لأول مرة فى تاريخها منذ إنشائها، تشهد وزارة الثقافة المصرية والمؤسسات التابعة لها كل هذا الاحتقان والغليان والغضب المتصاعد سواء بين جموع المثقفين، وغالبيتهم من المتعاملين المباشرين مع هذه المؤسسات، أو بين بعض العاملين والإدرايين والموظفين بها، بعدما تم تعيين وزير جديد للثقافة فى التغيير الوزارى الأخير، هو الدكتور علاء عبد العزيز، الذى جاء ليطيح بعنف غير مسبوق وعصبية غير مبررة وقرارات عدها كثير من المثقفين متعجلة وغير مدروسة، بقيادات المؤسسات الثقافية الكبيرة تحت دعاوى التطهير ومحاربة الفساد وإبعاد المفسدين، دون أن يعلن على الرأى العام أى أسباب أو حيثيات لهذه القرارات أو إظهار أى مستندات تدين هؤلاء فى حال وجودها وتقديمها للنائب العام أو الرقابة الإدارية. قرارات الوزير التى أطاحت برؤساء هيئة الكتاب ودار الكتب والوثائق القومية والإدارات والمراكز العلمية التابعة لها، ودار الأوبرا وقطاع الفنون التشكيلية كلها جاءت متعاقبة ومتسارعة وبطريقة غير مبررة ولا لائقة، مما أدى إلى ثورة حقيقية بين المثقفين، خاصة بعدما أحل أسماء محسوبة كلها على تيار واحد هو التيار الإسلامى محل المقالين أو الذين أنهى انتدابهم، وهو ما اعتبره رموز الثقافة المصرية من الكتاب والفنانين والسينمائيين والتشكيليين إقصاء عنيفا وحربا على الثقافة المصرية بغرض الاستحواذ والهيمنة وإحكام السيطرة على تلك المؤسسات فى إطار ما أطلقوا عليه «أخونة مؤسسات الدولة». وكانت النتيجة مع هذا الصدام غير المبرر مع المثقفين هو المطالبات التى ارتفعت بإقالة الوزير الجديد، بل قام المثقفون بالاعتصام فى مكتب وزير الثقافة منذ الأسبوع قبل الماضى احتجاجا ورفضا لقرارات الوزير والمطالبة بتغييره فورا، وهو الاعتصام الذى جمع عددًا كبيرًامن رموز الثقافة المصرية وأعلامها وفنانيها الكبار من أول الكاتب والروائى الكبير بهاء طاهر، والشاعر الكبير سيد حجاب، والروائى القدير صنع الله إبراهيم، والفنان التشكيلى محمد عبلة، والروائى جمال الغيطاني، ومن الفنانين الكبار سميحة أيوب وسهير المرشدى وسامح الصريطى وكثيرون غيرهم. لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد، فقد قام على الطرف المقابل من مؤيدى الوزير والمرحبين به وبقراراته من التيار الإسلامى وخاصة من أحزاب الحرية والعدالة والبناء والتنمية والوطن والتوحيد العربي، الذى ينتمى إليه الوزير ويعد من وكلائه المؤسسين، إلى القيام بمسيرة تأييدية للوزير إلى مقر الاعتصام فى الزمالك، الثلاثاء الماضي، لتتطور الأمور سريعا بوقوع اشتباكات مؤسفة بين الجانبين ومصادمات أسفرت عن وقوع مصابين وجرحى. وزير الثقافة علاء عبد العزيز، وجهة نظره التى أعلنها فى أكثر من مناسبة وتصريح رسمي، أن «الثقافة للجميع وليست ملكا لفصيل واحد»، ورغم ذلك فإن ما قام به من إجراءات وقرارات خلال الفترة القصيرة الماضية تأتى عكس ذلك وعلى النقيض، وهذا من وجهة نظر معارضيه إذ أكد الكاتب والروائى الكبير بهاء طاهر أن «هذا الوزير جاء لكى يساعد فى تغيير وتبديل وجه الثقافة المصرية وتغيير وجه مصر الحضاري، وأعلن عن ذلك بوضوح عندما قال فى مسجد رابعة العدوية إنه جاء لينشر الثقافة الإسلامية كما لو كان الشعب المصرى كافرا، فلا أحد يزايد على إسلام المصريين وتدينهم واحترامهم لثقافتهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فهذا الشعب