فى الوقت الذى كانت فيه أنظار العالم تتجه نحو الكونجرس الأمريكى انتظاراً لما ستسفر عنه نتيجة التصويت الأولى الذى كان مقرراً الأربعاء الماضى، فجر وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، قنبلة من العيار الثقيل عندما طرح مبادرته بوضع سوريا لمخزونها من الأسلحة الكيماوية تحت الرقابة الدولية على أن يتم تدميرها بصورة آمنة فيما بعد وذلك تفاديًا لأى عمل عسكرى غربى ضدها. وعلى الفور، رحبت الحكومة السورية بالمبادرة الروسية وأعلنت على لسان وزير خارجيتها، وليد المعلم، الذى كان متواجداً فى موسكو، موافقتها على تسليم ترسانتها الكيماوية ووضعها تحت الرقابة الدولية. وفى أعقاب هذه التطورات أعلن السيناتور هارى ريد أنه تم إرجاء التصويت الأولى فى مجلس الشيوخ الأمريكى حول مشروع القرار الذى يجيز توجيه ضربات عسكرية إلى سوريا، وقام الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، بفتح الباب أمام إمكانية شن عمل عسكرى ضد نظام الرئيس السورى، بشار الأسد. وقال فى مقابلة مع شبكة (سى.إن.إن) إنه من الممكن أن نتجنب العمل العسكرى إذا كانت المبادرة الروسية حول الأسلحة الكيماوية السورية حقيقية. ووصف أوباما المبادرة الروسية بتخلى الأسد عن مخزونه من السلاح الكيماوى بالتطور الإيجابى مضيفاً أن إدارته ستأخذ هذه المبادرة بالجدية اللازمة. وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل من خلال قناة (إيه .آر .دى) التليفزيونية العامة إن (هناك اقتراحاً مثيراً للاهتمام من جانب روسيا يدعو سوريا للمرة الأولى إلى وضع ترسانتها الكيماوية تحت المراقبة الدولية) وأعربت عن أملها فى ألا يكون الغرض من الاقتراح هو مجرد كسب الوقت وأن تعقبه أفعال. وفى نفس السياق رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون بالمبادرة الروسية، وأكد على أهمية البحث عن سبيل لعقد مؤتمر للسلام فى سوريا. وأضاف (قد يقدم هذا الاقتراح الروسى حلاً للتخلص من الشلل الذى يعانى منه مجلس الأمن حيال الأزمة السورية). كما انضم رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، إلى المبادرة الروسية وقال إنه يجب تشجيع سوريا على وضع ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل تحت الإشراف الدولى. ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس إن الاقتراح الروسى يمكن قبوله بشروط ثلاثة هى أن يلتزم الرئيس السورى وبدون أى تأخير بوضع مجمل أسلحته الكيماوية تحت المراقبة الدولية والسماح بتدميرها، وهذه العملية يجب أن تتم استناداً إلى قرار ملزم من مجلس الأمن مع برنامج زمنى قصير ونتائج حازمة إذا لم يف الأسد بالتزاماته. وأغلب الظن أن المبادرة الروسية قد جاءت لحفظ ماء وجه الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، وإخراجه من الوضع المعقد الذى يواجهه.فهو من ناحية مضطر للاستجابة لليمين الذى يطالب بمعاقبة نظام الأسد لاستخدامه المزعوم للسلاح الكيماوى ضد أبناء شعبه، ومن ناحية أخرى، هو مضطر أيضاً للاستجابة لليسار الذى يعارض الضربة الأمريكية بشدة ما لم تحصل على موافقة مجلس الأمن، وهو ما لن يحدث بالطبع نظراً للموقف الواضح من قبل كل من روسيا والصين. والمثير للاهتمام هنا هو موقف لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) الرافض للتدخل فى الشأن السورى للبحث عن دليل لاستخدام السلاح الكيماوى. فإسرائيل تعلم علم اليقين أنه إذا ما انتصرت المعارضة المسلحة وأسقطت نظام الأسد، فسوف تعم الفوضى كل أرجاء سوريا وسوف يزداد نفوذ التنظيمات التى تسعى لتدميرها مثل تنظيم القاعدة المتمثل فىجبهة النصرة الإسلامية. والأكثر إثارة أن الصحافة البريطانية نشرت مؤخراً دلائل على تورط المخابرات الأمريكية فى الهجوم الكيماوى على الغوطة بالقرب من دمشق. وأشارت المواد المنشورة إلى رغبة واشنطن فى فعل أى شىء لتحقيق أهدافها فى الشرق الأوسط. ذلك لأن دعمها للمعارضة السورية بالوسائل السياسية والسلام لم يحقق النتائج المتوقعة. كما أن هناك خبراء كثيرين يشيرون بأصابع الاتهام إلى المعمل الصحى المركزى الأمريكى المعروف اختصاراً ب (CPHRL) والذى تم بناؤه فى قرية تدعى أليكسيفكا على مقربة من العاصمة الجورجية تبليسى. ولا أحد يعلم على وجه اليقين ما إذا كان هذا المعمل متورطاً فيما حدث بالقرب من دمشق أم لا؟ ولكن المثير هو ماكشفته الصحافة الاستقصائية فى جورجيا عندما تتبعت حمولة من الأسلحة الكيماوية تم شحنها بإشراف أمريكى من جمهورية جورجيا إلى الإرهابيين من تنظيم القاعدة داخل سوريا عن طريق وحدات من الجيش التركى. فقد اكتشف الصحفيان جيفرى سيلفرمان ولايكا موشيا شفيلى عمليات سرية لتحميل أسلحة دمار شامل من المعمل الصحى المركزى المذكور وبإشراف أمريكى. ليس هذا فقط، ولكن تم مؤخراً اختراق البريد الإلكترونى التابع لشركة عسكرية بريطانية خاصة اسمها (بريتام يفينس) تقوم بتوريد متطلبات لشركات كبرى مثل بريتش بتروليوم وهاليبورتون، من قبل الهاكرز. وتبين أن بعض المرتزقة البريطانيين قرروا الاستعانة بمواطنين من أوكرانيا وألبسوهم الزى العسكرى الروسى لتصويرهم يحملون الأسلحة الكيماوية فى أيديهم داخل الأراضى السورية!