فى بوادر لإعادة السيناريو المصرى الذى أزاح حكم جماعة الإخوان المسلمين، وتشهد تونس حالة من الغليان بعد اغتيال المعارض محمد البراهيمى إذ ارتفعت وتيرة الغضب ضد الأحزاب المحسوبة على التيارات الإسلامية المتشددة، واتهمها المعارضون باللجوء إلى العنف وتصفية الخصوم للتغطية على فشلها فى إدراة الحكم. ومنذ اغتيال محمد البراهيمى النائب بالمجلس التأسيسى (البرلمان) والقيادى فى الجبهة الشعبية ومنسق حزب التيار الشعبى المعارض - لم تتوقف الاحتجاجات فى الشارع التونسى فى عدد من المناطق والولايات التونسية والتى كان أكبرها فى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس بالإضافة لولاية سيدى بوزيد التى تشهد مواجهات مسائية عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن التى استخدمت الغازات المسيلة للدموع لتفريقهم, وقامت الشرطة المتاريس المعدنية للتفريق بين الفريقين الذين قدرت أعدادهم بنحو 10 آلاف متظاهر. وتؤكد المعارضة التونسية ان الحكومة فشلت فى كبح جماح الإسلاميين المتشددين المتهمين بشن سلسلة من الهجمات منذ إطاحة الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وانضم أعضاء المجلس المعارضين وسياسيين ليبراليين إلى المظاهرات المعارضة مطالبين بحل المجلس التأسيسى واستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. يذكر أن عدد الأعضاء المنسحبين من المجلس الوطنى التأسيسى احتجاجا على اغتيال البراهيمى بلغ اثنين وخمسين نائبا. ويعتبر البراهيمى هو ثانى شخصية معارضة يتم اغتيالها خلال هذ العام حيث شهد شهر فبرايرالماضى اغتيال المعارض اليسارى شكرى بلعيد، مما يشكل ضغوطا على الحكومة الحالية التى يحملها كثير من التونسيين مسؤولية هذه الاغتيالات. وأرجعت التحقيقات التونسية أن البراهيمى قتل بنفس السلاح الذى قتل به بلعيد والمتهم الرئيسى فى قتل المعارضين بلعيد والبراهيمى هو سلفى متشدد يدعى أبو بكر الحكيم، متهم أيضا بتهريب أسلحة من ليبيا. وكان البراهيمى مؤسس حركة الوحدويين الناصريين يتصدر فى الدفاع عن سوريا ويدعو لعدم قطع العلاقات التونسية معها. لذلك فإن اغتياله ليس حدثا إجراميا عابرا بل هو دليل على اتجاه القوى المتطرفة على قتل كل من يعارض مشروعها الممتد على مساحة الدول العربية والذى يهدف الى إسكات اصوات المعارضة التى تطالب بالحرية والتسامح وتطالب بتطبيق مفاهيم حقوق الإنسان واعتماد الحوار والديمقراطية فى بناء الدولة المدنية الحديثة. ومما لاشك فيه أن تنفيذ مسلسل الاغتيالات يستهدف كل من كان يقف بوضوح ضد أفكار التطرف ويطالب بالحرية وبناء المجتمع المدنى الذى يحترم حقوق الإنسان ومفاهيم الديمقراطية والتسامح والحوار الوطنى . وهذا دليل على ان الإرهاب إضافة الى الفتاوى الدينية الخاطئة التى تصدر عن جهات سياسية تتستر بجلباب الدين تفتح الأبواب لاستحلال دماء الأطراف المخالفة لها عبر تسخير مؤسسات دينية لخدمة الأجندات السياسية. ولابد من الإشارة الى ان هذه الأفكار الخطيرة كانت قد وصلت الى العراق بعد 2003 وعانى منها الشعب العراقى وساهمت فى إثارة الحرب الطائفية التى كلفت العراق تضحيات كبيرة فى الأرواح إضافة الى تأخير مشروع بناء الدولة . ولقد شهد العراق عند انطلاق التجربة الديمقراطية العديد من الاغتيالات السياسية لشخصيات معروفة ثم انطلقت بصورة أوسع لتكون اغتيالات طائفية قادتها مجموعات متطرفة تنشط اليوم فى تونس ومصر وسوريا.