وهي القضاء العادي والمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية. فقد خلت الجمعية التأسيسية من وجود أي ممثل لهذه الهيئات القضائية الخمسة كأعضاء أصليين في الجمعية التأسيسية . ومن المعلوم أن لجنة الخبراء العشرة الموقرة هي لجنة فنية فقط ولا تمثل أحداً لأن لجنة الخمسين هي الخبير الأعلى وهي المختص بوضع الدستور أو تعديله ولا يُعتبر المستشارون الستة التي تتضمنهم لجنة الخبراء العشرة ممثلين عن الهيئات القضائية فقد تتغاضى لجنة الخمسين عن جميع مواد مشروع الدستور الذين قاموا بعمله. وسوف نتناول في المقال التالي من سلسلة مقالات الدستور الجديد بين الواقع والمأمول الحديث عن مدى الديمقراطية والدستورية في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وفي صياغة إجراءاتها.