فى ظروف غامضة سقطت آخر ورقتين من أبناء عائلة توفيق باشا أندراوس الزعيم القبطى الذى كانت تمتلئ الأقصر بأخباره الثورية، هاتان الفتاتان هما صوفى التى تبلغ من العمر 82 سنة، ولودى التى تبلغ من العمر 82 سنة هى الأخرى اللتان كانتا تعيشان داخل القصر العظيم الذى يطل على نهر النيل ويمتلئ بالآثار الضخمة كانتا منعزلتين عن العالم، ولكن كان لهما بعض الأصدقاء المقربين إليهما ولا يدخل هذا القصر غيرهم، وهذا ما يثير الدهشة فى تلك الحادثة، ولكن فى هذه الظروف التى تمر بها البلاد اعتبرها البعض فتنة طائفية، خاصة مع تصريحات بعض الأجهزة المسئولة بأن الحادث لم يتم بغرض السرقة، رغم وجود أدراج مفتوحة وأوراق مبعثرة بالقصر. «أكتوبر» حاولت التعرف على تفاصيل اكثر عن تلك الجريمة المروعة والتى روعت الكثيرين خاصة أبناء الأقصر، وما أثار دهشتنا أن تلك البقعة من أرض مصر يرتبط أهلها ببعضهم ارتباطا وثيقا، حتى إنك تشعر أنهم من عائلة واحدة، كما أن أسرة توفيق باشا أندراوس لها تاريخ حافل بالوطنية، وتربطهم علاقة مودة قوية بأهل الأقصر عامة، فكيف حدث هذا، وما هو الوجه الخفى فى الحادث، هذا ما نحاول الوصول إليه فى السطور القليلة القادمة، خاصة أن تلك الجريمة الغامضة مازالت تثير استغراب العديد من أبناء تلك المحافظة. المعاينة التى أجرتها نيابة الأقصر أكدت سلامة أبواب القصر الخارجية والداخلية ووجود جثة المجنى عليها لودى ممددة على أول سلم القصر المؤدى للطابق الثانى منه، بينما كانت جثة صوفيا فى بئر السلم. واتضح من المعاينة وجود إصابات متعددة بالرأس والوجه والجبهة بآلة حديدية، تم العثور عليها على منضدة بالصالة الرئيسية، وهى عبارة عن قطعة حديد سميكة طولها 40 سم. وكشفت المعاينة وجود باب خشبى يؤدى إلى غرف الطابق الثانى للقصر المكون من طابقين، ويقع فى الجدار الشرقى للقصر المطل على معبد الأقصر، كما توجد كميات هائلة من التراب وبقايا القصر القديم الذى كان ملاصقاً للقصر مسرح الجريمة الذى كان يمتلكه يس اندراوس عم الضحيتين والذى أزيل خلال خطة تطوير الأقصر. ورجحت المعاينة أن الجانى تسلل إلى القصر عبر التل الترابى المتراكم إلى الداخل عبر الباب الخشبى المتهالك، والناتج عن مخلفات هدم قصر يس باشا أندراوس عم القتيلتين، وأكدت المعاينة أيضا عدم اختفاء أى مقتنيات من القصر، برغم وجود بعض الأدراج مفتوحة، والأوراق المبعثرة. اتصلت بالزميل نصر القوصى وأحد أبناء محافظة الأقصر وأحد الباحثين فى الملف القبطى والوحيد الذى سمح له بدخول قصر توفيق باشا اندراوس وإجراء حوار مع بناته منذ سنوات. وسألته: تعتقد من يقف وراء تلك الحادثة؟ خاصة أن البعض يحاول تأويلها على أكثر من وجه ومنها الفتنة الطائفية ؟ فقال: ما حدث كان مفاجأة للجميع خاصة أن كل من يعيشون بجوار قصر توفيق باشا اندراوس بل جميع أهل الأقصر تربطهم علاقة مودة قوية بحفيدتى اندراوس باشا، كما أنهم خلال الفترة الأخيرة انعزلتا عن الناس واكتفتا بالتعامل مع الفلاحين الذين يزرعون لهم أرض جزيرة الموز فهى ملك لتوفيق باشا اندراوس، والحادث ليس كما يذكر البعض أنه لم يكن بغرض السرقة، فأنا من وجهة نظرى الشخصية جاء بغرض السرقة بدليل وجود أوراق مبعثرة وبعض الأدراج وجدت مفتوحة، كما أن قصر توفيق باشا اندراوس ملىء بالتحف والمقتنيات الأثرية النادرة، وهذا أكثر دافع للسرقة خاصة فى ظل حالة الانفلات الأمنى الموجودة حاليا. وأضاف نصر القوصى أن توفيق باشا اندراوس كان له 4 بنات وولد هو جميل توفيق اندراوس جميعهم لم يتزوجوا وكانت صوفى ولودى هما آخر أبنائه الذين بوفاتهما لم يعد هناك أحد من ذرية توفيق أندراوس على قيد الحياة. وأضاف القوصى أن لودى توفيق باشا أندراوس كانت تمتلك شخصية قوية فقد أخرجت طبنجتها الخاصة ورفعتها فى وجه اللواء سلمى سليم رئيس مدينة الأقصر وقتها حينما جاء بجيوش الأمن