الذين اختشوا ماتوا.. والذين فجروا مازالوا أحياء يقاسموننا الطعام والهواء وأرض الوطن الذين باعوه بالرخيص لأجانب لوحوا لهم بالدولارات واليوروهات، فأسالوا لعابهم، فقبضوا باليد اليسرى ووقعوا باليمنى على برامج واتفاقيات ومشروعات فى ظاهرها الإصلاح السياسى والاجتماعى وفى باطنها الخراب وتصدير الفتن وتقسيم الوطن وطوأفته (تحويل أهله إلى طوائف) وفرزهم إلى ملل ونحّل وأعراق متصارعة متحاربة، ينتهى بها الأمر إلى النتيجة المرجوة وهى تفتيت الدولة المصرية المارد إلى عدد من الدويلات القزمية تستطيع إسرائيل أن تسيطر عليها بسهولة وتدخلها حظيرتها وهى تمارس دورها الجديد فى قيادة المنطقة. ولأنها (المنظمات الأجنبية والدول التى تقف وراءها.. وسماسرتها فى الداخل) فاجرون وجلودهم سميكة فهم يجاهرون بالرفض والاعتراض على حكم القضاء المصرى ضدهم والذى آراه -بصفتى مصريًا- حكمًا مخففًا، ويرفضون قانون الجمعيات الأهلية الذى من المنتظر أن يضبطهم متلبسين فى حال تلقيهم تمويلًا أجنبيًا مسيسًا أو ارتكابهم جرمًا ضد أمن الوطن وسلامته. (1) الحكم الذى صدر عن محكمة جنايات القاهرة بتاريخ 6/5/2013 ضد 37 متهمًا فى قضية التمويل الأجنبى هو حكم تاريخى يستحق أن نُثبته فى ذاكرتنا ونقرأ حيثياته حتى ولو كان 27 متهمًا فى القضية قد صدر ضدهم حكم غيابى فقد أتى الحكم بمثابة رسالة إلى من يقف وراء هؤلاء المجرمين الذين جاءوا إلى بلادنا يمارسون نشاطهم التجسسى والتخريبى جهارًا نهارًا بينما السلطات غائبة أو مغيبة عنهم خوفًا وطمعًا وذلك إبان النظام السابق. أقول الحكم جاء رسالة واضحة أن الدولة المصرية ما بعد 25 يناير 2011 استيقظت وتحركت وأنها لن تسمح مرة أخرى بممارسة هذا العبث الفاجر فى داخلها أو أن يأتى لها معلبًا من الخارج. وفى عناوين الأخبار الصادرة عن عواصم الغرب - عقب صدور الأحكام بحق جواسيس المجتمع المدنى وشياطينه - أن واشنطن ساخطة وبريطانيا منزعجة، والاتحاد الأوروبى يعرب عن بالغ قلقه وهلم جرا.. كل هذا لأن مصر تحاول، مجرد محاولة أن تحمى أمنها القومى ضد حملة الخروقات التى تم تنفيذها خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل من عمر نظام مبارك، هذا النظام الذى سعى الغرب إلى اقتلاعه لتغيير قواعد اللعبة ونجح فى اقتلاع مبارك، لكن قواعد اللعبة لم تتغير لصالحه حتى هذه اللحظة، وهو ما يثير الغرب ويقلقه، لقد نجحوا إلى حد ما فى تونس وأوصل الغرب رجله إلى مقعد رأس الدولة، وفى ليبيا دخل مخطط التقسيم مرحلة جديدة، وفى سوريا انقسم الثوار واتفقوا فى غير إعلان على تقسيم سوريا بعد اقتلاع نظام بشار، ومازالت مصر عصية عليهم حتى الآن بعناية الله ووعى أبنائها على الرغم من أن الحية لم تنقطع رأسها ولا ذيولها فى الداخل. (2) الحكم عنوان الحقيقة، فهو كاشف لها ومبرهن عليها وحجية الأحكام القضائية مبدأ دستورى وقانونى ومن هذا المنطلق حكمت المحكمة فى قضية التمويل الأجنبى بمعاقبة 27 متهمًا غيابيًا بالسجن 5 سنوات ومعاقبة 10 آخرين بالسجن ما بين عام إلى عامين، وإغلاق جميع مقارات وأفرع المنظمات والمؤسسات الأجنبية التى كانت تمارس أنشطتها على الأرض المصرية دون تصريح ومنها المعهدان الجمهورى والديمقراطى التابعان للحزبين الجمهورى والديمقراطى الأمريكيين ومنظمة «فريدوم هاوس» الأمريكية أيضًا، و«كونراد إيناور» الألمانية. وفى حيثيات الحكم ما ينبئ ويشير إلى أسبابه وعنوانه - كما أسلفنا - ويشير إلى الفهم العميق لقضاة مصر الذين أصدروا الحكم لحقيقة الدور التى تلعبه هذه المنظمات فى تقويض مؤسسات الدولة المستهدفة وهدم أركانها والانتقاص من سيادتها، ومن ثم إضعافها وتفكيكها. ومن توضيح الأهداف الخبيثة إلى توصيف عمل هذه المنظمات جاء فى حيثيات الحكم ما نصه:(إنه فى ظل النظام البائد، الذى قزّم من مكانة مصر الإقليمية والدولية، وانبطح أمام المشيئة الأمريكية فى مد جسور التطبيع بين مصر وإسرائيل برز على السطح «التمويل الأجنبى» لمنظمات المجتمع