رغم أن الجمعية التأسيسية للدستور أعلنت مسودتها الأولى لبعض مواد الدستور المصرى الجديد فى أربعة أبواب رئيسية فقط.. وطرحها على الرأى العام ليقول كل المصريين رأيهم فى هذه المسودة بكل صراحة.. ووضوح.. لكن أعضاء المحكمة الدستورية العليا رفضوا بعض ما جاء فى هذه المسودة للمواد المتعلقة بالمحكمة الدستورية.. وأعلنوا بكل قوة رفضهم الكامل والتام لبعض هذه النصوص.. وحدثت مواجهة ساخنة بين أعضاء المحكمة الدستورية والجمعية التأسيسية.. ونعتقد أنها ستستمر خلال الأيام القادمة. فبعد أن نشرت بعض الصحف بعض النصوص المقترحة عن السلطة القضائية فى الدستور الجديد.. أرسلت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار ماهر البحيرى بمذكرة للمستشار حسام الغريانى- رئيس الجمعية التأسيسية- بملاحظاتها وتعليقاتها حول الأحكام الخاصة بالمحكمة. ولكن عندما صدرت المسودة الأولى للدستور التى أعدتها الجمعية التأسيسية عن المحكمة الدستورية قامت الدنيا ولم تقعد.. وعقدت المحكمة اجتماعا طارئا بكامل تشكيلها لإبداء الرأى فى النصوص الدستورية المتعلقة بالمحكمة.. وأعلنوا بكلمات واضحة تماما عن رفضهم الكامل والتام لكافة النصوص واعتبروا هذه النصوص ردة للوراء وانتهاكا بالغا لسلطة المحكمة. وكشف رئيس المحكمة أن النص فى المسودة اعتبر المحكمة فرعا من السلطة القضائية.. وأنها يجب أن تكون هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها بعيدا عن سلطات الدولة المختلفة وألا تكون جزءا من أى سلطات أخرى بما فيها السلطة القضائية ضمانا للحيدة المطلقة لها وحتى تكون أحكامها فى دستورية القوانين واللوائح ملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة. واعترض أعضاء المحكمة على أن النص على اختصاصات المحكمة قد تضمن عبارة أن المحكمة الدستورية لا تختص بالفصل فى الدعوى الموضوعية وهو ما لم يقل به أحد ولم تدع المحكمة الدستورية يوما بأنها تختص به. وقالت المحكمة إن النص الخاص بتعيين أعضاء المحكمة أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة بما يشكل ردة غير مسبوقة عن مبدأ استقلال هذه المحكمة واختيار قضاتها، كما يمثل تسلطا لإحدى سلطات الدولة وهى السلطة التنفيذية على سلطة أخرى. *** وبالنسبة للرقابة السابقة على دستورية مشروعات القوانين من شأنه أن يحصن القوانين من الرقابة اللاحقة على نحو غير ملزم للسلطة التشريعية فى أن تلتزم بما أبدته هذه المحكمة من أوجه العوار الدستورى الذى لا يظهر إلا بعد تطبيقها والعمل بها، وأن مسودة الدستور المقترح فى تطبيقها ستغل يد السلطة القضائية وتمنعها من إجراء أى تعديل على أى عوار دستورى فى القوانين. وقد وصف المستشار ماهر سامى- نائب رئيس المحكمة- مسودة الدستور بأنها جاءت مبهمة وغامضة ومضطربة وتمثل جوارا على اختصاص المحكمة واستقلالها وردة إلى الوراء. *** وعلى الجانب الآخر فقد أعلن عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور تحفظهم على ما قاله أعضاء الدستورية العليا. وأشار صبحى صالح- عضو التأسيسية- إلى أن الجمعية تتعامل مع كل الاقتراحات التى تتلقاها حول مواد الدستور وأن المحكمة الدستورية ليست وصيا على الجمعية لوضع دستور خاص، وأن الدستور هو الذى ينشئ سلطة المحكمة الدستورية وليس العكس.. ومن حق أى جهة أن ترسل مقترحاتها إلى الجمعية التأسيسية. كما أكد د. جمال جبريل- رئيس لجنة نظام الحكم بالجمعية- أنه لم تحدث تغييرات جوهرية على المواد الخاصة بالمحكمة الدستورية العليا.. وأنه تم تغيير بعض المواد من أجل الصالح العام ولصالح العمل فى المحكمة. وبالنسبة للتعديلات الخاصة بتعيين أعضاء المحكمة، فقد تم اختيارهم من الجمعيات العمومية لمحاكم الاستئناف والنقض ومجلس الدولة، وذلك لمنع الاختيار بالوساطة، كما كان يحدث من قبل.. وأن القانون سوف يحدد أعضاء الجمعية مثل كل دول العالم. وأن وضع الرقابة السابقة فى مواد الدستور خاصة بقانون الانتخابات البرلمانية مثلما حدث مع انتخابات الرئاسة، إنما الهدف هو منع إصدار أحكام قضائية بحل البرلمان الذى تم انتخابه بعد أن تم صرف ملايين الجنيهات من المرشحين. كما أن أعضاء المحكمة لم يعترضوا على الرقابة السابقة التى تم وضعها بالنسبة لقانون انتخابات الرئاسة فى عام 2005. وقد أكد أعضاء التأسيسية أن اعتراض المحكمة الدستورية ليس له مبرر لأن بعض المواد لم يتم تغييرها عن دستور 1971. *** كانت هذه هى المواجهة بين أعضاء الجمعية التأسيسية وأعضاء المحكمة الدستورية العليا التى حدثت فى الأيام الماضية.. ولكن يبدو أننا سنشهد معركة جديدة كلما اقترب موعد انتهاء الجمعية التأسيسية من إعداد الدستور الجديد لطرحه على الشعب.