وموظفيها محاولا إزالة سلم من سلالم قصر توفيق باشا أندراوس ذلك القصر الأثرى الذى مر عليه أكثر من مائة عام ودخل ضمن التراث المصرى، ومازالت أجهزة الأمن فى الأقصر حتى كتابة هذه السطور تبحث عن القاتل. ملحق : أندراوس.. تاريخ من الوطنية توفيق باشا أندراوس أحد أخلص رجال الحركة الوطنية ونائب الأقصر لثلاث دورات ولم تنتخب الأقصر نائبا غيره حتى وفاته وهو الذى قام بالإعداد للمؤتمر الوطنى فى السادس من يناير 1935 وبين هذا التاريخ وميلاده سنة 1893 سطر التاريخ سيرة هذا المناضل الوطنى فى أنصع صفحات أسفار التاريخ الوطنى عن هذا المسيحى الثائر الذى انتخبته الأغلبية المسلمة نائبا لها فى البرلمان ثلاث دورات ولو عاش ما انتخبوا غيره ، كان عضواً بحزب الوفد عندما نفت السلطات سعد باشا زغلول ورفاقه وعلم أن أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد فما كان منه إلا أن باع 700 فدان ووضع ثمنها تحت تصرف أم المصريين للصرف على الحركة الوطنية وفى رحلة سعد زغلول النيلية إلى الصعيد استقبله توفيق أندراوس على رأس أهالى الأقصر وما حولها رغم كل محاولات بدر الدين بك مدير الأمن العام أيامها وكان فى عنفوان قوته وجبروته لم يهب توفيق أندراوس قوات بدر الدين وأسلحته التى حاولت الحيلولة دون رسو باخرة سعد باشا فى الأقصر بحجة دواعى الأمن فتصدى لهم توفيق باشا واستقبل سعد زغلول بداره وكان اجتماعا تاريخيا مشهودا للوطنية فى الصعيد فى سنة 1921 ودوت الجماهير بهتافها المدوى «يحيا سعد فهتف سعد زغلول بل يحيا توفيق أندراوس» وأن قصر أندراوس باشا بالأقصر جمع بداخله التحف الأثرية، حيث إنه كان من هواة جمع الآثار والتحف وكانت ابنتاه تقومان برحلة سنوية إلى أوروبا. هذا المسيحى الثائر الذى انتخبته الأغلبية المسلمة نائبًا لها فى البرلمان ثلاث دورات ولو عاش ما انتخبوا غيره لم يكن فى حاجة للمال، فوالده أندراوس باشا بشارة من أثرى أثرياء مصر، لكن هذا الثراء لم يكسب أسرته أنانية وتكبرًا بل سخاءً وعطاءً وخيرية، فقام والده بوقف مائة فدان لخدمة مساجد وكنائس الأقصر مناصفة وأوقف عشرة أفدنة لخدمة المدرسة الصناعية لأنه كان يؤمن بأن الصناعة والحرف تشكل المستقبل لشباب الأقصر، ثم قام ببناء مدرسة الأقباط التى مازالت قائمة، وبنى مسجد المقشقش ومسجد المدامود وجمعية الشبان المسلمين والعديد من المشروعات الخيرية. وتصدر توفيق أندراوس صفوف الثورة ووهب لها عمره، وحاول القصر الملكي أن يثنيه وعرض عليه أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكى، وكان زميلا له فى جامعة أكسفورد، رغبة الملك فؤاد فى تعيينه سفيرًا فى لندن على أن يترك سعد زغلول فكان رده الرفض بشدة. ويذكر التاريخ أنه نتيجة لطلباته دخلت المياه النقية والنور إلى الأقصر قبل محافظة الجيزة، وكان له العديد من الموافق البرلمانية الوطنية المشهودة. فسقف القصر رسمه فنان فرنسى رسم كافة اللوحات فى السقف، ثم رسم الأوبرا الفرنسية بعدها مات. وهناك العديد من اللوحات لفنانين فرنسيين، والبيانولا الموجودة فى القصر ليس لها مثيل أو شبيه سوى نسخة ثانية بفرنسا. ومات توفيق أندراوس فى ريعان شبابه ووافقت وفاته مناسبة لا تتكرر وهى اجتماع عيد الفطر المبارك وعيد الميلاد المجيد فى يوم واحد، فخيم على الأقصر الحزن العميق وخرجت جماهير الأقصر وقوص وأرمنت فى موكبه الحزين وشهدت جنازته العديد من الشخصيات منهم مكرم عبيد باشا، سكرتير الوفد، وتوفيق دوس، وزير المواصلات، ونقيب الأشراف محمد أبو الحجاج الحجاجى، والعالم الجليل الحسين الحجاجى. وفى عام 2000 تبرعت بناته بقطعة أرض بجزيرة الموز لبناء قصر رئاسى بالأقصر بعد أن نصح الأطباء الرئيس السابق حسنى مبارك بالبحث عن مكان جاف للاستشفاء فيه وحددوا له المكان بجزيرة الموز، إلا أن الثورة قامت قبل بناء القصر الرئاسى فعادة الأرض لأصحابها.