لماذا اختار الإيرانيون «حسن روحانى» رئيسا لهم؟ ربما كان هذا السؤال الأول الذى حاولت الصحف ووسائل الإعلام العالمية والمحللون السياسيون الإجابة عنه، بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وفوز روحانى بالرئاسة بعد حصوله على أكثر من 16 مليون صوت، أى أكثر من 50% من أصوات الناخبين، وقد شكل هذا الفوز مفاجأة كبيرة للكثيرين بسبب قدرته على حسم سباق الانتخابات من الجولة الأولى من دون الحاجة إلى جولة فاصلة مع أحد المرشحين المحافظين، خاصة أن روحانى لم يكن الخيار الأول أو الثانى بالنسبة للإصلاحيين فى إيران، حيث كان الكثيرون منهم يعلقون آمالهم على خاتمى، لكنه لم يرشح نفسه فى الانتخابات، ثم رفسنجانى الذى رشح نفسه بالفعل، ولكن استبعده مجلس صيانة الدستور من القائمة النهائية لمرشحى الرئاسة. تعددت التحليلات السياسية التى حاولت تفسير تلك النتيجة، وإن كانت أجمعت على أسباب رئيسية يأتى فى مقدمتها دعم الرئيسين السابقين محمد خاتمى (1997 - 2005) وعلى أكبر رفسنجانى (1989 - 1997) لروحانى، وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن خاتمى رفض طلبات الإصلاحيين بالمقاطعة، وسعى إلى توحيد الصفوف خلف روحانى، مضيفة أن انسحاب المرشح الإصلاحى «محمد رضا عارف» من الانتخابات ساعد على توافق المعارضة على دعم روحانى، وفى نفس الوقت فشل المرشحون المتشددون فى تنظيم صفوفهم والالتفاف حول مرشح واحد ليعانوا من انقسام شديد فى قاعدتهم الانتخابية المؤيدة لهم، وهو ما أكدت عليه صحيفة «جارديان» البريطانية التى ذكرت أن أمرين رجحا كفة روحانى، الأول تأييد الرئيسين السابقين: رفسنجانى وخاتمى، وهذا يعنى أن معسكرى الوسط والإصلاحيين كانا يقفان وراء رجل واحد، بينما انقسمت أصوات المحافظين بين المرشحين الخمسة الآخرين، والعامل الثانى كان الأداء المتميز لروحانى فى المناظرات التلفزيونية الثلاث، والرسالة الواضحة من أغلبية الناخبين الإيرانيين هى أنهم يفضلون نهجه الأكثر عقلانية. ومن الأسباب الرئيسية الأخرى التى ساعدت روحانى على الفوز، رغبة المجتمع الإيرانى الشديدة فى التغيير، حيث أعلن روحانى خلال حملته الانتخابية عن تأييده اعتماد سياسة أكثر مرونة تجاه الغرب لوضع حد للعقوبات المفروضة على إيران، والتى تغرق البلاد فى أزمة اقتصادية خطيرة، وهو ما دفع الناخب الإيرانى إلى وضع ثقته فى الرئيس الإصلاحى أملا فى تحقيق الإصلاح والتغيير فى البلاد، وفى هذا الإطار قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن فوز روحانى يعود إلى الوعود التى أطلقها بشأن انفتاح أكبر على الحريات الشخصية، واتباع منهج جديد فى الانفتاح على العالم. واتفقت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية مع التحليل السابق، وأرجعت فوزه إلى وجود حالة غضب وامتعاض واسع بين شرائح متنوعة من الناخبين الإيرانيين يرجع سببه إلى تردى الحالة الاقتصادية، وإقدام روحانى نفسه على احتضان برنامج وأهداف التيار الإصلاحى، وقالت الصحيفة إن الذين ساندوه ودعموا حملته الانتخابية كانوا من الشباب المتحمس والمتطلع إلى التغيير، نتيجة المواقف المعتدلة التى أظهرها فى الأسابيع الأخيرة من خلال خطاباته وشعارات حملته الانتخابية. أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فذكرت أنه استطاع الفوز فى الانتخابات الرئاسية لأنه «رجل دين معتدل ذو نزعة براجماتية» الأمر الذى أكسبه تأييدا واسعا بين طبقات المجتمع الإيرانى، وقالت الصحيفة إن روحانى حاز على أصوات من التيارين المحافظ والدينى، حيث سجلت له كمية من الأصوات فى مدينة «قم» أكبر مركز دينى فى إيران ومدينة «مشهد»، بالإضافة إلى كمية أصوات كبيرة فى البلدات والقرى والريف الإيرانى، الأمر الذى يعد إشارة واضحة على أن التأييد الذى يتمتع به الرئيس الجديد يتخطى حدود الشباب المتعلم فى مراكز المدن. أما «محمد على مهتدى» الباحث الإيرانى، فقال إن فوز روحانى بالرئاسة يرجع إلى موقعه الوسطى بين المحافظين والإصلاحيين وقبوله من الطرفين، وعلاقاته الجيدة مع مراكز القوى والتيارات السياسية والمناظرات الرئاسية التى أظهرت اعتدال خطاب الرجل ووعوده، وكيفية مواجهة المرشحين المحافظين خلال المناظرة.