يتداول المصريون نكتة قديمة تقول: «إن ثلاثة متهمين سئلوا قبل تنفيذ عقوبة الإعدام فيهم.. نفسك فى إيه قبل ما تموت»؟.. وكان الأول أكولا.. فطلب «فتة ولحمة ضانى.. وكان الثانى شخص حنين.. مشغول بمن حوله.. فطلب «أشوف أمى».. أما الثالث.. فكان حقودا حسودا.. ومن ثم كان طلبه أن من سئل قبله «لا يشوف أمه»! وهو أمر غريب.. ألا تطلب لنفسك شيئا.. وإنما تمنع الآخرين أن يحصلوا على ما يرغبون.. أو ما يطمحون إليه.. ولكن «هذه هى الحياة» كما يقول الفرنسيون.. وهذه طبيعة البشر التى تتراوح ما بين الخير والشر. وقد أبتليت كثيرا بالنوع الثانى من البشر.. الذى قد لا تساعده إمكانياته الشخصية على تحقيق ما يتمناه.. ومن ثم وحتى لا يصاب بالحسرة وخيبة الأمل.. فإنه يسعى فى ألا يحصل غيره على ما يستحقه.. ولكن لم أكن أتوقف كثيرا عند هؤلاء، وكنت اتغاضى عما يحاولونه معى.. تارة لأنهم «كتع» وكثيرا ما كانت محاولاتهم تبوء بالفشل.. وتارة أخرى بسبب إيمانى بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. و«أن الله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون».. فربنا موجود فى كل مكان.. وزمان.. وهو يعلم السر وما يخفى.. والحمد لله.. الذى كان يسخر- بمشيئته- بعض عباده الصالحين لمساعدتى.. ودفعى إلى الأمام.. فبعد عملى بالصحافة فى بداية الثمانينيات.. حصلت على شهادة جامعية أخرى وهى ليسانس حقوق.. ثم انتخبت عضوا بمجلس نقابة الصحفيين ومن بعدها عضوا بمجلس إدارة نادى الصحفيين منذ تأسيسه وحتى الآن.. وبجوار ذلك كنت مديراً للبرامج بمركز القاهرة للمعلومات الاقتصادية.. وأسست مع زملائى شعبة المحررين الاقتصاديين بالنقابة واختارونى أمينا عاما لها. هذا عن العمل العام.. أما المهنى.. أى ممارسة الصحافة بمجلة «أكتوبر» فقد عملت محررا اقتصاديا.. ثم رئيسا للقسم.. ثم انتقلت إلى القضاء.. محررا ورئيسا للقسم.. ثم مساعدا لرئيس التحرير.. فنائبا لرئيس التحرير.. ثم مدير التحرير ثم مديرا عاما.. ورشحت من قبل أكثر من مرة لمناصب أعلى، ولكن دائما ما كان يتدخل البعض لعرقلة هذا الترشيح وعدم إتمامه.. ومع ذلك كنت أواصل عملى بكل جدية وإخلاص.. لعل وعسى يصيبنى الدور. وعندما أعلن مجلس الشورى عن معايير جديدة لاختيار رؤساء التحرير تقدمت فى المسابقة.. وفحصت أوراقى وتمت الإشادة بها.. ولكن لم يحالفنى الحظ.. وبعدها أخطرنى صديق على صلة «بمطبخ القرار» بترشيحى لرئاسة مجلس الإدارة.. ولكن أيضا لم يصبنى الدور.. فحمدت الله على الصحة والستر ورضيت بما قسم الله لى.. حتى فوجئت باختيارى عضوا بالمجلس الأعلى للصحافة.. فعادت البسمة إلى وجهى.. والفرحة إلى قلبى وانتظرت أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.. وهو ما حدث فعلا.. فعندما اجتمع المجلس بكامل أعضائه لاختيار هيئة المكتب ورؤساء اللجان النوعية به.. رشحت نفسى لمنصب الأمين العام.. على سند من خبراتى النقابية والاقتصادية والقانونية.. فضلا عن علاقاتى المتوازنة مع جميع زملائى الصحفيين من كافة التيارات السياسية.. وهى مؤهلات خاصة تتطلبها طبيعة منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة. وفوجئت أننى فى منافسة شديدة مع زملاء اعتز بعلاقتى معهم.. وأن هناك قوائم انتخابية تضم البعض وتستبعد البعض الآخر.. وكدت انسحب، فقد حز فى نفسى أن البعض يهاجمنى بدون سبب.. وأن البعض الآخر غير مرشح لذات المنصب.. ولكنه يعمل على عدم حصولى عليه.. ولكن فريقا من محررى المجلة وبعض زملائى الاقتصاديين أصروا على استمرارى فى المنافسة. وأجريت الانتخابات.. وكانت حرة نزيهة.. وشارك فيها جميع الحاضرين بكل شفافية.. وحدث ما توقعه الزملاء وفزت بمنصب «الأمانة العامة» فحمدت الله شاكرا.. ولكن حزنت لمن خسروا.. فقد كانوا فى غنى عن ذلك! *** نعم.. بعد مشوار طويل فى الصحافة.. رضيت من الغنيمة ب «الأمانة».. وهى فعلا أمانة ومسئولية كبرى أعاننا الله جميعا عليها. فالصحافة المصرية تعانى من مشكلات عديدة.. وهو ما أثر على دورها بالتراجع إقليميا ومحليا.. وبعض إصداراتها يصل المرتجع منها إلى أكثر ما يطبع منها!! ناهيك عن ضرورة إعادة النظر فى التشريعات المنظمة لها.. للتحديث والتطور وإزالة ما بها من «حشو» تخطاه الزمن.. وتعدته الظروف.. ثم إن المؤسسات الصحفية القومية.. والتى تعد العمود الفقرى للصحافة والإعلام المصرى عموما تعانى من خلل مالى رهيب.. وبعضها تراكمت عليه الديون.. وبعضها الآخر أوشك على إعلان إفلاسه.. ولولا الدعم الشهرى من قبل مجلس الوزراء.. ومجلس الشورى.. ومعهما المجلس الأعلى للصحافة لحدث مالا يحمد عقباه.. وما يصعب تداركه.. هذا بخلاف المجلس الأعلى ذاته.. والعاملين فيه.. والذين تفرقت بهم السبل.. ووزعوا على أماكن أخرى.. كأنهم لاجئون! *** ومع ذلك.. وعلى الرغم من كل ما رأيته وسمعته خلال الأيام القليلة الماضية.. إلا أننى مازالت متفائلا.. وقلنا إنه لا توجد مشكلة بلا حل.. وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. وأعتقد أن هيئة مكتب المجلس بتشكيلها الجديد وبقيادة رئيسها الفاضل الحكيم وبالتعاون مع اللجان النوعية بالمجلس.. وكل أعضائه.. ومن خلال الدراسة المتأنية والرؤية الموضوعية.. أن مشاكل الصحافة المصرية لن تكون بعيدة عن الحل.. بل أعتقد أن الصحافة المصرية.. سوف تعود لأن تكون «قراءة المجتمع» والمعبرة عنه.. وأنها ستعود أيضا لاحتلال دورها الرائد محليا وإقليميا.