متدين، وشعب اخترع التدين وأول شعب آمن بالرسالات السماوية عندما نزلت بل ودافع عنها وقدم ملايين الشهداء فى سبيل ذلك، فلا يمكن لأحد أن يزايد على إسلامنا أو مسيحيتنا ولا على تديننا ولا على ثقافتنا». أما السؤال المحورى الذى طرحه البعض سواء من المعارضين للوزير الجديد وسياساته وقراراته العصبية أو من مؤيديه من التيارات الإسلامية فهو: هل اعتصام المثقفين قادر على إجبار النظام الحالى على تغيير وزير الثقافة أو حتى تعديل المسار؟ بعض المثقفين من المشاركين فى الاعتصام، أكدوا مبدئياً، أنه عندما أعلن عن تعيين الوزير الجديد خرجت دعوات كثيرة تدعو إلى إقالته بسبب أنه جاء من دائرة بعيدة كل البعد عن الكفاءة الإدارية اللازمة لرئاسة مؤسسة وزارة الثقافة المصرية، فهو تقريبا مجهول لعموم المثقفين لم يسمع به أحد من قبل، إلا بعدما أصبح وزيراً، مشددين على أنه ليس عيبا أن يكون مجهولا ولا ينبغى أن يكون كذلك، المهم أن يثبت بعد وصوله لمنصبه بأنه جدير بالمنصب، لا غبار أن يكون ليس نجماً أو معروفاً ويكون وزيرا للثقافة ولكن بشرط أن يثبت جدارته بالوظيفة وبمنصبه، وهو ما لم تظهر بوادره أو إشاراته خلال الفترة الماضية بل العكس لقد جاء بما يؤكد أنه غير مدرك لطبيعة وخصوصية الثقافة المصرية ومؤسساتها منطلقا من اعتبارات وتصورات يقينية تقوم على اعتبار المثقفين كافة، المرتبطين رسميا بوزارة الثقافة أو المستقلين عنها، أنهم «فاسدون وعلمانيون وضد الدين» وهى الدعاوى والاتهامات التى يصدرها التيار الإسلامى فى العموم إلى كل من يخالفونهم فى الرأى والسياسة. ورأى عدد من المثقفين، على رأسهم بهاء طاهر وسيد حجاب وآخرون أن هذا الوزير لن يُقال ولن يُعزل من منصبه لأن من أتوا به يعرفون ما الذى يفعلونه ولماذا يضعونه فى مثل هذا المنصب، لأنه سوف ينفذ السياسة التى يريدونها، ولذلك فهم ليس لديهم أدنى شك فى أن الحكام الحاليين لن يستجيبوا للضغط الشعبى أو لضغط المثقفين أو أى جهة ما فى مقابل خطتهم المعلنة والمنفذة ليس لتغيير وجه الثقافة المصرية فقط بل لتغيير وجه مصر بالكامل. من جانبهم، أكد عدد من الكتاب الشباب، منهم الروائيون أحمد عبد اللطيف وطارق إمام وبسمة عبد العزيز أن من يريد أن يُصلح أو يُعالج الثقافة المصرية ومشكلاتها المتراكمة فلابد أن يكون أولا «مثقفا» له تاريخ ثقافى معروف وليس تاريخا غير معروف، ورؤية متكاملة معروفة أيضا، وكل ما قاله الوزير الجديد منذ وصوله إلى منصبه كوزير للثقافة أنه أتى كى يطهر ويُخرج الفاسدين من الوزارة، وهذه دعوة لا غبار عليها وكلنا نرحب بها ونقول «أهلا وسهلا»، لكن كل هذا يجب أن يكون فى إطار قانونى وليس بطريق القرارات الفوقية المتعسفة، فلا يعقل أن تصدر قرارا بإقالة أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب فى الوقت الذى تتصدر فيه هيئة الهيئة لائحة أهم المؤسسات الثقافية الأقل تضررا من مؤسسات الدولة عقب الثورة، واستطاع مجاهد خلال العامين اللذين تولى فيهما مسئولية الهيئة إدارتها بنجاح شهد به الجميع وحقق إنجازات وطفرات كمية ونوعية فى عدد الكتب التى تم طباعتها ونوعية العناوين والإصدارات التى نالت استحسان جموع القراء فى جميع أنحاء الجمهورية، إضافة إلى شكل الكتاب وإخراجه وتصميم غلافه وطباعته، كل هذا غير حفاظه على إصدارات مكتبة الأسرة وانتظام صدورها طوال العام والبحث عن بدائل للتمويل لاستكمال