المدنى كأحد مظاهر هذا التطبيع بدعوى الدعم الخارجى والحوار مع الآخر، ودعم الديمقراطية والحكم ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من المسميات التى يتدارءون ويستترون فى ظلها بعد أن أفرغوها من محتواها الحقيقى، وطبعوا عليها مطامعهم، وأغراضهم فى اختراق أمن مصر القومى وإفناء موجباته وتقويض بنيان مؤسسات الدولة وتفكيك أجهزتها وصولا لتقسيم المجتمع وتفتيته وإعادة تشكيل نسيجه الوطنى وخريطته الطائفية والسياسية، وذلك بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية). وفى حيثيات الحكم أيضًا بعض تفاصيل عمل هذه المنظمات التى أدارت نشاطًا سياسيًا لا يجوز الترخيص به أصلًا، وقامت بتنفيذ برامج للتدريب السياسى وورش العمل وتمويل العديد من الأشخاص الطبيعيين والمنظمات والكيانات غير المرخص لها بالعمل الأهلى أو المدنى، ولم تأخذ المحكمة بدفاع بعض المتهمين واعتذارهم بالجهل بالقانون كذريعة لنفى القصد الجنائى إلى آخر هذه المباراة القانونية التى لم يستطع الباطل فيها أن يصمد أمام الحق والحقيقة التى انتهت إليها المحكمة ولخصتها فى ثلاثة بنود. الأول: أنه لا يتصور عقلا ومنطقا أن لأمريكا أو لغيرها من الدول الداعمة للكيان الصهيونى أى مصلحة أو رغبة حقيقية فى قيام ديمقراطية حقيقية فى مصر لأن هذا يتصادم فعليا مع مصالحها. الثانى: أن من يدفع المال فإنما يدفعه وفق أجندته الخاصة التى حددها أو يريد تحقيقها استراتيجيا وهى فى الغالب تتناقض مع الأهداف النبيلة للمنظمات التطوعية التى تسعى إلى تطوير المجتمعات والدفاع عن الحقوق الإنسانية. الثالث: أن التمويل الأجنبى للمنظمات غير الحكومية يمثل حجر عثرة أمام مصر التى يريدها شعبها، ولكن فى الوقت ذاته يمهد الطريق أمام مصر التى يريدها أعداؤهما. (3) والحكاية لم تنته والصراع بيننا وبين الغرب لم تكتب فيه كلمة النهاية مادامت الدنيا قائمة والتاريخ ماضيا إلى المشيئة التى حددها رب الكون، وفيما يخص القضية التى نحن بصددها، فهناك واقعة هروب المتهمين الأجانب التى تعرف عنها د. فايزة أبو النجا والذين حكمونا فى الفترة الانتقالية الكثير وليس هناك غضاضة فى أن يخرجوا ويقولوا لنا إن مصر جنت مكاسب كثيرة جراء السماح لهؤلاء العملاء فى الرحيل عن الأراضى المصرية، مكاسب مالية أو مكاسب سياسية أو تقدير للموقف وتجنب مواجهة مع الدول التى ينتمون إليها فى ظرف صعب أو أيًا ما يكون.. اشرحوا ووضحوا لنا وللمصريين فهم أذكياء وسوف يفهمون ويقدرون، فالمجلس العسكرى والإدارة المصرية هى التىأمرت باقتحام مقار هذه المنظمات وتفتيشها وتحريز محتوياتها والقبض على من فيها، هذه العملية التى مازالت وسائل إعلام الغرب تطلق عليها وصف «الغارة» وتشعر بها لطمة على وجهها والذى أمر بهذا ونفذه كان يستطيع أن يمضى إلى النهاية فى تحدى أمريكا والغرب وإسرائيل مجتمعين لكنه فى لحظة معينة قرر أن دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة أو هكذا أشارت له تقديرات الموقف.. ليكن.. لكننا نريد الآن الحقيقة كاملة وشفافة ومعلنة لشعب أثبت أنه غير قاصر أو غبى. (4) ولأن الصراع قائم ولم ينته، ولأن هناك عملاء وخونة لم ينالوا عقابهم فى مسألة التمويل الأجنبى فقد حادثنى تليفونيا المحامى الوطنى الغيور على بلده أحمد عبد الرازق وكيل نقابة محامى الجيزة وأخبرنى أن لديه ملفات ومعلومات عن آخرين متورطين فى قضايا التمويل الحقوقى أو التمويل الأجنبى وإنه عازم على تقديم بلاغات ضد كل من تورط فى هذا الأمر إلى النائب العام، وهو ليس وحده فى هذه المواجهة التى يتوقع أن تكون عنيفة فهناك ائتلاف يتكون الآن من مجموعة محامين شرفاء لهذه المهمة وهو يطلب العون والمساعدة من كل من لديه معلومات بهذا الشأن لاستكمال الملفات وتقديم الذين أجرموا فى حق مصر وحق أنفسهم للعدالة وأهم من هذا كشفهم أمام أبناء وطنهم وأنفسهم وتلقينهم درسًا مفاده أن الأوطان لا تباع لأنها لا تشترى ولا يمكن تعويضها إذا - لا قدر الله - ضاعت.