المشروع، كل هذه النجاحات والإنجازات ثم يأتى الوزير بمنتهى البساطة لينهى انتدابه وإقالته من منصبه بصورة غير لائقة، ثم تأتى باسم جديد يعلم كل من اتصل أدنى اتصال بالحركة الثقافية ونشر الكتاب مدى الفارق الشاسع فى مستوى الكفاءة الإدارية والقدرات التى تستلزمها هيئة كبيرة كهيئة الكتاب، بين الاسمين. هذا منتهى العبث! على الجانب الآخر، وعلى النقيض تماما من وجهات النظر المطروحة، فيما يعد تمثيلا لوجهة نظر الإسلاميين والتيارات الإسلامية المؤيدة للوزير، والداعمة له ولسياساته وقراراته العاصفة، قال المهندس عمر عزام رئيس حزب التوحيد العربي، الحزب السياسى الذى ينتمى إليه وزير الثقافة الجديد، «إن الهجوم المنظم الذى شنته جماعات البلطجية التى جلبتها مجموعة المعتصمين داخل مكتب وزير الثقافة بالزمالك لن يثنى حزب التوحيد العربى ولا الإسلاميين ولا وزير الثقافة عن هدفهم الواضح الخاص بالسعى لتحقيق أهداف الثورة وتطهير البلاد من الفساد وخاصة المستشرى داخل وزارة الثقافة»، بحسب نصه ووصفه رغم مفارقته للوقائع المثبتة فى كل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة التى رصدت ما حدث من محاولة للاحتكاك بالمعتصمين وتهديدهم بفض الاعتصام بالقوة، مسجلاً بالصوت والصورة. عزام أضاف أنه «لما كان هذا الهجوم يتعارض تماماً مع كل قيم ومبادئ التحضر وكل معانى المعرفة والثقافة وكل الأصول المرعية فى الحوار الاجتماعى والثقافى فى مصر فإن الحزب يدين بشدة اللجوء إلى هذه الأساليب الرخيصة التى تنم عن ضحالة الرؤية وانعدام الإيمان بالمبادئ والسعى إلى خدمة مصالح شخصية ومحاولة التغطية على قيادات فاسدة والتآمر على الثورة المصرية ممن يدعون أنهم مثقفون». وقال المهندس عمر عزام أيضاً إنه يستغرب ويدين الموقف المتواطئ لقوات الأمن التى لم تعمل بالشكل الكافى على منع هذا الهجوم، بل إن وزارة الداخلية لم تتدخل بالمرة لتحرير مكتب وزير الثقافة من مغتصبيه ولا حتى على أساس الحفاظ على هيبة الدولة وسلامة مؤسساتها، ولذلك فإن حزب التوحيد العربى يطالب بالتحقيق فى هذا التصرف من قبل قوات الأمن وفى التقصير المزمن لوزارة الداخلية فى اتخاذ الإجراء المنطقى والقانونى والشرعى اللازم لإخراج مقتحمى ومغتصبى مكتب وزير الثقافة خارج المكتب حيث إنهم ليسوا ذوى صفة لاحتلال هذا المكان الذى يمثل مؤسسة للدولة وحيث إن احتلالهم هذا يعوق موظفاً عمومياً عن مهام عمله. وأكد رئيس الحزب أيضاً على أن الثقافة المصرية بريئة براءة تامة من هؤلاء الذين يدعون أنهم مثقفون ويتصرفون هم ومن يدعمهم من القوى الأخرى بأعلى درجات البلطجة السياسية والفكرية والثقافية. وأكد أيضاً أن المسيرة التاريخية والحضارية لمصر والمصريين وللثورة المصرية لن تعيقها هذه التصرفات غير المسئولة وهذا الفعل المجرم فى حق مصر وفى حق ثورتها الذى أسقط ورقة التوت عن الثورة المضادة التى يخدمها هؤلاء المدعون للثقافة. وقال رئيس الحزب أيضاً أن جموع المثقفين المصريين المؤيدين لقرارات الوزير بتطهير الوزارة وإعادة هيكلتها والعاملين بالقطاعات المختلفة من الوزارة الذين تظاهروا تأييداً للوزير لن يتوقفوا عن التعبير عن النبض الحقيقى للشعب المصرى ولن يتوانوا فى إعلان مواقفهم التى تفضح أعمدة الثورة المضادة والدولة العميقة داخل وزارة الثقافة التى ستزول لا محالة بإرادة وفعل الشعب المصرى وثورته المجيدة.